أريد أن أستر فتاة، لكني خائفة على أولادي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كنتُ عرضتُ شقة للبيع، وجاءتْني بنتٌ تُريد أن تَسْكُنَ فيها، وعرفتُ أنه لا أحد لها بعد موت أبيها؛ أمُّها تزوجتْ، وأخوها تزوَّج في بيت أبيها وطَرَدَها، ولا يوجد أحد لها لتقيمَ عنده، وأنا أُريد أن أساعدها، وأستر عليها، ليستر الله عليَّ يوم القيامة.
الفتاة عمرها 20 عامًا، والآن هي تُقيم عند صديقتِها، وإخوة صديقتها ووالدتها يحبونها ويعطفون عليها، لكن والد صديقتها دومًا يصرخ في وجهها، ولا يريدها أن تُقيمَ في البيت معهم! لذا تُريد أن تكون مُستقلة في بيت وحدها.
استضفتُ هذه الفتاةَ في بيتي، وعزمتُها على الطعام معي أنا وأولادي، وكتبتُ لها عقد الشقة، وعرضتُ عليها أن تقعدَ معنا، وهذه رغبة زوجي؛ لأني لا أريدها أن تعيشَ وحدها! فعرضتُ الأمر على الفتاة ووافقتْ.
لكن المشكلة أني خائفة؛ لأنَّ لديَّ شابَّيْنِ، وكلاهما في بداية العشرينيات، أُريد أن أسترها، لكن أخاف عليها وعلى أولادي كذلك، خاصة وأنها كاشفة شعرها، وتلبس لبسًا عاديًّا مثل الفتيات هذه الأيام؛ (بنطال وبَدِي)!
كذلك بيتي صغير 3 حجرات فقط، ودَخْلُنا متوسِّط ولله الحمد! ولا أستطيع أن أزوجَها أحد أولادي؛ لأنَّ أولادي سيختارون زوجاتهم بإرادتهم.
أرجو معرفة حكم الشرع في هذا الفعل؟ وهل فيه مُساءلةٌ قانونيةٌ عليَّ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فجزاك الله خيرًا -أيتها الأخت الكريمة- على تلك الرحمة، وأُبَشِّرك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم– : "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" (رواه البخاري ومسلم) ، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض؛ يرحمكم مَن في السماء"؛ (رواه أحمد والترمذي)؛ فالجزاء مِن جنس العمل؛ وقد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ارحموا تُرحَموا، واغفروا يغفر الله لكم" (صحيح الترغيب).
ولكن لا يلزم من رحمتك بتلك الفتاة وشفقتك عليها أن تسمحي لها بالعيش معكم؛ فهذا لا يجوز -شرعًا- لأنها فتاةٌ غريبةٌ عن زوجك، وعن أبنائك الشباب، وحتى لو كانت تلك الفتاة محجبةً، فلا يجوز - أيضًا - لأنَّ الله تعالى لما حرَّم الحرام، حرَّم -كذلك- السبُل المؤدِّية إليها، وأخذ الطريق على المكلفين؛ عِصْمةً لهم؛ فهو -سبحانه وتعالى- يعْلَم النفس البشرية، وما يصلحها، وما يفسدها، ومن أعظم ما يؤدِّي للحرام الصرف الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء؛ لا سيما الشباب من الجنسين، ولا يخفى عليك -أيتها الكريمة- انتشار الفِتَن، والواقع الأليم الذي نعيش فيه والذي تُشاهدينه بعينك؛ ولذلك أمر الله بِغَضِّ البصر الذي هو مفتاح الشرِّ؛ فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31].
وسُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفجأة -النظرة من غير قصدٍ- فقال: "اصرف بصرك"(رواه مسلمٌ في صحيحه)، بل ثبت عنه -صلوات الله وسلامه عليه- أنه قال: "لا تتبع النظرة النظرة -أي: لا تنظر نظرةً بعد نظرةٍ- فإن الأولى لك -أي: لا إثم عليك فيها، والثانية عليك- أي: إثمُها وضرُرها عليك"(رواه أبو يَعْلى في مُسنده)، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]؛ أي: إذا احتاج الرجال متاعًا من النساء، فليسألوهن مِن وراء حجاب؛ إذ إنَّ هذا هو الأطهر للقلوب؛ أي: الأنقى، وهذه الآية صريحةٌ في هذا المعنى، وهي تخاطب أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- فكيف بمَن سواهن من نساء الأمة؟!
وأنت تعلمين -رعاك الله- أن الفتاة لو أقامتْ معكم في تلك الشقة الصغيرة يصعب وضع ضوابط للخلطة. وقد حذَّرنا تعالى مِن سلوك أي خطوةٍ تُقربنا للحرام؛ فقال تعالى: ي{َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[النور: 21].
وبناءً عليه؛ فاسمحي لتلك الفتاة أن تسكنَ في شقتك الأخرى، واستمري في الإحسان إليها، وإسداء النُّصح لها؛ حِسبةً لله؛ لأن فتاةً في هذا السن الصغيرة تعيش بمفردها تكون مطمعًا لكثير مِن الرجال؛ ولذلك انصحيها بارتداء الحجاب الشرعيِّ، والتمسُّك بأحكام الشرع الحنيف؛ ففي ذلك النجاة لها في الدنيا والآخرة.
ونسأل الله أن يستر عليها وعلى بنات المسلمين.
- التصنيف:
- المصدر: