منهج ابن عذارى المراكشي ومصادره
تأليف: د. محمد علي دبور
منهج ابن عذارى المراكشي ومصادره
كان التأريخ المحلى أو الإقليمي أحد اتجاهات الكتابة التاريخية التي سيطرت على كتابات المؤرخين منذ فترة مبكرة، ويتضح من خلال المصطلح أو الاسم أن هذا النوع من التأريخ يركز على أقطار بعينها، فكان كل مؤرخ يجنح إلى هذا النوع من الكتابة يفرد تاريخًا للقطر أو الوطن الذي ينتمي إليه، وكان هذا النوع من التأريخ يعبر عن انتماء المؤرخ لوطنه وحبه لإقليمه، ويعبر عن الشعور بالقومية، ومدى ارتباط المؤرخ بإقليمه وموطنه ومسقط رأسه، ولاشك أن حب الوطن كان أحد الدوافع لهذا النوع من التأريخ.
وقد ازداد الاتجاه نحو هذا النوع من الكتابة التاريخية بصفة خاصة بعد أن أخذت اللامركزية تمزق دولة الخلافة الإسلامية، وتعزل الأقطار بعضها عن بعض، وتدفع شعوبها إلى الاستقلال عن عاصمة الخلافة في آسيا وأفريقيا وأوربا، بعد سقوط بغداد-عاصمة الخلافة العباسية-على يد التتار سنة 656 هـ/ 1258 م.
فكما فرض الواقع السياسي الاستقلال لكثير من الدول عن الخلافة الإسلامية، فقد فرض هذا الواقع أيضًا على المؤرخين أن يكتبوا عن هذه الدول المستقلة ويفردوا لها تاريخًا خاصًّا، فانتقل المؤرخون من التأليف العام إلى التأليف الخاص والحديث عن الجزئيات، وكان عليهم أن يفصِّلوا تاريخ كل قطر من جميع جوانبه، وكان ذلك بداية لمرحلة جديدة من التعمق في دراسة أقطار ومدن بعينها، كما نجد في تاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ بغداد لابن طيفور.
وقد فصلت الحواجز الإدارية والطبيعية وطبيعة الاستقلال الأقطار بعضها عن بعض، وبالتالي فقد ظهر لكل قطر أعلامه الذين يتحدثون عنه باستفاضة تامة، فظهر في مصر ابن تغرى بردى والسيوطي والمقريزي وغيرهم، وظهر في الشام ابن عساكر وابن القلانسي وابن العديم وغيرهم، وفى الأندلس ظهر الرازي وابن القوطية وابن عذارى وابن الخطيب وغيرهم، وفي المغرب ظهر الرقيق القيرواني وابن القطان وابن عبد الملك المراكشي وابن أبي دينار وغيرهم.
ويعد كتاب "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب" من هذا النوع من التواريخ المحلية الإقليمية، حيث اختص بالاهتمام بتاريخ هذين القطرين منذ الفتح الإسلامي لهما حتى ما بعد منتصف القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي.
وقد قسَّم هذا البحث إلى مبحثين أساسيين؛ المبحث الأول تناول الكاتب فيه الحديث عن مؤلف الكتاب، وتحدث فيه أيضًا عن عنوان الكتاب والخلاف حوله، وكذلك خطة الكتاب وتقسيماته، ثم ذكر مؤلفات ابن عذارى، وأتبع ذلك كله بالحديث عن منهجه في الكتابة التاريخية.
أما المبحث الثاني فقد تناول الكاتب فيه الحديث عن مصادر ابن عذارى وموقفه منها، وقد قسمنا هذه المصادر إلى خمسة أنواع؛ المصادر الأندلسية، والمصادر المغربية، والمصادر المشرقية، وكتب العجم ومصادر أخرى مبهمة، ثم أخيرًا الرواية أو السماع، وفي بداية كل نوع من هذه المصادر تحدثنا عن المفقود منها ثم المطبوع حسب ما وصلنا إليه من معلومات عن كل نوع منها.
- التصنيف: