هل على الزوجة إثم إذا هجرت زوجها؟

منذ 2014-03-27
السؤال:

لديَّ استفسارٌ عن امرأةٍ تُطيع زوجَها في كلِّ شيء، وغير مُقَصِّرة في أي حقٍّ مِن حُقوقِه، ومُؤَدِّية واجباتها معه، ومع أولاده على أكمل وجه، لكنه إنسان يختلق المشكلات لأتْفَهِ الأسباب؛ يهينها كثيرًا، ويمنعها مِن أبسط حُقوقها، ويتهمها في عرْضِها وشرَفِها، يهمه إرضاء الناس على حساب سعادة زوجته وأولاده، حتى إذا كانوا على غير حقٍّ!

يطردها من المنزل، يُهَدِّدها بالطلاق، لكنه لم يطلقها، يُسْمِعُها كلامًا بذيئًا أمام الأولاد، مع أنها القائمة معهم بكلِّ واجباتها، وعندما يجرحها بشدة تظل فترةً لا تُكَلِّمه بما يُقارب أسبوعين أو أكثر؛ تجنبًا للمشاكل، فهل عليها إثمٌ؟ وما أنسب طريقة يمكن أن تتعاملَ بها معه؛ حتى لا تُغضبَ الله؟

 

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فعلى تلك الزوجة الكريمةِ أن تستمرَّ في صبرها على زوجِها، ولكن بفكرٍ آخر؛ وهو العملُ على إصلاح الزوج؛ إما بالنفس، أو بدعوتها أهل الخير للتدخُّل للإصلاح.  
 

أما ما تفعله تلك الزوجةُ مِن تجنُّب كلام زوجها، أو حتى هجْره في الفراش، لتفريطه في حق الله؛ كالتلبس بالكبائر، أو إذا رماها بالزنا، فقد منَع منه الكثيرُ مِن أهل العلم، وقالوا: لا يجوز مُطلقًا، وذلك لِعِظَم حق الزوج، وقالوا: إن وجدتْ مِن زوجها سوءَ عشرةٍ، أو عِصيانًا لله تعالى، فلها أن ترفعَ أمرها للقاضي؛ ليردَّ زوجها إلى الصواب، أو يأمره بطلاقها، وعلَّلوا ذلك بأنَّ تقصير أحَد الزوجين في واجباته لا يُبَرِّر للطرف الآخر التقصير في حقوقه، واحتجُّوا -أيضًا- بالأحاديث الواردة في هذا الباب؛ كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «لا تهجر امرأةٌ فراش زوجها، إلا لعنتَها ملائكة اللهِ عزَّ وجلَّ»؛ (رواه أحمد، والبخاريُّ)، وفي رواية أخرى: «إذا دعا الرجلُ امرأته إلى فراشه، فأبتْ (رفضتْ)، فبات غضبان عليها، لعنتْها الملائكة حتى تصبح»، وفى روايةٍ: «حتى ترجعَ»، (رواه مسلم).
 

وقد اختار شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله تعالى- جواز هجْر المرأة لزوجها لحق الله، واحتجَّ بحديث كعب بن مالكٍ في قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا عن غزوة تبوكٍ، وفيه: فقال: ''إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن تعتزلَ امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضيَ الله في هذا الأمر''؛ قال في ''الفتاوى الكبرى'' (480/5): ''وتهجر المرأة زوجها في المضجع لحق الله؛ بدليل قصة الذين خلفوا في غزوة تبوكٍ، وينبغي أن تملك النفقة في هذه الحال؛ لأن المنع منه، كما لو امتنع من أداء الصداق'' اهـ.

وعلى ما اختاره شيخُ الإسلام؛ يجوز لها ما تفعله مِن هجرٍ، إلا أن يترتبَ على ذلك منكرٌ أكبر؛ كأن يزداد الزوجُ في غيِّه، أو يزداد الشِّقاق بينهما.
 

والله نسأل أن يُصْلح حال المسلمين، وأن يردهم إلى الرشْد والصواب.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 17
  • 3
  • 343,068

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً