زوجي المدمن .. وتعامله المزاجي معنا
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
أنا متزوجة ولديَّ ثلاثة أطفال، زوجي يُسيء معاملتي، ويشتمني أمام أهله وأطفالي، لا يحترمني، ومعاملته لي متقلِّبة حسب هواه، ويشُكُّ في تصرُّفاتي؛ مِن حرمانٍ مِن الخروج مِن المنزل، إلى تفتيش في أشيائي وممتلكاتي الخاصة. يضايقني بالكلام السيئ، ويتصيد لي الأخطاء والعثرات، ويقول: كيف تفعلين كذا وأنت تحفظين القرآن؟ ويعَيِّرني لأني معلمة.
طلَّقَني طلقةً واحدةً، وعُدْتُ إليه بعد أن حلَف على المصحف بأنه ترَك الحبوب، فصدَّقْتُه.. ولكنه عاد مرة أخرى للتعاطي، مزاجُه صعبٌ، ويريد الجنس متى ما رغب هو، ويُحاول ممارسته بطريقةٍ شاذةٍ!
أصبح لديَّ نفورٌ منه، وألبي طلبه للمعاشرة فقط لأرضي الله عز وجل، هو يريد الجنس لأنه يعمل له حالة من الاسترخاء، ويُساعده على النوم بعد سهر يومين كاملين.
كذلك غامض ماديًّا، ومقصِّر في النفقة؛ لأن الحبوب مكلفة -على حدِّ علمي- رجعتُ إليه لأني لا أريد الشتات لأطفالي، الذين يضربهم بعنفٍ وقسوة في بعض الحالات، مع أن أكبرهم عمره خمس سنوات.
أخبروني ماذا أفعل معه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فأعانك الله -أيتها الأخت الكريمة- على ما أَلَمَّ بك، وأحْسَنَ جزاءك على صبرك، واحتسابك لتلك الحياة المريرة؛ حِفاظًا على الأبناء.
وبعدُ فليس الصبر على أذى الزوج وسوء خلقه غايةً بمفرده، وإنما هو وسيلةٌ صالحةٌ إن شفعتْ بوسائل عمليةٍ لإصلاح الزوج، وبتجاوبٍ من الزوج وبذْل الوسع للإصلاح، أما الصبر للصبر -وبغير حدود- للحفاظ على الأبناء الذي تفعله كثيرٌ مِن نسائنا على حياةٍ ليستْ هي الغاية من الزواج والرباط الغليظ فعملٌ غير سديدٍ؛ فليستْ هذه هي الأجواء الصحية لتنشئة جيلٍ صالح قوي النفس، سالم المشاعر ينفع مجتمعه، بل على العكس تمامًا، فما تذكرينه من صفاتٍ لزوجك يجعل الحياة تسير عكس الغاية المقصودة مِن النكاح، فالبيوتُ إنما تقوم على الحب بين الزوجين في الصورة المثلى، أو بعوامل أخرى تضمن بقاء الأسرة واستمرارها؛ كأداء الحقوق الواجبة مِن رعاية الأبناء، وحسن العِشرة، وتبادُل الحقوق والواجبات، والمودة والرحمة التي يجعلها الله بين الزوجين تفضلًا منه - سبحانه، والذي يزداد شيئًا فشيئًا مع الأيام.
وليس معنى الكلام ألا تصفحي عن زوجك، أو أنه دعوة لعدم الصبر، بل قابِلي أذيتَه وإساءته بالإحسان والغفران، وهذا هو الصفحُ الجميل الذي أمرنا به؛ أي: السلامة مِن الحقد، والأذيةِ القوليةِ والفعليةِ، وإنما المقصود أن يكونَ لك فوق هذا غرضٌ نبيلٌ آخر، وهو: السعي في إصلاح زوجك وبيتك.
فصارحي زوجك بما تنقمين عليه، واطلبي منه أن يعاملك بالطريقة التي تحبينها، وليبدأ معك صفحةً جديدةً تقفين فيها معه، فليس الإقلاع عن إدمان الحبوب بالأمر الهين، بل إنك تحتاجين تضافر جهودٍ من أسرته وأسرتك معك؛ حتى يصلَ لبر الأمان، كما أنه لا بد مِن عرْضِه على طبيبٍ مختصٍّ، وأشعريه في كلِّ هذا بحرصك على نجاته، وفي الوقت نفسه لا بد أن يعلمَ أن صبرك عليه له سقفٌ ينتهي عند استرساله في نزواته، واستسلامه للأمر الواقع، وحينها لا يُلام عليك طلب الطلاق، والبعد بأبنائك إلى بيئةٍ صحيةٍ تصلُح للتريبة السليمة، ولكن هذا قطعًا سيكون آخر الحلول عند تيقنك مِن عدم جدوى الصبر عليه.
أما قبل تلك المحطة فلا بد مِن الصبر في معركة الإصلاح، وسأنقل لك في هذا كلامًا نفيسًا للأستاذ سيد قطب في "الظلال": "والإسلام ينظر إلى الحياة الزوجية بوصفها سكنًا، وأمنًا، وسلامًا، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودةً، ورحمةً، وأنسًا، ومن ثَم يكره فصْم عقدتها إلا عند الضرورة القصوى؛ قال تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
فيدعو -سبحانه- إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية، ويفتح الأعين على العاقبة الحميدة؛ {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
فلعلَّ في هؤلاءِ النسوة المكروهات خيرًا، وأن الله يدخر لهم الخير؛ فلا يجوز أن يفرطوا فيه، وينبغي لهم أن يستمسكوا به، هذا كي يستمسك الزوجان بعقدة الزوجية؛ فلا يُقْدِمان على فصْمِها لأول خاطرٍ، وكي يستمسكا بهذه العقدة، فلا يُقْدِمان على فكها لنزوة. وما أعظم قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لرجلٍ أراد أن يُطَلِّق زوجته -لأنه لا يحبها-: "ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية؟ وأين التذمم؟"، وما أتفه الكلام الرخيص الذي ينعق به المتحذلقون باسم الحب، وهم يعنون به نزوة العاطفة المتقلبة، ويبيحون باسمه -لانفصال الزوجين وتحطيم المؤسسة الزوجية- بل خيانة الزوجة لزوجها! أليست لا تحبه؟! وخيانة الزوج لزوجته! أليس أنه لا يحبها؟!
وما يهجس في هذه النفوس التافهة الصغيرة معنًى أكبر مِن نزوة العاطفة الصغيرة المتقلبة، ونزوة الميل الحيواني المسعور، ومِن المؤكد أنه لا يخطر لهم أنَّ في الحياة مِن المروءة والنبل والتجمل والاحتمال ما هو أكبر وأعظم مِن هذا الذي يتشدقون به في تصوُّرٍ هابطٍ هزيلٍ، ومن المؤكد طبعًا أنه لا يخطر لهم خاطر "الله"؛ فهم بعيدون عنه في جاهليتهم المزوقة! فما تستشعر قلوبهم ما يقوله الله للمؤمنين: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
إنَّ العقيدة الإيمانية هي وحدها التي ترفع النفوس، وترفع الاهتمامات، وترفع الحياة الإنسانية عن نزوة البهيمة، وطمع التاجر، وتفاهة الفارغ!
فإذا تبين بعد الصبر والتجمل، والمحاولة والرجاء، أن الحياة غير مستطاعةٍ، وأنه لا بد من الانفصال، واستبدال زوجٍ مكان زوجٍ، فعندئذ تنطلق المرأة بما أخذتْ مِن صداقٍ، وما ورثتْ من مالٍ، لا يجوز استرداد شيءٍ منه، ولو كان قنطارًا من ذهبٍ؛ فأخْذُ شيءٍ منه إثمٌ واضحٌ، ومنكرٌ لا شبهة فيه".
أما إتيانه لك جنسيًّا بطريقةٍ شاذةٍ؛ فإن كنت تعنين إتيانه لك في الدبر، فلا تسمحي له بذلك مطلقًا، وذكريه بأن هذا الفعلَ محرمٌ لما ورد عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «
» (رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي وغيرهم، وصححه الألباني).والله أسأل أن يصلح زوجك، وأن يمدكِ بمَدَدٍ مِن عنده.