نهي الزوج عن المنكر
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أنا متزوجةٌ، ومُشكلتي مع زوجي تكمُن في أنَّ لديه صديقًا يشتغل معه، وهذا الصديقُ متزوِّجٌ، وفي أغلب الأوقات يطلب مِن زوجي أن يُقِلَّ زوجته إلى المستشفى، ومرة أن يأتيَ بها مِنْ عند أهلِها، وكل مرة في مكان!
المشكلة أيضًا أننا حينما نتكلَّم معًا في أمرٍ ما، يُخبرني أنَّ زوجة فلان مسكينةٌ مريضةٌ، زوجة فلان تُتعب نفسَها في الأعمال المنزلية، زوجة فلان مسكينة أجرتْ عمليةً قيصرية؛ مع العلم أنني - أيضًا - أنجبتُ بعملية قيصرية! كذلك دومًا يضرب بها المثَل؛ زوجةُ فلان ليستْ متحجبة، وتلبس ملابس محترمة؛ مع العلم أنني متحجبة، وألبس ملابس محترمة.
حدث مرة أن اتصل زوجُها بزوجي، وطلب منه أن يذهبَ ليُقِلَّ زوجته مِنْ عند الطبيب؛ ليوصلها إلى بيتها؛ لأنه في العمل! ولما سمعتُ الخبر؛ غضبتُ، بصراحة طفح الكيل، وقلتُ له: هل أصبحتَ خادمًا عند زوجة فلان؟! فغضب ورَدَّ عليَّ بصوتٍ عالٍ قائلًا: أنا كنتُ أوصِّلها - دائمًا - مع زوجِها، وهذه أول مرة أوصلها وحدها! فتركتُه وذهبتُ إلى غرفتي، ومِن ذلك الحين وهو لا يُكلِّمني! فهل أنا مخطئة؟ هل ديننا يَسْمَح بهذا؟ مع العلم بأنه لا يُفَوِّتُ فَرْضًا، فماذا أفعل؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فأحْسَن الله إليكِ، وَأَجْزَلَ لكِ المثوبةَ على غَضَبِكِ؛ لانتهاكِ حُرُماتِ الله؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مِن فرائضِ الشريعة، وَأَوْجَبِ الأعمال وأفضلِها وأحسنِها؛ قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران: 110]، وقال - سبحانه -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» (رواه مسلم، عن أبي سعيد الخدري).
ولا يَسْقُط هذا الواجبُ عن الزوجةِ المؤمنة، ولو غَضِبَ زوجُها مِن أَمْرِهَا وَنَهْيِهَا، وإنما عليها الصبرُ؛ تأسِّيًا بالرُّسُل - عليهم الصلاة والسلام - وأتباعهم بإحسانٍ؛ كما قال الله - عز وجل - يخاطب نبيه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ...}[الأحقاف: من الآية 35]، وقال -سبحانه- على لسان لُقمان الحكيم لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[لقمان: 17].
فاتركي تلك الجفوةَ - سريعًا - وتكلَّمي مع زوجكِ بالإحسان؛ محتسبةً الأجْر عند الله تعالى، وهو - سبحانه - لا يُضِيعُ أجر المحسنين، وأخبريه في حوارٍ هادئٍ أنَّ الحياة الزوجية تقوم على التفاهُمِ، والتغاضي عنِ الزلَّات، وأنك فعلتِ ما أمرَكِ الشارعُ به مِن نهيٍ عن المنكر، وأن جزاءَ ترْكِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعريض النفس للعقوبات، وقد حذَّرَنا الله - سبحانه - مِن ذلك؛ فقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المائدة: 78، 79].
وصَحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ» (رواه أحمد وابن حبان بإسناد صحيح)، وقال صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» (رواه مسلم وغيره). وفي الصحيحين، عن جرير بن عبدالله، قال: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".
ولا شك أنَّ أولى الناس بالنصح هم الأقارب الأدنَوْنَ، وأولاهم الزوج؛ فحقُّه آكَدُ، وحقُّه مضاعَف؛ فله حقُّ الإسلام، وحقُّ الزوج على زوجته.
وأخبريه أنَّ أئمتنا قرَّروا أن الزوجة تحتسب على زوجِها؛ قال أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2 / 317): "فإن قيل: أَفَتَثْبُت ولاية الحسبة للولد على الوالد؟ والعبد على المولى؟ والزوجة على الزوج؟ والتلميذ على الأستاذ؟ والرعية على الوالي؟ مطلقًا؛ كما يثبت للوالد على الولد؟ والسيد على العبد؟ والزوج على الزوجة؟ والأستاذ على التلميذ؟ والسلطان على الرعية؟ أو بينهما فرق؟
فاعلم أن الذي نراه: أنه يثبت أصل الولاية، ولكن بينهما فرْقٌ في التفصيل.
ولنفرض ذلك في الولد مع الوالد، فنقول: قد رتبنا للحسبة خمس مراتب، وللولد الحسبة بالرتبتين الأوليين، وهما التعريف، ثم الوعظُ، والنصحُ باللطف، وليس له الحسبةُ بالسب، والتعنيف، والتهديد، ولا بمباشرة الضَّرب، وهما الرتبتان الأخيرتان، وهل له الحسبة بالرتبة الثالثة؛ حيث تؤدي إلى أذى الوالد وسخطه؟
هذا فيه نظرٌ، وهو بأن يكسر - مثلًا - عُوده، ويُريق خمره، ويَحُل الخيوط عن ثيابه المنسوجة مِن الحرير، ويَرُد إلى المُلَّاك ما يجده في بيته مِن المال الحرام الذي غصبه، أو سرقه، أو أخذه عن إدرار رزق مِن ضريبة المسلمين، إذا كان صاحبه مُعينًا، ويُبطِل الصور المنقوشة على حيطانه، والمنقورة في خشب بيته، ويكسر أواني الذهب والفضَّة، فإن فِعْلَه في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب، بخلاف الضرب والسبِّ، ولكن الوالد يتأذى به ويسخط بسببه، إلَّا أنَّ فعل الولد حقٌّ، وسخط الأب منشؤه حبه للباطلِ وللحرام.
والأظهرُ في القياس: أنه يَثْبُت للولد ذلك، بل يلزَمُهُ أن يفعلَ ذلك، ولا يَبْعُد أن ينظر فيه إلى قُبح المنكر، وإلى مقدار الأذى والسخط، وهذا الترتيبُ - أيضًا - ينبغي أن يجري في العبد والزوجة، مع السيد والزوج، فهما قريبان مِن الولد في لزوم الحق، وإن كان مِلكُ اليمين آكد مِنْ ملك النكاح.
ولكن في الخبر: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» (صحيح الترمذي 1159)". اهـ.
كما عليك أن تُنبِّهي زوجكِ إلى أن يراعيَ غيرتَكِ؛ فإنَّ الغَيرة مما جبلت المرأةُ عليه، ويكون الواردُ عليها شديدًا، واختاري الأسلوبَ الأمثل، والوسائلَ المناسبة، مع المحافظة على احترامه وتوقيره، وتجنَّبي الأقوالَ والأفعالَ التي تدخل الترفع أو النشوز؛ حتى لا يأتي بتأثير عكسيٍّ، فاسلُكي سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة، وتتبَّعي الحق في جميع ذلك؛ لتسلمي.
وتذكري أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ العُنفُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (رواه أحمدُ)، وقال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ»؛ (متفق عليه، واللفظ لمسلم).
هذا؛ وقد حذَّرنا الشرع مِنَ التساهل في أمر الخلطة؛ فقال- صلى الله عليه وسلم -: «إيَّاكم والدخولَ على النِّسَاءِ»، فقال رجلٌ مِنَ الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحَمْو؟ قال: «الحَموُ الموتُ»؛ (متفق عليه مِنْ حديث عقبة بن عامر).
فحرَّم - صلى الله عليه وسلم - الاختلاطَ، وحذَّرنا مِنَ التساهُل فيه، ونهى أقارب الزوج؛ كالأخِ، والعمِّ، والخالِ وأبنائهم مِن الدخول على زوجات أقربائهم، وقد تساهَل أكثرُ المسلمين في ذلك - وإنا لله وإنا إليه راجعون - فالإسلامُ سدَّ كُلَّ المنافذ التي تؤدِّي إلى الحرام، ولو كانتْ مُباحةً في أصلِها؛ سدًّا لذريعةِ الفَساد، ومراعاة لنفسية الرجل والمرأة، والغيرة الفطرية، فأغْلق الشارعُ جميع الأبواب التي يلِجُ منها الشيطانُ، فيفسد البيت والمجتمعات، ومع الأسف - وقد نشأنا جميعًا في ظِلِّ تلك الخُلطة المحرَّمة - فعلينا جميعًا التوبةُ النصوحُ، والامتثال لأمر الله.