أريد الزواج من ثانية وأخاف
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
أنا متزوجٌ، ومستقرٌّ، ومتديِّنٌ، وزوجٌ لامرأةٍ رائعةٍ، وأبٌ لأطفال - ولله الحمدُ - لكن لديَّ رغبةٌ في الزواج من أخرى، لكوني رجلًا بصريًّا، وأفتقد المواصفاتِ الجسديةَ في الأولى (الطول والجسم الرائع)، حاولتُ تهدئةَ نفسي، وصرفَ النظرِ، لكن لا فائدة؛ فالعينُ تبحثُ والنفسُ تتمنى، وأتمنَّى الزواج ولو مسيارًا! لكن الخوف من مغبة ذلك لو حصل أبناءٌ، أو لم تكن الثانية جيدةً!
فهل أنا على خطأ؟ ولا أُقَدِّرُ الموجود؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فأُحِبُّ أن أذكُرَ لك -أيُّها الأخُ الكريمُ- شيئًا قبلَ الشُّروع في الجواب وهو: أن البحث عن كمال النعيم في تلك الدار متعسِّرٌ، بل محالٌ؛ فالكمالُ الحق إنما يكون في الآخرة، لا في الدنيا؛ لأن نعيم الدنيا يزولُ، ويخلفُهُ عذابٌ لا يزولُ، إلا لمن اتَّقى الله في الدنيا؛ فإنه يَنْعَمُ فيها وفي الآخرة، فَلَن تَجِدَ امرأةً بها كلُّ ما تُرِيدُ، فَتَرَيَّثْ، وَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ الجَوْزِيِّ -رحمه الله- في''صيد الخاطر'' ص309: '' أكثرُ شهواتِ الحسِّ النساءُ، وقد يَرَى الإنسانُ امرأةً في ثيابها، فيتخايل له أنها أحسنُ مِن زوجته، أو يتصوَّرُ بفكره المستحسنات، وفكرُهُ لا ينظر إلا إلى الحَسَنِ من المرأة، فَيَسْعَى في التزوُّجِ والتَّسَرِّي، فإذا حَصَلَ له مُرادُهُ، لم يَزَلْ ينظرُ في العُيُوب الحاصلة، التي ما كان يتفكَّر فيها، فيملّ، ويطلب شيئًا آخَرَ، ولا يدري أن حُصُول أغراضِهِ في الظاهر ربما اشتَمَلَ على مِحَنٍ؛ منها: أن تكونَ الثانيةُ لا دِينَ لها، أو لا عَقْلَ، أو لا محبة لها، أو لا تدبيرَ، فيفوتُ أكثرُ مما حَصَلَ!
وهذا المعنى هو الذي أوْقَعَ الزُّناة في الفواحش؛ لأنهم يجالسون المرأة حالَ استِتَارِ عُيُوبها عنهم، وظهورِ محاسِنِهَا، فتلذُّهم تلكَ الساعة، ثم ينتقلون إلى أخرى! فَلْيَعْلَمِ العاقِلُ أن لا سَبِيلَ إلى حُصُولِ مُرَادٍ تَامٍّ كما يريد؛ {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] ، وما عيبُ نساءِ الدنيا بأحسَنَ مِن قوله - عز وجل: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25].
وذو الأنفة يأنَفُ من الوسَخِ صورةً، وعيبِ الخلق مَعْنًى، فليقنعْ بما باطنُهُ الدينُ، وظاهرُهُ السترُ والقناعةُ، فإنه يعيش مُرَفَّهَ السِّرِّ، طيبَ القلبِ، وَمَتَى استَكْثَرَ؛ فإنما يستكثِرُ من شغل قلبِهِ، ورِقَّةِ دينِهِ''.
وقال في ص333: ''فتفكرتُ، فعلمتُ أن النفس لا تقف عند حدٍّ؛ بل ترومُ من اللَّذَّات ما لا منتَهَى له، وكلَّما حَصَلَ لها غَرَضٌ، بَرَدَ عندَهَا، وَطَلَبَتْ سِوَاهُ، فَيَفْنَى العُمُرُ، ويَضْعُفُ البَدَنُ، وَيَقَعُ النَّقْصُ، وَيَرِقُّ الجَاهُ، ولا يَحْصُلُ المُرَادُ.
وليس في الدنيا أبله ممن يَطْلُبُ النهاية في لذَّات الدنيا، وليس في الدنيا على الحقيقةِ لَذَّةٌ، إنما هي راحةٌ من مُؤْلِمٍ.
فالسعيدُ مَنْ إذا حصلتْ له امرأةٌ أو جاريةٌ، فمال إليها، ومالتْ إليه، وعلم سترها ودينها أن يعقد الخنصر على صُحْبَتِها.
وأكثرُ أسبابِ دَوَامِ محبتِها ألا يُطْلَقَ بصره، فمتى أطلق أو أطمع نفسه في غيرِهَا، فإن الطمع في الجديد يُنَغِّص الخلق، وينقص المخالطة، ويستر عيوب الخارج، فتميل النفس إلى المُشاهَدِ الغريب، ويتكدرُ العيش مع الحاضر القريب؛ كما قال الشاعر:
وَالمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا °°° في أَعْيُنِ الْغِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ
يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَهُ °°° لَا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ
ثم تصيرُ الثانية كالأولى، وتطلب النفسُ ثالثةً، وليس لهذا آخِرٌ.
بل الغضُّ عن المشتَهَيَات، ويأْسُ النفوسِ من طَلَبِ المستحسنات، يُطِيبُ العيشَ مع المُعَاشَرِ.
ومن لم يقبلْ هذا النصحَ، تعثَّر في طُرُقِ الهَوَى، وَهَلَكَ عَلَى البارِدِ، وربما سَعَى لنفسه في الهلاك العاجل، وفي العار الحاضر، فإن كثيرًا من المستحسنات لسن بصيِّنات، ولا يفي التمتع بهن بالعار الحاصل، ومنهن المبذِّرات في المال، ومنهن المبغِضَةُ للزوج، وهو يحبُّها كَعَابِدِ صَنَمٍ''.
وقال في ص437:
''والعاقلُ مَن يقتصِرُ على الواحِدَةِ، إذا وافقتْ غَرَضَهُ، ولا بد أن يكونَ فيها شيءٌ لا يوافِقُ؛ إنما العملُ على الغالب، فتوهب الخَلَّةُ الرديَّةُ للجيِّدة.
وينبغي أن يكونَ النظرُ إلى بابِ الدِّينِ قبل النظر إلى الحُسْنِ؛ فإنه إذا قَلَّ الدينُ، لم ينتفعْ ذو مُرُوءَةٍ بتلكَ المرأةِ''.
فإن كنتَ -بَعْدَ تَدَبُّرِ هذا الكلامِ- ما زلتُ مُصِرًّا عَلَى الزواجِ لحاجةٍ فطريةٍ تريدُ إشباعَهَا، ولا تكفيكَ امرأةٌ واحدةٌ، فاقتضتْ حكمةُ الله تعالى في سَنِّ هذه الرُّخصة، مُقيَّدةً بالعدل؛ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]؛ فالرُّخصةُ تلبِّي واقِعَ الفطرةِ، وواقِعَ الحياة، والتعدُّد ليس مطلوبًا لذاته، وليس مُستحبًّا بلا مبرِّرٍ؛ من حاجةٍ فطريةٍ، أو اجتماعيةٍ، أو ضرورةٍ، وليس هو مجردَ تلذُّذٍ حَيَوَانِيٍّ الغَرَضُ منه التنقُّلُ بين الزوجات، إنما هو ضرورةٌ تواجِهُ ضرورةً، وحلٌّ يُوَاجِهُ مشكلةً؛ كما أنه ليس متروكًا لهَوَى الأزواجِ بلا قيدٍ ولا حدٍّ، بل يَجِبُ على الزوجِ العدلُ في المَبِيتِ والنفقة، فهو - كما ذكرنا- رُخِّصَ فِيهِ لمواجَهَةِ واقِعِيَّاتِ الحياة البشرية، وضرورات الفطرة الإنسانية.
وفقك الله للخير وألهمك رشدك.