المعونة الأمريكية والكرامة المصرية
إن التخلي عن المعونة الأمريكية بشقيها الاقتصادي والعسكري لن يضر باقتصاد أو جيش مصر، بل على العكس من ذلك سيحرر الإرادة المصرية من السيطرة الأمريكية، ويجعلها قادرة على اتباع سياسة زراعية تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح، وسياسة عسكرية تمكنها من تنويع مصادر سلاحها ..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
كثر الحديث والجدل في الآونة الأخيرة عن المعونة الأمريكية لمصر وخاصة في ضوء التهديدات الأمريكية بقطعها بسبب تعرض السلطات المصرية للمنظمات الأمريكية غير الحكومية التي تحاول بناء الديمقراطية في مصر على حد قولهم، وتباين الرأي المصري بين تباكي البعض على فقد المعونة وما يتبع ذلك من تأثير سلبي على الاقتصاد المصري، وبين المطالبة الشعبية برفضها حفاظاً على الكرامة المصرية.
ورغم أن الحديث عن المعونة الأمريكية هو الموضوع المثار بشأنه الجدل، إلا أنه في الحقيقة يتسع ليشمل كافة المعونات أو المنح الدولية، سواء أكانت مقدمة من دول أو من هيئات ومؤسسات دولية.ذلك لأنه لا يوجد في عالم السياسة أو الاقتصاد من يقدم معونات أو منح بدون مقابل، فالعلاقات بين دول العالم قائمة على أساس تحقيق المصالح.
لذا أردت أن يكون هناك نقاش موضوعي حول تأثير المعونة الأمريكية على الجانبين الاقتصادي والسياسي في مصر، وذلك بمنطق المكسب والخسارة أو الإيجابيات والسلبيات بعيداً عن التهويل أوالتهوين، وصولاً إلى حقائق مبنية على معلومات وتحليل للبيانات تمكن صانع القرار المصري من التعامل بالطريقة الصحيحة مع موضوع المعونة الأمريكية بشكل خاص، والمعونات الدولية بشكل عام.
نشأة المعونة الأمريكية لمصر المعونة الأمريكية لمصر نشأت في أعقاب توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني عام 1979 برعاية أمريكية، وبعد التوقيع علي الاتفاقية قدم الرئيس الأمريكي آن ذاك " جيمي كارتر " معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وإسرائيل، بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و 2.1 مليار دولار لمصر منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية و1.3 مليار دولار معونة عسكرية.
بنود صرف المعونة:
يجب العلم بأن10% فقط من المعونة الأمريكية تستلمه مصرفي صورة نقدية، 28% لتمويل الواردات السلعية، 42% لتمويل مشاريع في قطاعات مختلفة، 20% لتمويل توريد سلع زراعية وفق قانون فائض الحاصلات الزراعية الأمريكي.
شروط صرف بنود المعونة:
رغم تحديد الجانب الأمريكي لبنود صرف المعونة، إلا أنه لم يكتف بذلك ووضع شروطاً لتقييد الصرف من تلك البنود تتضمن:
1- برنامج الواردات السلعية يجبر الحكومة المصرية على شراء المنتجات الأمريكية حتى وإن كانت أسعارها مرتفعة عن الأسعار العالمية، وكذلك يشترط نقلها على سفن أمريكية.
2- برنامج تمويل توريد السلع الزراعية يحظر استخدام المعونة في كل ما من شأنه جعل مصر قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.
3- برنامج تمويل المشاريع يشترط الاستعانة بالخبراء الأمريكيين في شتى مجالات العمل، وقد وصل عددهم إلى 26 ألف خبير يحصلون على 35 % من القيمة السنوية للمعونة.
4- برامج التدريب والابتعاث تشترط إرسال كبار المسئولين ورجال الدولة من المبتعثين المصريين لتلقي دورات تدريبية في الولايات المتحدة، ويتم خلال هذه البرامج ربط المتدربين بالولايات المتحدة بحيث يتحول هؤلاء المتدربين عند عودتهم إلى منفذين للنموذج الأمريكي.
الإشراف على التنفيذ:
لم يقتصر الأمر على تحديد بنود وشروط الصرف، وإنما تجاوز ذلك إلى الإشراف على التنفيذ من قبل هيئة المعونة الأمريكية، حتى لا تذهب المعونة إلى قطاعات لا ترغب الولايات المتحدة في دعمها حتى وإن كانت استراتيجية بالنسبة للجانب المصري. خفض المعونة الاقتصادية والتهديد بقطع العسكرية المعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر لا يتجاوز حجمها 2% من إجمالي الدخل القومي المصري وفقاً للتقارير الرسمية لوزارة التعاون الدولي، ومع هذا واعتباراً من عام 1999 بدأت الولايات المتحدة في تخفيض المعونة الاقتصادية المقدمة لمصر بواقع 40 مليون دولار سنوياً، وبموجب هذا التخفيض السنوي المستمر تقلصت المعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر إلى 50% من حجمها عام 1998 لتصبح 407.5 مليون دولار في عام 2009، ثم انخفضت إلى 250 مليون دولار عام 2010، وقد صرح رئيس غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة بأن المعونة الأمريكية لا تمثل أي شئ للاقتصاد المصري، وأن العام الحالي هو العام الأخير للمعونة الاقتصادية لمصر. أما المعونة العسكرية البالغ قدرها 1.3 مليار دولار فقد أعلن رؤساء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي أنها في خطر حقيقي ومن الممكن قطعها، وجاء التهديد الأكثر فاعلية من النائبة " كاي جرانجر " رئيس اللجنة الفرعية الخاصة بالعمليات الأجنبية المنبثقة عن لجنة المخصصات بالمجلس، التي قالت أنه لا ينبغي إرسال دولار واحد إلى حكومة مصر حتى تؤكد وزيرة الخارجية للشعب الأمريكي حل قضية مضايقة الأمريكيين حسب زعمها.
تقييم منافع وأضرار المعونة الأمريكية لا شك أن المعونة ساهمت في تطوير وتحديث بعض الجهات الحكومية والخاصة عن طريق إمدادها بأجهزة الكمبيوتر وتدريب بعض المسؤلين على الأساليب العلمية الحديثة في الإدارة، كما أنها ساهمت في تحسين بعض مشاريع البنية التحتية، ولا يجب إنكار أن عدم الاستفادة القصوى من المعونة يرجع بسبب ما إلى تقصير من الجانب المصري الذي قبل معونة دون أن يدرس شروطها بعناية، ودون أن يكون لديه خطة مسبقة لاستخدامها، وسواء أكان التقصير نتيجة عدم دراية أو نتيجة الفساد المستشري وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة. ومما لا شك فيه أيضاً أن المعونة ساهمت في إفساد العديد من المسئولين من أعلى مستويات الحكم وحتى مستويات المجالس القروية في أعماق الريف المصري، وتشير الدراسات إلى أن 70% من المعونة تعود مرة أخرى للولايات المتحدة، ويكفي العلم بأن هناك أكثر من 1200 شركة أمريكية استفادت من المعونات التي قدمت لمصر في تصريف منتجاتها المرتفعة سعراً والمنخفضة كفاءة عن مثيلاتها العالمية، والأخطر من ذلك دعم المعونة في اتجاه جعل النظام السياسي في مصر جزء من المنظومة السياسية الأمريكية. المعونة الاقتصادية تبدأ باعتياد يتحول لاعتماد فتبعية بدأت المعونة لمصر على هيئة منح لمواد غذائية كالدقيق واللبن الجاف والجبنة الصفراء في إطار برنامج المعونات الموجه من الولايات المتحدة إلى الدول النامية لكسب موطئ قدم لها في الدول التي لها علاقات مع الاتحاد السوفيتي.
مع استمرار هذه المعونات اعتادت مصر عليها فقررت الولايات المتحدة أن تحول هذا الاعتياد المصري إلى اعتماد، وذلك بتحويل المنح الغذائية إلى معونة اقتصادية سنوية لها قيمة محددة، وبنود صرف مخصصة، وشروط منصوص عليها، وإشراف على التنفيذ من قبل هيئة المعونة الأمريكية، وبعد تأكد الولايات المتحدة من عجز قدرة متلقي المعونة عن الاستغناء عنها أرادت تحويلها إلى تبعية وإملاء لشروط يؤدي تنفيذها إلى تدهور اقتصادي واجتماعي شامل وخطير يتمثل في:
1- الاعتماد على المعونة الأمريكية في تمويل توريد الحاصلات الزراعية بأسعار تقل عن تكلفة إنتاجها، أدى إلى تحول القطاع الزراعي الاستراتيجي من زراعة القمح والذرة والأرز إلى زراعة الفراولة والكنتالوب، حتى أصبحنا عاجزين عن الأكتفاء الذاتي من القمح، وفقدنا القدرة على مواجهة أي نقص مفاجئ في التوريدات ناتج عن انخفاض الإنتاج العالمي نتيجة لتغير ظروف المناخ للدول المنتجة.
2- تخفيض أو إلغاء الدعم وفقاً للتوصيات الأمريكية في الإصلاح الاقتصادي أدى إلى اكتواء المصريين بنار الغلاء وعجزهم عن توفير ضروريات معيشتهم.
3- تبعاً لتنفيذ خطة الخصخصة والاعتماد على رجال الأعمال في تحقيق التنمية الاقتصادية للدولة، تم بيع القطاع العام المملوك للشعب، وبذلك أهدرت الثروة الرأسمالية المصرية دون إضافة أصول إنتاجية جديدة.
4- بيع القطاع العام واتباع سياسة المعاش المبكر تسببا في تشريد آلاف العاملين وأسرهم، والقطاع الخاص المدعوم حكومياً وأمريكياً عجز عن توفير فرص عمل كافية، كل ذلك فاقم من ظاهرة البطالة التي تهدد الاستقرار الاجتماعي.
5- توجيه الدعم للمشاريع السياحية بدلاً من دعم الإسكان الشعبي أدى إلى انتشار العشوائيات بكل ما تحمله من أمراض اجتماعية وجرائم تهدد أمن المجتمع المصري.
6- اتباع سياسات التقشف وخفض الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم أدى لانخفاض مخرجات التعليم من العقول القادرة على التطوير وإيجاد حلول للمشاكل.
كذلك انخفاض الإنفاق على قطاع الصحة تسبب في اعتلال الأبدان وعدم قدرتها على العمل والإنتاج في حالة من التدهور غير المسبوق في تاريخ مصر المعاصر.
المعونة جعلت من الولايات المتحدة الدائن الرئيسي، والمستثمر الرئيسي في قطاع النفط وقطاع الإنتاج والخدمات، والمستورد الرئيسي للصادرات المصرية، حتى أصبح النظام المصري عاجز عن اتخاذ أي مواقف تتعارض مع التوجهات الأمريكية في المنطقة حتى وإن كانت تتعارض مع مصلحة مصر.
مما تقدم يتضح أن المعونة الاقتصادية لمصر لا تمثل سوى 0.1% من قيمة الناتج القومي المصري البالغ 216 مليار دولار، وبالتالي ليس لها تأثير يذكر على الاقتصاد المصري، وهي تصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول، وأن ضررها أكثر من نفعها على الاقتصاد والمواطن المصري.
المعونة العسكرية تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة أوضحت دراسة أعدها مكتب محاسبة الإنفاق الحكومي التابع للكونجرس الأمريكي بشأن المعونة المقدمة لمصر، أن المسئولين الأمريكيين والخبراء يرون أن المساعدات الأمريكية لمصر تساعد في تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وقدم التقرير عينة من المصالح التي حصلت عليها أمريكا في خمس سنوات فقط كمقابل لتقديم هذه المساعدات منها:
- سمحت مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية، ووصل عدد مرات مرور الطائرات الأمريكية 36553 مرة خلال الفترة من 2001 - 2005.
- منحت مصر تصاريح حق المرور العاجل لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال نفس الفترة، وقامت بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج، علماً بأن باقي الدول يجب أن تبلغ مصر قبل مرور سفنها الحربية والنووية قبل ذلك بحوالي شهر.
- دربت مصر 250 عنصرا من الشرطة العراقية و25 دبلوماسيا عراقيا خلال عام 2004.
- أقامت مصر مستشفى عسكري وأرسلت أطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية في أفغانستان بين عامي 2003 - 2005 حيث تلقى حوالي أكثر من 100 ألف مصاب الرعاية الصحية.
- يقول " جريم بانرمان " الخبير في معهد الشرق الأوسط ومؤسس شركة استشارات بانرمان أن مصر في عهد مبارك ساعدت أمريكا كثيراً وفي كل شيء تقريباً، بداية من تبادل المعلومات والتعاون المخابراتي، وهذا بخلاف الدور المصري الهام المساند للمصالح الأمريكية الإقليمية في فلسطين (حصار حماس)، والعراق، ودارفور، وحتى الأزمة النووية الإيرانية، وما تكشف أيضاً عن إرسال أمريكا معتقلين عرب لتعذيبهم واستجوابهم في مصر.
المعونة العسكرية لا تمثل سوى 0.6% من قيمة الناتج القومي المصري، وتمنح لمصر بالأساس مقابل التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل، ومقابل إعطاء مصر أولوية لمرور قرابة 12- 15 سفينة حربية ونووية أمريكية في قناة السويس دون انتظار، كما تعطى أمريكا المعونة لمصر للاستفادة من نفوذها في المنطقة العربية، وقدرتها على التأثير في مجريات الأمور لصالح الأهداف الأمريكية. منهجية التعامل مع المعونة بعد هذه الحقائق عن المعونة الأمريكية، وتقديراً لطبيعة المرحلة التي تمر بها مصر الثورة، وبعيداً عن العنتريات والتهديدات والانفعالات والقرارات المتسرعة التي تضخم موضوع المعونة، فمن الضروري التعامل مع المعونة بمنهجية وحكمة، منهجية تضمن في المقام الأول الحفاظ على الكرامة المصرية، ومن بعد ذلك تحقيق المصلحة الاقتصادية، وحكمة في مراجعة اتفاقيات ومعاهدات مصر الدولية التي أبرمها النظام السابق، مع إعطاء الأولوية لاستقرار الأوضاع الداخلية. الحفاظ على الكرامة المصرية: في تصوري أنه لا يوجد مصري يختلف على أن الحفاظ على الكرامة المصرية مقدم على المصالح الاقتصادية والسياسية، ولأن البعض يريد أن يسوق للمساعدات المشروطة بإملاءات تمس بالسيادة والكرامة المصرية على أنها معونات ومنح، لذا ينبغي أن يكون لدينا رؤية واضحة وعدم الخلط بين المساعدات المشروطة التي يجب رفضها، وبين المعونات والمنح التي يمكن قبولها لأنها تمثل أمر طبيعي تحتاج إليه جميع دول العالم في أوقات الكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية وتعتبر نوع من أنواع التعاون الدولي.
تحقيق المصلحة الاقتصادية:
من الطبيعي في الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول أن تسعى كل دولة لتحقيق أقصى مصلحة ممكنة لها من وراء الاتفاق، بشرط إلا يكون ذلك على حساب الإضرار بمصالح الدولة أو الدول الأخرى، ومن غير الطبيعي أو المقبول أن تفرط دولة في مصالحها الاقتصادية لحساب مصلحة دولة أخرى.
وإذا حدث هذا في فترة من الفترات نتيجة فساد النظام السياسي، فيكون من الواجب بعد إسقاط النظام مراجعة كافة الاتفاقيات التي فيها إضرار بمصالح مصر الاقتصادية، والتفاوض بشأن تعديل الشروط، والتقاضي واللجوء للتحكيم الدولي إذا لزم الأمر لاسترداد الحقوق.
الحكمة في مراجعة الاتفاقيات والمعاهدات:
الشعب المصري الذي قام بثورة احترمها العالم وأشاد بها لتحضرها وسلميتها، عليه أن يعلم بأن مصر دولة ذات قامة كبيرة وتلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تبرمها، وإن كان هناك ضرر واقع عليها من وراء بعض المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمها النظام السابق، فلا ينكر أحد على الشعب المصري حقه في طلب تعديل الشروط المجحفة لتلك الاتفاقيات أو حتى إلغائها، على أن يكون ذلك بالتحرك في الاتجاه الصحيح باتخاذ الإجراءات السياسية والقانونية المتعارف عليها دولياً، وليس بإطلاق التصريحات الرنانة التي تلهب مشاعر الناس ولا تغير من الواقع شيئاً.
الأولوية لاستقرار الأوضاع الداخلية:
إن استقرار الأوضاع الداخلية السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية أولوية شعبية لأنه يبعث برسالة تطمين للمجتمع الدولي على أن مصالحه مع مصر الثورة لن تتأثر بتغير نظام الحكم.
لذا يجب العمل الجاد على تحقيق مطالب الثورة التي تنادي بتطهير مؤسسات الدولة من المفسدين من بقايا النظام السابق، لأن هناك تخوف حقيقي من انتهاجهم لسياسة التصفير، التي تعمل على تسليم الدولة في نهاية المرحلة الانتقالية للحكومة التي سيشكلها الرئيس المنتخب بخزانة خاوية ومثقلة بالديون وفوائدها، وعلاقات دولية وإقليمية مقطوعة أو متوترة، وفتن داخلية بين المسلمين والمسيحيين، وبين الشعب والجيش، وبين بورسعيد وباقي محافظات مصر، وبين العائلات في الصعيد، إلى آخر السياسات التصفيرية التي يشعر بها الجميع وينسبونها في سخرية للطرف الثالث واللهو الخفي.
إن التخلي عن المعونة الأمريكية بشقيها الاقتصادي والعسكري لن يضر باقتصاد أو جيش مصر، بل على العكس من ذلك سيحرر الإرادة المصرية من السيطرة الأمريكية، ويجعلها قادرة على اتباع سياسة زراعية تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح، وسياسة عسكرية تمكنها من تنويع مصادر سلاحها لإنهاء التفوق العسكري الإسرائيلي الذي تضمنه الولايات المتحدة لها.
كما أن التهديد بقطع المعونة من الجانب الأمريكي أو التخلي عنها من الجانب المصري لا يجب أن يكون سبباً في أزمة سياسية أو قطيعة دبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يجب أن يكون نقطة انطلاق نحو علاقات اقتصادية وسياسية متوازنة ومتكافئة ليس مع الولايات المتحدة وحدها ولكن مع كل دول العالم. وعلى الحكومة المصرية مصارحة الشعب بحقيقة المعونة بعيداً عن الإثارة الإعلامية وتهييج المشاعر الشعبية، لأن الشعب المصري الذي صنع ثورة ملهمة لدول العالم لا يسعى إلى الصدام وقطع العلاقات، لكنه يرغب في تأسيس علاقات متميزة مع كافة الدول ليتمكن من إعادة بناء مصر الثورة.
عبد الفتاح صلاح