الشيخ مقبل الوادعي ودار الحديث بـ (دمَّاج)
معاناة الطلاب السلفيين والحرب المعلنة عليهم بالقتل والحصار من قبل العصابات الحوثية التي نقلتها وكالات الأنباء وأصبحت حديث الساعة لم يعد خافياً.
معاناة الطلاب السلفيين والحرب المعلنة عليهم بالقتل والحصار من قبل العصابات الحوثية التي نقلتها وكالات الأنباء وأصبحت حديث الساعة لم يعد خافياً.
فدمَّاج بلدة صغيرة جنوب صعدة إحدى المدن اليمنية في الشمال، وهي مدينة تاريخية تبعد عن العاصمة صنعاء مسافة 220 كيلو متر، كانت تعرف من قبل بلواء الشام لم تُعرَف هذه القرية إقليمياً وعالمياً إلا بعد تأسيس الشيخ مقبل الوادعي دار الحديث بها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أصبحت هذه القرية محل اهتمام الإعلام العالمي؟ إليكم القصة وكيف بدأت:
هاجر الشيخ مقبل الوادعي للسعودية للعمل كغيره من آلاف اليمنيين الذين يعملون في شتى المهن الشريفه لكسب العيش، لكنه أَنِس لدروس العلماء وبدأ يقرأ في الكتب الشرعية التي ألَّفها، فعزم على الدراسة بمعهد الحرم المكي ونال شهادات المتوسط والثانوية، ثم عزم على دخول الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فنال شهادتَي كليتَي الحديث الشريف وأصول الدين، وهو ما أهَّله لنيل شهادة الماجستير فقدم رسالته بدراسة وتحقيق كتاب (الإلزامات والتتبع) للدارقطني، وزعم شانئوه أنه إنما اختار هذه الدراسة بقصد الطعن في الصحيحيين لما لديه من نزعة زيدية! لكنه أنكر هذه الدعوى ودافع عنه المشرف على الرسالة الشيخ (السيد محمد الحكيم) الذي أثنى على رسالته وما بذل فيها من جهد علمي، وقال: لو كانت الجامعة تسمح بإعطائه درجة الدكتوراه لاستحقها بكل جدارة وقد تتلمذ الشيخ مقبل - رحمه الله - على أيدي كثير من العلماء المشهوريين، وخاصة في الحرمين الشريفين، ومنهم - على سبيل المثال لا الحصر -:
1 - الشيخ عبد العزيز بن باز.
2 - الشيخ ناصر الدين الألباني.
3 - الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي.
4 - يحيى الباكستاني.
5 - الشيخ محمد بن عبد الله الصومالي.
6 - الشيخ محمد عبد الوهاب فايد.
وجُلُّهم من مدرِّسي الجامعة الإسلامية.
وحينما عاد إلى اليمن استُقبِل بحفاوة وطُلِب منه: إما التفرغ للبحث والدراسة أو التدريس بجامعة صنعاء، لكنه اعتذر وآثر الدعوة بين بني قبيلته وما جاورها، دعوتهم إلى السنة وخاصة في ما كان ينتشر بينهم من العقائد والتقاليد المخالفة للإسلام من مثل زيارة العوام لقبر الهادي بصعدة ودعوته من دون الله؛ فبيَّن لهم أن ذلك لا يجوز، وأنه شرك، وأنه مخالف للسنة، وبيَّن لهم السنة من البدعة وحذَّرهم من مناهج أهل الفتنة وحذَّرهم من الطواف بالقبور وحرمة الاستعانة بالأموات والذبح لهم فوجد قبولاً من كثيرين منهم لذلك أسس (دار الحديث السلفية) بـ (دمَّاج) وتداعى لها شباب بلدته ومَن حولها وعلَّمهم القرآن والسنة والفقه والحديث، وتخرَّج منها جمٌّ غفير من الطلبه والمتعلمين ومن أشهر طلبته:
1 - الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي.
2 - الشيخ يحيى الحجوري، وهو خليفته في دار الحديث بـ (دمَّاج).
3 - الشيخ عبد العزيز البرعي، وهو القائم على دار الحديث بمفرق حبيش.
وتتلمذ عليه عدد من أفراد أسرته، وهن:
• أم عبد الله الوادعية، وهي ابنته.
• أم شعيب الوادعية، وهي زوجته.
• أم سلمة، وهي زوجة الشيخ الأخرى، وقد اتقنَّ العلم وبرعنَ فيه، وهنَّ يقمنَ بالتدريس في القسم النسائي وغيرُهن كثير.
مضايقة الرافضة للشيخ وطلابه:
بدأت المضايقة حينما رأوا مواقفه المخالفة لهم، وطالبوه بالدراسة في جامع الإمام الهادي ليتعلم فيه ويزيل الشبهات من رأسه بزعمهم، ولما رأى أن مناهجهم شيعية معتزلة رفضها؛ لأن لديه من العلم ما يفوقها غير أنه انكب على دراسة النحو من كتاب (قطر الندى) لابن هاشم حتى استوعبه استيعاباً كاملاً لكنه هيأ نفسه لتدريس طلابه والعناية بهم.
فصبر وصابر محتسباً التدريس في (دار الحديث) بـ (دمَّاج) وانكب الطلاب على دار الحديث من أنحاء اليمن، ومن الدول المجاورة، ومن مصر وليبيا وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وفرنسا وأمريكا وبريطانيا وبلجيكا وروسيا مما بلغ معه عددهم حوالي عشرين ألف طالباً، وهذا ما أقضَّ مضاجع الرافضة الشيعية المتطرفين مع أن الزيدية المعروفة في اليمن ليس لديهم غلوُّ الشيعة الإثني عشرية؛ عدا من انحرف إلى المذهب الجارودي، وهم من يسمَّون بالحوثية؛ حيث وجدوا من الشيخ مقبل الوادعي ودار الحديث ما يعكر صفو حياتهم ويكشف انحرافاتهم بعد أن اهتدى كثير من الزيدية للسنة النبوية التي لا يختلفون عنها كثيراً.
إن الحرب الأخيرة والحصار الظالم من الحوثيين للسلفيين في دمَّاج حرب ظالمة واعتداء فاضح بكل المقاييس، وقد فطن لقضية أهل دمَّاج الإخوة السلفيون في الدين والعقيدة، وبعد أن استنصروهم تداعوا لنصرتهم ووقفوا في وجه العدوان الحوثي واستطاعوا أن يوقفوهم نوعاً مَّا، وأن يقللوا من غلوائهم وهم أحوج ما يكونون للمزيد من النصرة والمساعدة في رد هؤلاء الصائلين ورعهم.
مؤلفات الشيخ مقبل:
ترك الشيخ مقبل تراثاً علمياً كبيراً ما بين مبسوط ومختصر، ومن أهمها ما يلي:
1 - الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1 - 2).
2 - الصحيح المسند من دلائل النبوة.
3 - صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال (1 - 2).
4 - رياض الجنة في الرد على أعداء السنة.
5 - الصحيح المسند من أسباب النزول.
6 - الجامع الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1 - 6).
7 - إجابة السائل عن أهل المسائل.
8 - الإلزامات والتتبع للإمام الدار قطني، دراسة وتحقيق وهو رسالته للماجستير .
وفاة الشيخ (رحمه الله):
أصيب بمرض عضال نتيجة تليُّف الكبد، وتم نقله إلى جدة لعلاجه في مستشفى الملك فيصل التخصصي؛ لكنه أسلم روحه لبارئها في ليلة الأحد الأول من جمادى الأولى عام 1422هـ، وصلي عليه بالمسجد الحرام، وعملاً بوصيته قُبِر في مقبرة الدل بمكة المكرمة ليكون بجوار إخوانه وأحبابه الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته وأعقبه الله في ذريته وأهله خيراً.
وعلى الرغم من الجهود الطيبة التي بذلها - رحمه الله - في تعليم وتوجيه أبناء قبيلته وشعبه وإخوانه في الدين من مختلف البلدان إلا أنه كان حادَّ الطبع في مواقفه؛ لا سيما في الرد على المخالف ويتضح ذلك من خلال بعض عناوين كتبه، ومنها:
1 - إقامة البرهان على ضلال (فلان بن فلان).
2 - إسكات الكلب العاوي...
3 - مناصبته - رحمه الله - العداء للجمعيات الخيرية السنية بدعوى أنها حزبيه، هذه وجهة نظره - عفا الله عنا وعنه - وهذا لا شك أثَّر تأثيراً سلبياً على هذه الدعوة المباركة، فما أحوجنا لاقتفاء سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم في الرفق والتأني؛ فما وافق الرفق أمراً إلا زانة وما منع من أمر إلا شانة! والله المستعان وعليه التكلان.
ملاحظة: تمت الاستعانة من كتاب (العلاَّمة الوادعي)، وهو دراسة مختصرة عن سيرة الشيخ مقبل الوادعي تأليف الشيخ محمد الصومعي.
22/02/33 هـ
أحمد بن عبدالعزيز العامر
- التصنيف: