ماضٍ سيِّئ يشكك في كل شيء
لا تلتفتْ إلى هذه الوساوس التي تَرد عليك من الشيطان بتذكيرك بماضيك السيئ وذنوبك السالفة ليُوئسك من رحمة الله ويحجزك ويُقيِّدك عن العمل الصالح النافع، فإن هذا النوع من التذكر للذنوب لا يُفيد، بل يضر، وينبغي لك أن تُعرض عنه إعراضًا كُليًّا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
جزاكم الله خير الجزاء على هذا المجهود الرائع، وأسأل الله العظيم لكم العون الثواب العظيم.
ترددت كثيرًا قبل أن أكتبها إليكم، وهي أني منذ كنت في سن الطفولة قبل العاشرة من عمري وأنا انطوائي جدًا، وأخاف من كل الناس، وأميل إلى العزلة، والبعد عن الناس، حتى في الدراسة لم يكن لي أصدقاء إلا القليل جدًا، ونشأت في بيت عادي جدًا، وبسبب مشاغل وهموم الحياة لم أتلق الرعاية الكافية النفسية.
هذا السلوك جعلني طفلاً لدي سلوكيات منحرفة ناحية الجنس منذ ذلك السن، ففعلت كل شيء غير الزنا، من تحرش ببنات وأولاد أقاربي -خالاتي وعماتي- وأصدقائي في الدراسة، وساعدني في ذلك الأصدقاء والرفقة السيئة، كل هذا ولم يعلم عني أحد أي شيء، فدائمًا ما كنت أعمد إلى التخفي حتى الثانوية، وبدأت في مشاهدة المقاطع الإباحية.
في الجامعة -الحمد لله- التزمت قليلاً، ولكن إدمان المواقع الإباحية والعادة السرية لازمني حتى تزوجت، أنقطع وأتوب فترة، ثم أعود إليها، ومنذ تزوجت تركت كل هذا، وكرست نفسي لزوجتي، ومَنَّ الله علينا بطفل ملأ عليّ الدنيا.
سؤالي:
أحيانًا تراودني أشباح الماضي والعودة إليها، وأحيانًا يوسوس لي الشيطان بأن توبتي غير مقبولة؛ لأني ما تبت إلا عندما تزوجت، وأحيانًا يوسوس لي بأن الذنب كالدَين سيفعله ابني، وأشك أحيانًا في زوجتي أن لها ماضٍ سيئ مثلي، وأريد أن أتوب توبة نصوحًا، وأن أبعد عني الوساوس.
أفيدوني.
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد أحسن الله تعالى إليك، ومَنَّ عليك بالتوبة والإقلاع عن الذنوب والآثام، فينبغي أن تُقابل هذا الإحسان بالشكر الجزيل، بالاعتراف لله سبحانه وتعالى بالمنِّ والفضل في قلبك وبلسانك، وأن تستعمل ما أعطاك الله تعالى من جوارح ونِعَم في طاعته سبحانه وتعالى، فإذا سلكت هذا الطريق فإن الله تعالى سيزيدك من فضله في دنياك وفي آخرتك، كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم من الآية:7].
والتوبة أيهَا الحبيبُ إن تحققتْ فيها أركانها الثلاثة، وهي: أن يندم الإنسان على ما مضى من الذنب، وأن يعزم في قلبه ألا يرجع إليه في المستقبل، مع تركه في الوقت الحاضر.
إذا تحققت هذه الأركان الثلاثة وثمَّ رُكنٌ رابعٌ، وهو: إذا كان ثمَّ مظلمة للناس ينبغي له أن يتخلص منها ويتحلل منها بقدر استطاعته، وهذا فيه تفصيل طويل، لا نحتاج إلى الخوض فيه، لأنك لم تذكر لنا هذه الذنوب بالتفصيل.
والخلاصة أنك إذا تبت إلى الله تعالى التوبة الصادقة فإن الله تعالى يقبل منك هذه التوبة، ويمحو بها ما كان من ذنوبك الماضية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (فتح الباري لابن حجر [13/480])، وقال عليه الصلاة والسلام: « »(الترغيب والترهيب [3/256] ) وقال صلوات ربي وسلامه عليه: « » (صحيح مسلم [2747]).
والنصوص الشرعية من القرآن والسنة في بيان هذا المعنى كثيرة مستفيضة – أيهَا الحبيبُ – فاثْبتْ على ما مَنَّ الله تعالى به عليك من التوبة، وأحسِنْ بالله سبحانه وتعالى الظنَّ، فإنه يقول جل شأنه في الحديث القدسي: « » (صحيح ابن حبان [635] ).
ولا تلتفتْ إلى هذه الوساوس التي تَرد عليك من الشيطان بتذكيرك بماضيك السيئ وذنوبك السالفة ليُوئسك من رحمة الله ويحجزك ويُقيِّدك عن العمل الصالح النافع، فإن هذا النوع من التذكر للذنوب لا يُفيد، بل يضر، وينبغي لك أن تُعرض عنه إعراضًا كُليًّا.
أما تذكر الذنب الذي يزيد الإنسان رغبةً في الإكثار من الخيرات ليمحوَ ما كان من ذنوبه، ويزيده خوفًا من الله سبحانه وتعالى، فيشتدّ طمعه في الإكثار من الخيرات حتى يلقى بها الله، فإن هذا النوع من التذكُّر نافعٌ مفيدٌ.
والخلاصة – أيهَا الحبيبُ – أن تذكر الذنوب إذا كان لا يُحدث لديك إلا الحزن والأسف الذي لا يترتَّب عليه عملٌ صالحٌ فينبغي أن تتخلص منه وألا تلتفتْ إليه، فإن الله سبحانه وتعالى رحيمٌ ودودٌ، وقد قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
ولو بلغتْ ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتَ الله تعالى منها وتبتَ إليه لغفرها لك ولا يُبالي.
ولا تُسئ بزوجتك الظن، فإن إساءة الظن حرام، كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات من الآية:12] ، ولا تنتظر أن يُفسد الله سبحانه وتعالى ولدك وأن ينحرف هذا الولد بسبب تصرفاتك الماضية، فالله سبحانه وتعالى أهلٌ للظنِّ الجميل، فظُنَّ به أن يوفقك ذُريتك للصلاح والخير، وخذ بأسباب ذلك من التربية الحسنة، واختيار الرُّفقة الصالحة.
نسأل الله أن يُجري الخير على يديك، وأن يأخذ بيدك إلى كل ما فيه خيرك وخيرُ زوجك وذُريتك، إنه جواد كريم.
-----
الشيخ/ أحمد الفودعي.
- التصنيف:
- المصدر: