أشعر بالذنب تجاه موت ابنتي.

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوِّج منذ سنة، وقد حملتْ زوجتي، وبعد الحمل بشهرٍ وجدْتُها تنظر نظرةً بابتسامةٍ لأحد الشباب في أحد المجالس، وأثناء وجودي! وتريد أن تُقنعني بأنها لا تقصد، وأني متوهِّم، فقلتُ لها: انظري لي نفس النظرة! العجيبُ أنها تهرب مني، وما رأيت منها مثل هذه النظرة التي رأيتها تنظرها لغيري منذ أن تزوجتُها؛ مما جعلني أضربها بشكلٍ يوميٍّ!

كما أنَّ زوجتي لا تهتم بي كزوجٍ، وكانتْ أثناء الجِماع تبعدني بيدِها، وتقول: إنها لا تتحمَّل الجِماع، فشعرتُ نحوها بالرفض، مع أنها تقول: إنها تُريدني! ولا تدري لماذا تفعل كلَّ ذلك؟!

طلَّقتُها تطليقةً واحدة، ثُم راجعتُها، كان أهلها عندما يأتون إلينا يريدون دخول بيتي بدون استئذان مني؛ مما يتسبَّب في إغاظتي وإشعال الجو بيني وبين زوجتي مِن كثرة ما يُثار مِن مشاكل.

كلما حدثتْ مشكلةٌ كانتْ تصرخ وتبكي، كانتْ في هذه الأثناء حاملًا مما أدَّى إلى أنْ مَرِضَتْ بارتفاع ضغط الدم، وتورمتْ قدماها، فذهبنا إلى الطبيبة، وقالتْ لها: لا بد مِن الولادة القيصرية، وطبعًا كانتْ في منتصف الشهر الثامن، ثم أكرمنا الله بطفلةٍ عاشتْ أسبوعين فقط، وتُوُفِّيَتْ، وحمدتُ الله، وقلتُ: قدر الله وما شاء فعل!

حصلتْ مشدةٌ بيني وبين أهلها بعد وفاة المولودة، واتهمتُ أهلها بأنهم السبب في هذه الوفاة؛ بسبب حرْق الأعصاب، وكثرة المشاكل، غير مشاكلي مع زوجتي؛ مما سبَّب ارتفاع ضغط دمها، ودخولها في تسمُّم الحمل! فهل كلمتي هذه اعتراضٌ على قدَر الله؛ مع أني لا أتصوَّر أنها اعتراض، ولا أقصد الاعتراض! غير أني أشعر بالندم والذنب، وأعتقد أنني السبب في وفاة هذه الطفلة؛ بسبب ضربي لزوجتي ليل نهار؛ لِـمَا كانتْ تفعله معي؛ مِن إهمال، ونظرة عينيها التي لا أستطيع أن أنساها، فكان هذا يتسبَّب في ضربي لها لمدة 6 أشهر! فكنتُ أضربها على القدمَيْن باليد مرة، وبالحزام الخاص بالبنطلون مرة، وعلى الوجه، والكتِف، والذراع؛ أي كنتُ أختار الأماكن التي لا تُسَبِّب لها أذى، أو للجنين! لكني أشعر أنني الذي قتلتُ طفلتي؛ بجهلي، وغضبي، وغباء زوجتي.

أريد أن أطلقَها؛ خوفًا مِن خوض التجربة معها مرة أخرى، فلا أستطيع تصديقها أنها قد عرفتْ خطأها، وأنها سوف تُعوِّضني، ونعيش في سلام، فلا يوجد لديَّ ثقةٌ في ذلك! وأخشى أن أتسبَّب في وفاة جنينٍ آخر.

فهل فعلًا هذه الأحداثُ هي سببُ وفاة البنت؛ مع كامل يقيني بأن كل شيء بقدرٍ، ولكنْ لكلِّ شيءٍ سببٌ، حتى الموت؛ هناك مَن يموت في حادثٍ، فيكون السبب في الموت هو الحادث... إلخ.

أنا في حيرةٍ مِن أمري، ولا أرى حلًّا لهذا الموضوع غير الطلاق!

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ وأنا لا أسترجع على موت طفلتك الصغيرة وحسبُ -كما يُظَنُّ ذلك- وإنما أسترجع أيضًا لبطْشِك الشديد بزوجتك، طيلة ستة أشهرٍ كاملةٍ مِن عمر أشهر الحمل الثمانية؛ على القدمينِ، والوجهِ، والكَتِفِ، والذِّراع، ومرةً باليد، وأخرى بالحزام – تعني: حزام البنطلون - تفعل ذلك كلَّ يوم، فلا أستطيع أن أقول شيئًا أكثر مما قال المحدَّثُ المُلهَم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو ثابتٌ صحيحٌ عن ابنتيِ الصِّديق الأكبر أبي بكر-رضي الله عنه- أعني: عائشة، وأسماءَ -رضي الله عنهما- حيث قالوا جميعًا: "النكاح رقٌّ؛ فلينظرْ أحدُكُم أين يَضَعُ كريمَتَهُ". [1]

فالمرأةُ عند زوجِها تُشبه الرقيقَ والأسيرَ، ولكنه رِقٌّ له حدٌّ، فالزيادةُ عليه عدوانٌ، وقد تكلَّم العلماءُ في افتكاكِ الأنفُس الرقيقة مِن يد مَن يتعدَّى عليها ويظلمها، ويدخل في ذلك افتكاك الزوجة مِن يد الزوج الظالم؛ وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ» (رواه مسلم وأبو داود).

وما فَعَلَتْهُ زوجتُك -إن كان صحيحًا وليس وسواسًا كما هو ظاهرٌ- لا يستوجِبُ ما جنتْه يداكَ؛ فالشيطانُ إن تمكَّن مِن الرجل بسبب غَيْرَةٍ غير منضبطة، سَوَّلَ له أشياءَ، وصوَّرَ له ما ليس بحقيقيٍّ حقيقيًّا؛ لِيَتَمكَّنَ مِن إفساد البيت، وإتعاس الزوج والزوجة، وغير ذلك مما هو حريص عليه، وأعرفُ رجلًا كان يتصور مِن شدة غيرته أن بعض الرجال في الطرقات يُبادلون زوجته الكلامَ القبيح، واسترسل مع تلك الأوهام حتى أُصيب بالهَوَسِ، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله.

فدعْ عنك تلك الظنونَ، فكُلُّ بني آدم خطاءٌ، وخَيْرُ الخطائين التوابون، فتُبْ إلى الله مما فعلتَه بامرأتك، وَأَكْثِرِ البكاء على خطيئتك، واستسمحْ زوجتك واستحِلَّها، واطلبْ منها العفو عنك مما وَقَعْتَ فيه مِن ظُلمٍ وإساءةٍ لِعِشرتِهَا، فإنَّ ضرْبَ الزوجة إنما يُباح للتأديب بعد استعمال الوَعْظِ، والهَجْرِ، وعدم إفادتهما، ويكون غير مبرِّح؛ كما قال -تعالى-: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 35].

فبَيَّنَ -سبحانَهُ- طُرُقَ عِلَاج الزَّوجةِ وتأديبها بالآداب، وهذه الآدابُ تتمثَّل في بالخطوات التالية:

أوَّلًا: الوعظ والتذكير بالله تعالى.

ثانيًا: الهَجْر في الفراش.

ثالثًا: الضرب غير المبرح الذي لا يَكْسِرُ عظمًا، ولا يشين جارحةً.

ولتحذَرْ -رعاك الله- أن تُعَالِجَ خطأً بخَطَأٍ؛ فالطلاقُ ليس علاجًا لِلدَّاءِ الذي ذَكَرْتَ، وإنما يكونُ بفتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع زوجتك، تتمسك فيها بالشريعة الإسلامية، وقيمها الطاهرة، ولا تفتحْ على نفسك ولا على زوجتك أبواب الشَّرِّ والاختلاط؛ حتى لا تُؤْتَى مِن قِبَلِهَا مَرةً ثانيةً، أعني: المجالس المختلطة؛ فالإسلامُ سدَّ كُلَّ المنافذ التي تؤدِّي إلى الحرام، ولو كانتْ مُباحةً في أصلها؛ سدًّا لذريعةِ الفَساد، وجاءت الأوامرُ الشرعية مُراعيةً لنفس الرجل، وغيرته الفطرية، فلما خالفْتَ الشرع في جلسةٍ مختَلَطَةٍ، أَلْقَى الشَّيطانُ خطراتِهِ في قلبك؛ ملبِّسًا عليك بعضَ النظرات، أو التصرُّفات التي تُفعل بسلامةِ صَدْرٍ، وإن كانتْ ممنوعةً غير جائزة مِن جهة الشرع؛ غلْقًا لجميع الأبواب التي يلِجُ منها الشيطانُ، فيفسد البيت كما تريد أن تفعل، ولا أظن أنَّ ما أخبرُك به -الآن- إن كان قد غاب عنك حكمُهُ، ستعلمه زوجتُك حتى تُلْقِيَ بالمسؤولية كلها عليها؛ هذه -أخي الكريم- أخطاءُ عُقُودٍ متعاقِبَةٍ مِن الجهلِ الموروثِ بالشرع، وقد نشأْنا -جميعًا- في ظلِّ تلك الخُلْطة المحرَّمة، وما ظننتَه بامرأتك قد تجرع مرارته كثيرون قبلك، فَلِلَّهِ الحكمةُ البالغة في أخْذ طريق الاختلاط على الخليقة حتى قال -صلى الله عليه وسلم-: «إيَّاكم والدخول على النِّسَاءِ»، فقال رجلٌ مِن الأنصار: يا رسولَ الله، أفرأيت الحَمْوَ؟ قال: «الحموُ الموتُ»؛ (متفق عليه، من حديث عقبة بن عامر).

فحرَّم -صلى الله عليه وسلم- الاختلاطَ، وحذَّرَنا مِن التساهُلِ فيه، ونَهَى أقارب الزوج؛ كالأخِ، والعمِّ، والخالِ، وأبنائهم عن الدُّخُول على زوجاتِ أقربائهم.

فاتقِ الله، ولا تُحَمِّل زوجتك مِن الأمر ما لا تطيقُ مرتين! وتَذَكَّر أنّ الظُّلم ظُلماتٌ يوم القيامة، وكن حريصًا عليها كما هي حريصةٌ عليك، واستعذْ بالله مِن نَزَغَاتِ الشيطان، ولا تسترسلْ مع ما يُلقيه في قلبكَ، فتخسر زوجتَك، ويسلمك للنفس اللوَّامة، فلا تعرف للنوم طعمًا، بل اقطعِ الوساوسَ، وعليك بالحِلْمِ والرَّوِيَّةِ، والتُّؤَدَةُ في كلِّ شيءٍ خيرٌ، وقد حَذَّرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِن تضييعِ الزوجة، وَأَلْحَقَ الحرجَ والإثمَ بمن فَعَلَهُ، وَحَذَّرَ منه تحذيرًا بليغًا، وزَجَرَه زجرًا أكيدًا، فقال -صلى الله عليه وسلم-:«إني أُحَرِّجُ حَقَّ الضعيفينِ: اليتيم، والمرأة»؛ (أخرجه ابن ماجهْ، وَحَسَّنَهُ الْألباني).

وفقك الله وزوجتك لكل خير، وأخلف عليكما بمولد تقر به أعينكما.

______________

[1] رواه سعيد بن منصور في السنن، والبيهقي في السُّنن الكُبرى (7/ 133)، وقال: ورُوي ذلك مرفوعًا، والموقوف أصحُّ.

الحرج: هو ضِيقُ المأثم.