كيف أقنع زوجي بتأجير مسكن خاص
أنا فتاةٌ متزوجةٌ، وأُحب زوجي وهو يحبني، المشكلةُ أني أعيش في بيت أهله، في غرفةٍ، وأسرتهم كبيرة جدًّا، وأشعر بالاختناق، وأريد أن أستقلَّ في بيت خاص بي.
تعبتُ نفسيًّا مِن هذا الموضوع، وتركتُ له البيت، وأجلس عند أهلي؛ لأني أشعر بضيقٍ شديد من العيش في هذا المنزل؛ لأسباب كثيرةٍ:
أولًا: لعدم أخذ راحتي؛ فطوال النهار أرتدي الطرحة.
ثانيًا: لأن حماي يستكثر علينا الطعام، وينظر إليَّ وأنا آكل؛ فأقوم ولا آكل معه.
ثالثًا: لأن حماي لسانه طول النهار يكفر، ولا يُصلي، وإذا حاولتُ أن أتكلمَ معه في هذا الموضوع، أجده يزداد ابتعادًا عن الدين، ليس هو فقط، بل أيضًا بعض أبنائه، وهذا أهم شيءٍ ينكد عليَّ حياتي؛ فأنا أتعصب جدًّا مِن داخلي عندما يكفر حماي، وأمور أخرى كثيرة جدًّا تضايقني؛ علمًا بأنَّ زوجي يحاول أن يجدَ عملًا، ولكن قد يكون مؤقتًا لا يكفي لفتْحِ بيت مستقل.
اقترحتُ على زوجي أن نسكنَ في بيتٍ نستأجره حتى أرتاحَ نفسيًّا، وربنا يفرج علينا ما نحن فيه، لكنه رفض بشدة. الآن أنا في بيت أهلي، ورفضتُ أن أرجع إليه حتى يوفرَ لي سكنًا، فكيف أقنعه؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فأسأل الله أن يوسعَ عليك، وعلى زوجك، وأن يرزقكما بيتًا مستقلًّا، ترفلان فيه بالراحة والهناء. وأبشري- أيتها الابنة الكريمة- فإنَّ باب الكريم مناخ الآمال، ومحط الأوزار، وسماء عطائه لا تقلع عن الغيث، بل هي مدرار؛ " "؛ (متفقٌ عليه). فلا ينقصه تعالى الإنفاق، ولا يمسك خشية الإملاق، تتوالى نعمه -سبحانه- إن ربنا لغفورٌ شكورٌ.
وقال –سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21]، وقال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29].
وقد ذكَر العلماء أن معنى الآية: يغفر ذنبًا، ويفرج همًّا، ويكشف كربًا، ويجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا، ويعلم جاهلًا، ويهدي ضالًّا، ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانيًا، ويشبع جائعًا، ويكسو عاريًا، ويشفي مريضًا، ويعافي مُبتلى، ويقبل تائبًا، ويجزي محسنًا، وينصر مظلومًا، ويقصم جبارًا، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعةً، ويرفع أقوامًا، ويضع آخرين؛ الوابل الصيب مِن الكلم الطيب لابن القيم.
فافزعي إلى الجواد الكريم، وادعي الله وأنت موقنةٌ بالإجابة، واستجمعي قلبك خاشعةً راغبةً فيما عند الله مِن فضلٍ ورزقٍ.
أما حقك في السكَن المستقل: فهذا مِن الواجبات المحتمات على زوجك أن يوفرَ لك سكنًا مستقلًّا، ولا يلزمك أن تسكني مع أهله، وخاصة إذا ترتب على سكناك مِن الضرر أو الإيذاء، أو كان والد زوجك على تلك الصفات التي ذكرت.
قال الكاساني - رحمه الله-: ''ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها، أو مع أحمائها؛ كأم الزوج، وأخته، وبنته مِن غيرها وأقاربها، فأبتْ ذلك عليه، فإنَّ عليه أن يسكنها منزلًا منفردًا...، ولكن لو أسكنها في بيتٍ من الدار - أي: في غرفة - وجعل لهذا البيت غلقًا على حدةٍ، كفاها ذلك، وليس لها أن تطالبه بمسكنٍ آخر؛ لأنَّ الضرر بالخوف على المتاع، وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال'' اهـ. من ''بدائع الصنائع'' (4 / 23).
قال الأحناف: ''وكذا تجب لها السكنى في بيتٍ خالٍ عن أهله وأهلها، بقدر حالهما؛ كطعامٍ، وكسوةٍ، وبيتٍ منفردٍ من دارٍ له غلقٌ، ومرافق، ومراده لزوم كنيف - أي: بيت خلاءٍ ومطبخ، كفاها؛ لحصول المقصود''. اهـ.
ولا شك أن وجود إخوان الزوج في البيت يقيد من حريتك؛ بالإضافة إلى ما في ذلك من دواعي الفتنة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: " "، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ قال: " "؛ (متفق عليه).
فمن حقك أن يكون لك بيتٌ مستقلٌّ تستطيعين أن تعيشي فيه بحرية؛ في لباسك، وحركتك، ومعاملتك لزوجك، ووجود أهل الزوج في نفس البيت يمنعك من ذلك؛ فضلًا عما في ذلك من دواعي الفتنة.
ولا يُنافي هذا أن تصبري مع زوجك، وتحتسبي الأجر، حتى يجعل الله لكما فرجًا ومخرجًا.
- التصنيف:
- المصدر: