مشروع دعوي عن طريق مواقع التواصُل الاجتماعي

منذ 2013-12-24
السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا فتاةٌ - ولله الحمد - مُتخرِّجةٌ في كلية الدَّعوة وأصول الدين، وأعرف شيئًا مِن اللغة الإنجليزيَّة، وأملك مهارةَ الذكاء الاجتماعي، وشيئًا مِن الإقناع، وهذا ليس مَدْحًا في نفسي، لكنه يُفيدني في عرْضِ الاستشارة.

أرْغَبُ في عمل مَشروعٍ دعويٍّ عن طريق مواقع التواصُل الاجتماعيِّ؛ بحيثُ أتواصَل مع غير المسلمين، وأُوَضِّح لهم معنى الإسلام وماهيته، لا أقول: أُريد مُناظرتهم، لكن على الأقل أُريد أن أزرعَ بذرةً في قلوبهم؛ للبحث عن هذا الدين؛ كي يبْدَؤُوا هم في الاطِّلاع، ويبحثوا بأنفسهم.

المشكلةُ أني لا أعلم كيف أبدأ؟ ما المهم؟ وما الأهم؟ كذلك ينقصني علمٌ في الأديان، والبعضُ منَعني خَوْفًا عليَّ، لكن الذي شجَّعني أني تحاورتُ مع امرأةٍ أظنُّها كانتْ يهوديةً، وبعد الحِوار بدأتْ - فعلًا - تسأل عن الإسلام، ورجلٌ أَسَلَمَ كان يجهل مسألةَ الحجاب، وكشف الوجه، وكتبتُ الأدلَّة، وبعد الحوار - والحمد الله - اقْتَنَع، وغيَّر رأيه، وهذا فَضْلٌ مِن الله وهدايته، وقد أخفقتُ في بعض الأمور.

لكني مُتردِّدةٌ، وأحس أنَّ العمل ضخمٌ، وقد لا أقدر عليه. فكيف أبدأ معهم؟ بالقرآن؟ بالصلاة؟ بماذا أبدأ أولًا؟ كيف أزْرَع فيهم الدين الإسلامي؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فجزاكِ الله خيرًا على رغبَتِكِ في نفْعِ الناسِ وهدايتِهِم، كما أُحَيِّي فيكِ عُلُوَّ هِمَّتِكِ، ولْتعلمي أنه لا يكفي الحِرص على الخير، والرَّغبة فيه، ومحبة النفْع للناس، والاستعداد والتهيؤ وحسب، وإنما يجب عليكِ العلم بما تأمرين به، وبما تنهين عنه؛ قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف: 108]، وبَوَّبَ الإمامُ البخاريُّ في "صحيحه": "باب العلم قبلَ القولِ والعملِ".

- كما يَجِبُ عليكِ - أيضًا - أن تكوني على درايةٍ تامَّةٍ بما يُحَاكُ لأمة الإسلام مِن مكايد، وهذه أمورٌ يُمكن تحصيلُها لكلِّ مَن طَلَبَهَا.

- وأن تَتَحَلَّيْ بتقوى الله في خاصَّةِ نفسِكِ، والرفقِ، وحُسن الخُلُق مع مَن تدعينهم.

- وعليكِ - مع الرِّفقِ في الدعوةِ - الصبر على ما قد ينالُكِ مِن أذًى، وأن تكونَ دعوتُكِ بالحكمةِ، والموعظةِ الحسنةِ، والمجادلة بالتي هي أحسنُ، التي هي سبيلُ الرسلِ، والعلماء، والمصلحين، على مدى التاريخ؛ قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].

وخص أهل الكتاب فقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت: 46]. وقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 64].

فدعوةُ غيرِ المسلمين إلى الإسلام ودعوةُ المسلمين المنحرفين إلى الرجوع إلى الإسلام فرضٌ على كلِّ مسلمٍ قادرٍ، رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلمَ - نبيًّا ورسولًا.

واحرصي على أن تُبَيِّني لهم أنَّ دين الله واحدٌ، وهو دينُ الأنبياء جميعًا؛ بدْءًا بأبي البشرية آدم - عليه السلامُ - وانتهاءً بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقد جاءَ الأنبياءُ - جميعًا - بتوحيد الله تعالى، واحْرِصي - أيضًا - على بيان محاسِنِ الشريعةِ الإسلاميةِ، ومُلاءمتِها لفطرةِ الإنسان، وتلبيتِها لحاجاته البدنية، والعقلية، والرُّوحيَّة؛ فمِن محاسن الشريعة: أنها حَرَّمَتْ كلَّ ما يضرُّ ببدنِ الإنسانِ، وعقلِهِ، ومن ذلك تحريمُ المسكِرِ لضَرَرِهِ، وتحريم قليلِهِ الذي لا يُسْكِرُ؛ لأنه سبيلٌ إلى تناوُلِ كثيرِهِ، ولا يُمكن لكلِّ الناس التحكُّم في الكمية، والتشريعُ يكونُ للجميع، إلى غير ذلك من الحِكَم المعلومة والمجهولة.

واقْرَئي في ذلك كتاب: "محاسن الشريعة"؛ للقَفَّال الشَّاشي، و"إعلام الموقعين"؛ لابن القَيِّم.

واحْرِصي على تحصيلِ أرضيةٍ علميةٍ تنطلقين منها، وتقويةِ نفسِكِ ثقافيًّا، وقراءة بعض الكتب المعاصرة؛ ككتب الشيخ/ أحمد ديدات، وهي متوفرةٌ، وكذلك دراسة بعض الكتب؛ مثل:

1 - "التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، و"الأصول الثلاثة"؛ للإمام محمد بن عبدالوهاب.

2 – كتاب: "تيسر العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد"؛ للشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب.

3 - وكتاب: "القول السديد شرح كتاب التوحيد"؛ للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي.

4 - "قصة الإيمان"؛ لنديم الجسر.

5 - "العلم يدعو إلى الإيمان"؛ لوحيد الدين خان.

6 - مُؤَلَّفات الشيخ/ عبدالمجيد الزنداني، ومنها كتاب: "الإيمان والتوحيد".

7 - مؤلفات الدكتور/ زغلول النجار.

8 - "العقيدة في الله"؛ للدكتور عمر سليمان.

9 - "أعلام السنة المنشورة"؛ للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي.

وكذلك الاستعانة بالمواقعِ المتخصصةِ في هذا المجالِ، وهي كثيرةٌ.

وخُذي حذْرَك عند دعوةِ الرجالِ الأجانِبِ؛ فإن آنَسْتِ شرًّا فانسحبي؛ لأنَّ دَرْءَ المَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ على جَلْبِ المصلحةِ.

وفقك الله لكلِّ خير.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 0
  • 5,488

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً