الشعور بالألم!
صفية الودغيري
ولهذا نجد بعض الأشخاص مؤهلين أكثر من غيرهم إلى رفض الحياة لأنهم فقدوا الشعور بالفرح، والأمان، والسلام النفسي فأصبح الطريق أمامهم مسدودًا، والعقل متمردًا عن التفكير في البحث عن الحلول، وتصبح عاطفتهم ثائرة وأشبه بعاطفة الأطفال
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
الشعور بالألم!
قد تعاني من عاطفتك أكثر مما تعاني من تفكيرك، لأن الموقف لا يحتاج إلى توظيف كامل لمشاعر القلب وإلغاء للعقل، بل يحتاج إلى شعور إنساني يمارس خصائص طبيعته وفطرته، وبالوقت نفسه إلى عقل يفكر ويدبِّر في إيجاد حلول مناسبة وممكنة، أما ردَّات الأفعال المرتبطة بالأهواء وشطحات النفس فهي تصدر وفق اللحظة ثم تنتهي، ويظل الموقف يوقِد الشعور بالألم فتلتهب المعاناة بداخل الإنسان بلا توقف، ولحظة الشعور بالألم هي لحظة مؤقتة، إنما سوء التدبير وإلغاء العقل، والتصرف البطيء والعشوائي، والانفعال العاطفي الجامح، يجعل لهذا الشعور مساحة تتَّسع في الواقع ولا تضيق، وتكبر بداخل النفس ولا تصغر، ويصبح له وجود يقيد حركة الإنسان ويعيق وظائف الحواس أو يشلُّها.
وهنا تستمر حالة المواجهة للمتاعب، ويتحول الشعور إلى إدمان للألم وتكراره، وينتقل من صورة الإحساس إلى مشهد تستورده الذاكرة وتصدِّره، من خلال جمع صور في ألبوم اليوميات، والتي تلتقطها العاطفة عند سماع موسيقى حزينة أو عند مقابلة أشخاص بعينهم، أو زيارة أماكن ومناطق سبق وأن زارها الشخص فارتبطت عنده بزمن الحادثة.
إنما في الواقع فالألم ينتهى لحظة انتهاء الحادثة والموقف، إنما أشكال المعاناة التي يتعرض لها الشخص من أذى أو ظلم أو خيانة أو ما شابه ذلك، قد تجعله يفقد السيطرة على نفسه وقيادتها بإحكام مع ضعف طاقته الإيمانية، فيظل الأثر راسخ في الذاكرة وترتبط به العاطفة، وتجعل له مساحة أكبر من التفكير والشعور الانفعالي.
ولهذا نجد بعض الأشخاص مؤهلين أكثر من غيرهم إلى رفض الحياة لأنهم فقدوا الشعور بالفرح، والأمان، والسلام النفسي فأصبح الطريق أمامهم مسدودًا، والعقل متمردًا عن التفكير في البحث عن الحلول، وتصبح عاطفتهم ثائرة وأشبه بعاطفة الأطفال، وهؤلاء يحتاجون إلى الاحتواء النفسي والحماية، والمشاركة، ومنحهم الثقة الزائدة بالنفس، وبمؤهلاتهم حتى ولو كانت ضعيفة أو فيها قصور أو خلل.
ومثل هؤلاء قد نفقدهم في أي لحظة ليس بسبب شعورهم بالألم الملازم لحياتهم، وليس لأن شخصيتهم ضعيفة، بل بسبب شعورهم بالخذلان، أمام أحكام جائرة أو تقييم لتصرفاتهم من وجهة نظر قاصرة، أو لافتقادهم للثقة في من ينصتون إليهم بلا خوف ولا خجل، وبلا قمع ولا استغلال لمشاعرهم.
وقد لا نستطيع أن نقدم لهؤلاء حلولًا، أو أن نوقف شعورهم بالألم، أو أن نحُدَّ من معاناتهم ونتفهَّم حجم مأساتهم اليومية ودرجة حِدَّتها، إنما حتمًا نملك أن ننصت إليهم، ونهديهم قبسًا من نور الإيمان، وأملًا جديدًا يدعوهم للتعلق بالحياة، بل تملك أن نمنحهم الحياة نفسها، وأن نمنحهم الحب الذي يخفف عنهم محنتهم، ونفتح أمامهم الأبواب المغلقة.