زوج اكتشف مرض زوجته، فهل يُطلقها؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الفضلاء، أودُّ أن أسالَ عن علاقة زوجيةٍ بدأتْ منذ أربعة أشهر، وتكاد تنتهي بسبب عدم مُصارَحة الزوجة وأهلها بأنها مريضة مرضًا نفسيًّا؛ حيث إنها كانتْ تتناوَل أقراصًا لإخفاء هذا المرض لمدة 6 سنوات، وبعد الزواج بثلاثة أشهر نتج عن هذه العَلاقة حملٌ، وهي في الشهر الثالث الآن، وبسبب انقطاعِها عن الدواء جُزئيًّا؛ ظهرتْ عليها علاماتٌ مُخيفةٌ؛ مثل الانتحار، وأشياء أخرى؛ والزوجُ لا يريد أن تبقى معه؛ لعدم ائتمانها على نفسِها، ولهذا نُريد منكم المساعدة، فهو لا يريد أن يظلمَها، أو يظلمَ المولود، مع العلم بأنَّ الزوج اكتشف أنَّ الزوجةَ مُسَيَّرة مِن طرف أهلِها، ولكم جزيل الشكر.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الأخت الكريمة، لا يشكُّ عاقلٌ في أنَّ ما فعلتْه تلك الزوجةُ وأهلُها مع الزوج -من كتمان مرَضِها- مِن الغشِّ، والتدليس، والخديعة، التي لا تجوز في الزواج، ولا في غيره، والزوجُ نفسه -وقد رأى حالتها الصحيَّة- يستطيع أن يحكمَ، ويُدْرِك هل يُمكنه الصبرُ عليها، ويشعر بمدى تحمُّله لها، أو لا يستطيع؟ ولا شكَّ أنَّ صبرَه عليها، وإبقاءَها في عصمته، والسعي في طلَب علاجِها، والاحتساب فيه مِن الأجْرِ العظيم ما لا يعلم قدرَه إلا الله، والتغاضي عن مرَضِها في مقابل المصالح المترتِّبة على إمساكِها، وأهمها مَصلحة هذا الجنين الذي في أحشائها؛ فإنَّ مِن حقِّه أن ينشأ بين أبويه في ظِلِّ أسرةٍ مستقرةٍ، فكثيرٌ من البيوت فيها أزواج أو زوجات مُصابون أو مُصابات بأمراضٍ نفسيةٍ مُزمنةٍ، والزوجة أو الزوج قد اعتادَا الأمر، والحياةُ مستمرَّةٌ يومًا ويومًا.
أمَّا إن آنسَ مِن نفسِه جزعًا، وعدم صبر، أو نفرة منها، فننصحه بترْكِها؛ فإن ذلك أعذر له، فالزواجُ ليس معناه تقيُّد الرجل مع المرأة بالسلاسل والأغلال، وإنما هو حبٌّ ومودَّةٌ، ورحمةٌ ناتجة عن حُسن عشرة وتبعُّل، أو هو - أعني: الزواج - رعاية وإحسانٌ.
فيحق له الفَسْخُ بسبب ذلك العيب الذي دلِّس عليه فيه، ويأخذ ما دفعه مِن مهْرٍ ونفقةٍ مِن وَلِيِّ المرأة الذي خَدَعه، وليس مِن زوجتِه التي يحل لها المهر بعدما دخَل بها، وقد نصَّ فقهاءُ الحنابلة على أن الخيارَ يثبت ولو بمجرد الوسواس؛ إذا كان صاحبه يعبث ويُؤذي، كما في الإنصاف للمَرْدَاوِي قوله: "ونقل حنبل: إذا كان به جنونٌ أو وسواسٌ، أو تغيُّر في عقلٍ، وكان يعبث ويؤذي، رأيتُ أن أفرقَ بينهما، ولا يُقيم على هذا"؛ انتهى.
وذكر فقهاءُ الشافعية أنَّ مجرَّد الصرَع -ولو مِن غير جنون- يثبت الخيار كالجنون، ففي حاشية الرَّمْلِيِّ على أَسْنَى المَطالِب: "والصَّرَعُ مِن غير جنونٍ حكمُه حكمُ الجنون"؛ انتهى.
قال ابن القيِّم -رحمه الله تعالى- في "زاد المعاد": "والقياسُ: أنَّ كلَّ عيبٍ ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصودُ النكاح؛ من الرحمة والمودة؛ يُوجِب الخِيار". انتهى.
وهذا الفَسْخُ إنما يثبت إذا توافرتْ ضوابطُ مُعينة؛ وهذه الضوابط هي:
الأول: وجود هذا العيب قبل العقد.
الثاني: عدم العلم به قبل العقد.
الثالث: عدم فِعْل ما يدلُّ على الرضا به بعد الاطِّلاع عليه.
قال ابن قُدامَة في "المُغْنِي": "وخيارُ العيب ثابتٌ على التراخي، لا يسقط ما لم يوجدْ منه ما يدلُّ على الرضا به؛ مِن القول، والاستمتاع مِن الزوج، أو التمكين من المرأة؛ هذا ظاهرُ كلام الخِرَقِي"؛ انتهى.
فإنِ اختار الزوجُ فَسْخَ النِّكاح، فإنَّ زوجتَه تستحقُّ الصداقَ كاملًا؛ لأنه قد دخل بها، ويرجع الزوج به على مَن غرَّه في زواجه مِن أولياء المرأة.
قال ابن قُدَامَة في "المُغْنِي": "الفصل الثاني: أنَّ الفَسْخَ إذا كان بعد الدخول، فلها المَهْرُ؛ لأنَّ المَهْرَ يجب بالعقد، ويستقر بالدُّخول".
وقال: "إنه يرجع بالمهْرِ على مَن غرَّه، وقال أبو بكر: فيه روايتان: إحداهما: يرجع به، والأخرى: لا يرجع، والصحيحُ أنَّ المذهبَ رواية واحدة، وأنه يرجع به"؛ انتهى.
وقد ذكرتِ - أيتها الفاضلةُ - أنَّ الزوجةَ ووليَّها قد اشْتَرَكَا في الكتمان، وهنا يكون الرجوعُ على الوليِّ وحدَه، دون الزوجة؛ كما جاء في "الإنصاف" للمَرْدَاوي: "لو وجد التغرير مِن المرأة والولي، فالضمانُ على الوليِّ؛ على قول القاضي، وابن عقيل، والمصنِّف، وغيرهم؛ لأنه المباشِر"؛ انتهى.
وفَّقنا الله جميعًا لما يُحِبُّ ويَرْضَى