أختي دخلت في غيبوبة دائمة، وأمي لم تستوعب الأمر!!
من المعروف بأن الإنسان عندما يتعرض لفقدان شخص عزيز أو لصدمة أو لتجربة مؤلمة من أي نوع كانت، فإنه يمر بحالة نفسية لها مراحل متعددة تسمى: (مرحلة التأقلم بعد الصدمة) ومن ضمن هذه المراحل مرحلة هامة وخطرة وهي مرحلة (الإنكار)، أو عدم تصديق ما حدث، وخلالها يفقد الإنسان مؤقتًا محاكمته العقلية الصحيحة، وقد يعيش في أوهام وتخيلات بعيدة المراد ومستحيلة.
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
أختي الكبرى البالغ عمرها 49 عامًا، تعرضت لوعكة صحية أثناء إنجابها، وتسببت بدخولها الغيبوبة النباتية، ولغاية الآن منذ 6 أشهر، وطبيًا لا يوجد علاج، فقط جسد مسجي على السرير الأبيض بالعناية المركزة.
بداية لم نكن واعيين لهذه الصدمة، ثم بالتدرج بدأت أرضى بالقدر أنا وبعض إخوتي، أما البقية غير مقتنعين بأن حالتها شبه دائمة، ما لم تحدث معجزة إلهية.
المشكلة بأن أمي لا تسمح بالسفر، ولا حضور المناسبات، ولا ممارسة الواجبات الاجتماعية، وكلما نطلب منها تقول: حينما تقوم أختكم بالسلامة، وبعض إخوتي يوافقها بذلك، أشعر بعزلتنا عن العالم الخارجي، كأننا في حلقة مفرغة.
أشعر بحزن شديد على عدم استيعاب أمي لحالة أختي، ولا أريد أن أحزنها بقول: إن أختي حالتها شبه وفاة دماغية، بمجرد رفع أنبوب التغذية ستفارق الحياة!
المشكلة متشعبة وحساسة، ووضعي أنا وأختي الصغرى أكثر المتضررين نفسياً.
ماذا أفعل لتجاوز هذه المحنة مع أمي، ومحاولة إرجاع أمي لحياتها الطبيعية؟
وشكرًا.
في البدء نسأل الله عز وجل، أن يهون على أختك، وأن يشملها برحمته التي وسعت كل شيء، إنه على كل شيء قدير.
بالنسبة لوالدتك الفاضلة: فيجب معرفة سبب سلوكها هذا على وجه التحديد، هل هو ناجم فعلًا عن عدم معرفتها بحقيقة وضع أختك الصحي؟ أم ناجم عن إصابتها بحالة أو متلازمة ما بعد الصدمة؟
فمن المعروف بأن الإنسان عندما يتعرض لفقدان شخص عزيز أو لصدمة أو لتجربة مؤلمة من أي نوع كانت، فإنه يمر بحالة نفسية لها مراحل متعددة تسمى: (مرحلة التأقلم بعد الصدمة) ومن ضمن هذه المراحل مرحلة هامة وخطرة وهي مرحلة (الإنكار)، أو عدم تصديق ما حدث، وخلالها يفقد الإنسان مؤقتًا محاكمته العقلية الصحيحة، وقد يعيش في أوهام وتخيلات بعيدة المراد ومستحيلة.
فإذا لم تكن والدتك الفاضلة على علم بحقيقة وضع أختك، فأرى بأنه من الضروري إخبارها بذلك، وأفضل من يقوم بهذه المهمة هو الطبيب أو الطبيبة المتابعة لحالتها، بحيث تقوم الطبيبة بشرح الوضع لوالدتك، والتأكيد لها على أن الموت الدماغي هو حالة غير قابلة للتراجع أو للتحسن، ولا أمل من أن يصحو منها الإنسان ولا حتى لبضع ثوان، والوفاة فيها هي أمر حتمي وقادم، لكن توقيت حدوث الوفاة غير معروف، لذلك على الأهل أن يتعاملوا مع الحالة بناء على هذا الأساس، فيستمروا في الدعاء وزيارة المريض وتقديم كل ما بإمكانهم تقديمه، لكن من دون أن يعطلوا حياتهم أو يخططوا لها بناء أن الشخص سيكون بينهم مستقبلًا، فالحياة يجب أن تستمر، والعطاء يجب ألا يتوقف، ورسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم علمنا ذلك حين قال: [إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها].
وعندما يتم إخبار والدتك بحالة أختك بطريقة علمية صحيحة، ومن قبل الطبيب أو الطبيبة التي تتابع الحالة بشكل يومي، فإنها ستتقبل الأمر وسترضى بمشيئة الله عز وجل.
في حال كان قد تم إخبار والدتك بالأمر سابقًا، لكنها لم تتقبله، واستمرت بالتعامل مع حالة أختك على أنها ستشفى، ففي هذه الحالة تكون والدتك تعيش في مرحلة (الإنكار) بعد الصدمة، وستكون بحاجة إلى عرضها على طبيبة نفسية مختصة لتقييم شدة الحالة ومدى حاجتها للعلاج الدوائي، وهنالك الكثير من الأدوية التي يمكن أن تفيد في مثل هذه الحالة، وعند إعطائها مع العلاج السلوكي المعرفي بطريقة صحيحة، فإن والدتك الفاضلة ستتحسن، وستخرج من حالة الإنكار إلى حالة الواقع.
نسأل الله عز وجل، أن يديم عليكم جميعًا ثوب الصحة والعافية دائمًا.
المستشار: د. رغدة عكاشة