أصابني اليأس والإحباط بسبب البطالة
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ في مُنتصف العشرينيات مِن عمري، عاطلٌ عن العمل، حاصل على بكالوريوس، بعد عناء البحث والتعَب لم أجدْ عملًا، أُصِبْتُ بيأسٍ شديدٍ؛ لدرجة أني حَبَسْتُ نفسي في غُرفتي، ولا أخرج خارج البيت؛ لأني أشعر بالخجل مِن مُواجَهة الناس؛ لأني لا أريد أن يعرف أحدٌ أني عاطل.
تَغَيَّرَ مجرى حياتي، ظلمتُ نفسي كثيرًا؛ تهاونتُ في صلاة المسجد، ثم أدَّى بي المطاف إلى التهاوُن في الصلاة، أفرطتُ في العادة السرية والأغاني، أُعَاني مِن ضيقٍ في صدري، وعدم القدرة على التركيز، والخوف ليلًا؛ فأنا أنام في غرفتي وحدي، ولا أستطيع أن أُطفئ الإضاءة؛ خوفًا، لا أشعر بالرغبة في عمل أيِّ شيء، وعندما أحاول أن أرتبَ أوراقي، وأبدأ الصلاة، والقيام، وقراءة القرآن، أشعر بشيءٍ غريب، فعندما أُصَلِّي قيام الليل، يأتيني إحساس يقول لي: انظر خلفك، هناك جنيٌّ! وأيضًا عندما أقرأ القرآن، فتركتُ العبادة، وعدتُ إلى حالتي التي أنهكتني.
أصبح الإنترنت رفيقي الوحيد، يئستُ، وتعبتُ مِن كلِّ شيءٍ، أهملتُ صحتي لِأَبْعَدِ الحدود، لا أدري ماذا أصابني؟ ولماذا لم أعُدْ قادرًا على فعل شيء، مع العلم أني أحاول أن أقوم، ولكن - للأسف - أفشل، وأعود أَسْوَأَ، وكم عاهدتُ نفسي وعاهدتُ الله أني سأتغير! وأعمل بعزيمة وهِمَّة؛ لأعود لحياتي الطبيعيَّةِ، ولكن ما هي إلا أيامٌ وأعود أسوأ مِن ذي قبل، وما زاد تعبي هو وفاةُ أبي قبل شهرين، رافَقَني البكاءُ حَسَرَاتٍ على حالي؛ فأنا الوحيد مِن أصدقائي الذي لا يعمل، ولم يفعلْ شيئًا في حياته، وتعسَّرَ حالي أكثر مما كان بعد وفاة أبي، أُصِبْتُ بحزنٍ شديدٍ، وأشعر بضيقٍ دائمٍ في صدري.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقد أسلمتَ - أخي الكريم - نفسَكَ للحُزن والوحدة؛ حتى استَبَدَّ بك، واستسلمت للخطرات والوساوس، وحتى قعَدتَ فلم تفعل شيئًا - كي يتحسَّنَ حالُكَ - والسبب الرئيس في ذلك: فراغُ القلبِ من القوة والإرادة التامة التي تستلزم الفعل؛ فإن من القواعد الكبار التي تحكُمُ هذا الكون نظريةَ السبَبية؛ وهي ربطُ الأمور بمسبِّباتها، وهو قانون التغيير، وقد أخبرنا الله - تبارك وتعالى - عنه في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، فلقد جعل الله مسؤولية تغيير الواقع للأشخاص أنفُسِهِم، فأنت مَن تُغَيِّرُ واقِعَكَ بالاستعانة بالله، وتَرْك العجزِ، وأخذ النفس بالشدة، وعدمِ التَّهاوُنِ معها.
كن أنت - أخي الكريم - حريصًا على مصلحةِ نفسِكَ، وعلى تغييرِ واقِعِكَ، فأنت من تُدْخِلُ نفسك في هذه الظروفِ الصعبةِ القاسيةِ، وتُوقِعُها في تلك الآثام، والمعاصي، والذُّنوبِ، والحلُّ الناجعُ لما أنت فيه يكون بأمور:
منها: أن تستعينَ بالله، وتحرصَ على طاعةِ اللهِ تعالى، وترغَبَ فيما عنده، وتطلُبَ الإعانة من الله تعالى على ذلك، ولا تَكْسَلْ عن طلب الطاعة، ولا عن طلب الإعانة.
ومنها: أن تُكْثِرَ مِن قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ولكن بمواطأة القلب واللسان، فالعبدُ عاجزٌ عن الاستقلال بِجَلْبِ مصالِحِهِ، وَدَفْعِ مَضارِّه، ولا مُعِينَ له على مصالِحِ دينِهِ ودنياه إلا اللهُ - عز وجل - فمَن أعانه الله فهو الْمُعَانُ، ومن خَذَلَهُ فهو المخذولُ؛ فلا تَحَوُّلَ للعبد من حالٍ إلى حالٍ، ولا قوةَ له على ذلك إلا بالله؛ ولذلك كانت "لا حول ولا قوة إلا بالله" من كنوز الجنة، فأنت وجميعُ الخلق في حاجةٍ إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترْك المحظورات، والصبر على المقدورات كلِّها في الدنيا وعند الموتِ وبعدَه من أهوالِ البرزخِ ويوم القيامَةِ، ولا يَقْدِرُ على الإعانة على ذلك إلا اللهُ - عز وجل؛ لذلك قال - صلى الله عليه وسلم - قال: «احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ» (رواه مسلم).
ولعلَّ بحثَكَ عن عمل كان بطريقةٍ ضعيفةٍ، وغير جادٍّ، أو صادقٍ؛ لظنك أنكَ لستَ مؤهَّلًا للقيام بأي عملٍ، مما تَرَتَّبَ عليه أنكَ لم تستطعْ أن تُقَدِّمَ شيئًا.
ومنها: الإعراضُ عن الالتفات إلى ما فات، فَدَعْكَ مما كان، وابدأ من الآن، وغيِّرْ واقِعَكَ، فلا بُدَّ من الخُرُوج من هذا الواقع، والثورةِ عليه بأيِّ ثمنٍ كان؛ لأنك إن لم تفعلْ ذلك، فَلَمْ ولن يتغيَّرَ واقعُك أبدًا مطلقًا؛ لأن واقِعَكَ هذا يحتاجُ إلى ثورةٍ منك أنت، فعليك أن تَخْرُج منه، وابحثْ عن أسباب ضَعفِكَ، وكن مُوقنًا بعون الله؛ ما دمتَ جادًّا صادقًا في تغيير واقِعِك.
ومنها: الأخذُ بالأسباب، والبحثُ بِجِدٍّ عن عملٍ، وكُنْ حريصًا، ودَعِ الكَسَلَ والتَّهَاونَ؛ فإن من حَرَصَ على شيء جَدَّ في طلبه، وَهَانَ عليه التعبُ في سبيلِ الوُصولِ إليه، والظَّفَر به، مع الاعتماد على الله - تبارك وتعالى وجل جلاله - في تقدير النتائج.
ومنها: اترُكِ المعاصي كُلَّها، وتُبْ إلى الله - تبارك وتعالى - وتوقَّفْ عنها فورًا، واعلم أن الله - تبارك وتعالى - ما إن تبدأ في الإصلاح والتغيير، إلا يُبَادِرُكَ بالتوبة والمغفرة والعون، وفتحِ أبوابِ الأرزاقِ أَمَامَكَ، ولتحذر أَيها الحبيب أن تُصِر على ما أنت عليه، وإلا فالخسارة ستتعدى الدنيا إلى الآخرة، أعاذَنا الله وإياك من ذلك.
ومنها: اقْرَأْ بعضَ الكتيبات في كيفية تغيِيرِ نفسِك، وكيفيةِ إعادةِ الثِّقَةِ إلى نفسِكَ، وكيفيةِ تخطيطك لحياةٍ جديدةٍ، وأن تخرُج من هذا الواقع، وأن تبحَثَ عن عَمَلٍ بجد، واعلَمْ أن الله - تبارك وتعالى - لن يُضَيِّعَكَ ما دُمْتَ قد أخذتَ بالأسباب، والمؤمن القوي خيرٌ وَأَحَبُّ إلى الله مِنَ المؤمنِ الضعيفِ.
أسألُ اللهَ أن يفرج كربك ويُيَسِّرَ أَمْرَكَ، وَأَن يَغْفِرَ ذَنبَكَ، وَأن يَسْتُرَ عَيْبَكَ، وأن يتوبَ عليك.