اضطراب نفسي بعد تعرضي للتحرش
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الشباب -
أنا شابٌّ في الـ21 مِن العمر، تعرَّضْتُ لموقف لواط وأنا صغير في الثامنة من العمر، وقد اكتشفتُ أنَّ هذا الموقف أثَّر عليَّ سلبًا في الجانبَيْنِ: العقلي والسلوكي، ثم مررتُ بحالات تحرشٍ جنسي وإساءاتٍ مِن زملائي في المدرسة في الماضي, وبالطبع كان لها تأثيرٌ على نفسي؛ فشخصيتي حساسة جدًّا.
منذ سنتين وأنا أفكِّر في التغيير، وقد قررتُ ووجدتُ أن حياتي بدأتْ تتغيَّر برحمةٍ من الله، والحمد لله على هذا.
جلستُ مع أصدقاء لي، وحكيتُ لهم ما بي، وساعدوني على التغيير، لكن وجدْتُ نفسي بعد ذلك مُنعزِلًا عن العالم، لا أريد أن أُكَلِّم أحدًا، وتحوَّلْتُ إلى إنسانٍ بغيضٍ -هكذا وَصَفَني أصدقائي عندما رأَوْني-.
كنتُ في حالةٍ أشبه بالغيبوبة عن الواقِع؛ كنتُ أحس أن الماضي يتكرر أمامي، وعليَّ أن أُحارِبَ الجميع، ولكن -لله الحمد- تخطَّيْتُ تلك المرحلة، وكنتُ مُضطربًا جدًّا.
تغيرتُ وأحسستُ بصفاء داخلي وعقلي جميلٍ للغاية، وما زلتُ أشعُر بهذا الصفاء، لم أعُدْ أحس بوساوس، وكنتُ في السابق أشعر أن شيئًا ما ينقض عليَّ مِن الخلف ويؤذيني!
بدأتُ أحس بشعورٍ جميلٍ عن نفسي؛ وأنَّ نفسي جميلة كما خلَقَها الله، ولا داعي لأن أكرهها أو أبغضها، وبالفعل حياتي تغيرتْ بعض الشيء، فحصلتُ على عملٍ، ومارستُ نشاطات، وبدأتُ أعيد ثقتي في نفسي, بدأتُ أحس بتغييرٍ وإيجابيةٍ لم أشعر بها طوال حياتي.
بدأتُ أشعر -في الآونة الأخيرة- بالتيه، وذلك بعد أن قرأتُ العديدَ مِن المعلومات عن العقل الباطن، والتي تشير إلى أن الإنسان يحوِّل حياته إلى الواقع الذي يُريده، والمواقف التي يريدها؛ كأن يحبه جميع الناس، أو لا يكون له أعداءٌ على الإطلاق، وهنا حدثت المشكلة عندي؛ فما الفرق بين الأعداء والتفكير السلبي والأخطاء التي نقترفها؟ وكيف لهذه القوة العقليَّة أن تحوِّلَ الأعداء لأصدقاء؟ أو أن تحول الحياة للواقع الذي نريده؟ فهل عُدْتُ إلى تلك الدائرة والحلقات التي أدور بها حول نفسي؟ وهل أنا على الطريق الصحيح؟ وبماذا تنصحونني؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
نعم، فأنت -أيها الابن الكريم- على الطريق الصحيح، ولديك -بفضل الله- طاقاتٌ هائلةٌ تتجلى في قدرتك على تخطِّي تلك الأزمة، يراها ويلمسها مَن قرأ عباراتك الموحية، والتي تُمَكِّنُك -أقصد: تلك الطاقات- مِن أن تعيشَ حياة هانئةً، ولذلك كل ما تحتاج إليه أن تلزمَ تلك الروح الدافعة القوية، وتلك الصُّحبة الرائعة التي ساعدتْك، وأخرجتْك مِن أزمتك، وأن تضن بتلك السلامة أن يخطفها منك الشيطانُ بفَتْح أبواب التفكير التسلسلي، وتذكر وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- الناجعة بعدم الاسترسال مع الخطرات والوساوس؛ فإنه يزيده، فلو حسمت المادة، وقطعتَ الطريق على الشيطان، ما حصل لك مِثْل هذا، وإلا تحوَّل لمرضٍ عضالٍ لا تستطيع التخلص منه إلا بكل مشقةٍ، وبكل حزمٍ وعزمٍ، وصدق اللجْءِ إلى الله -جل وعلا- فلا بد مِن قَطْع الطريق على قاطع الطريق؛ الشيطان.
لا بد أن تكون -أخي الكريم- منطقيًّا؛ فأنت وقعتَ فيما وقعتَ فيه؛ ابتلاءً ومحنةً، ولا يد لك فيه، ففكِّر بصورةٍ أكثر إيجابيةٍ، وسَلْ نفسك: ما الفارق بينك وبين من ابتلي بشيءٍ آخر؛ كحادث سيارةٍ مثلًا؟ فهل لنا في تلك الأمور الجبرية إلا التسليم؟ فحَرِّر نفسك -تمامًا- من أي شعورٍ سلبي، وأغلق تلك الصفحة نهائيًّا، وانظُرْ إلى نفسك الآن، فأنت -والحمد لله تعالى- رجلٌ حريصٌ على البعد عن المعاصي، والمطلوب منك في هذه المرحلة البُعد عن التفسيرات الوسواسية الخاطئة التي تشعر بها، وربطها بالممارسات السابقة؛ هذا تفكيرٌ سلبيٌّ وسواسي يجب أن يُغْلَقَ تمامًا.
وفقك الله للخير، وثَبَّتَك على الحقِّ.