حزينة لتصرفات أهلي مع المتقدمين للزواج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ في نهاية العشرينيات مِن عمري، أعمل أكاديميةً في جامعة عريقةٍ -وهذا مِن فضل الله-.
أنا أكبر إخوتي، ولم يتقدَّمْ لخطبتي أحدٌ؛ ولعل ذلك بسبب أني قليلة الخروج من المنزل، وقليلة الحضور للمناسبات الاجتماعية.
الآن اشتركتُ في أحد مواقع الزواج، وهو موقعٌ مشهورٌ جدًّا، وتواصلتُ فيه مع عددٍ من الشباب الراغب في الزواج، وفعلًا أثْبَتُوا جديتهم، واتصلتْ عائلاتهم بعائلتي للتقدُّم للخطبة، ولكن صُدِمتُ بأمرين:
الأول: سوء رد أمي مع أُمِّ الشاب، حتى إنها أجرتْ معها تحقيقًا: مِن أين لكم الرقم؟ ومَن عرَّفكم إلينا؟ ومَن؟ ومَن؟ لكن أم الشاب أخبرتْ أمي أن أهل الخير هم مَن عرفونا إليكم، فلم تقتنع أمي!
الأمر الثاني: أن أمي أخبرتْ والدي بالاتصال، وعن الشابِّ, وأنهم من منطقةٍ غير منطقتنا، فرفَض أبي مباشرةً، بعدما عرف أنه مِن غير منطقتنا، دون أن يلتقي بالشابِّ، فلم يعرفْ أخلاقه، ولا دينَه، ولا أي شيء، فقط رفَضَه لأنه ليس مِن المنطقة التي أنتمي إليها، وأخبر أمي أن تعتذرَ منهم إذا عاوَدوا الاتصال.
أنا الآن حزينةٌ ومكتئبةٌ جدًّا؛ لأن عمري يتقدَّم، وفُرَصي تقلُّ، وأشعر بالغضب مِن أهلي ومِن تصرُّفاتهم. ولا تنصحوني بمُحادثة أمي في هذا الموضوع؛ لأن بيتنا محافظٌ جدًّا، ويمنع البنت مِن الحديث في أمور الزواج، وأنا تربَّيْتُ على هذا، وأنا أخجل مِن أمي تمامًا في هذا الأمر، فهل أصبح عانسًا بسبب تحجُّر عقْل أسرتي؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
لماذا -أيتها الابنة الكريمة- لا ننصحك بمُحادثة أمك؟ بل لماذا لا تقومين بهذا بغير نُصحٍ منا؟ ولماذا لا تُدافعين عن حقك في الوجود وأنت الفتاة المتعلِّمة، إن كنتِ تقولين هذا وأنت مَن تعمل أكاديمية في جامعةٍ عريقةٍ، فماذا عساها أن تفعلَ وتقول مَن لم تتعلمْ؟ أو مَن لم تُتم تعليمها؟ أو مَن ليستْ أكاديميةً مثلك؟!
لا بُدَّ مِن ثورةٍ على تلك العادات المتوارثة البائدة، والتي نَظُنُّ أنها محافظة، وما هي كذلك؛ إن الإسلام منها براءٌ، والشرعُ بعيدٌ عنها غاية البُعد، بل إن امرأةً مثلك قد وقفتْ في وجه تلك العادات الجاهلية من خمسة عشرَ قرنًا؛ فروى الجماعة إلا مسلمًا عن خنساء بنت خذامٍ الأنصارية: أن أباها زوَّجها وهي ثيبٌ فكرهتْ ذلك، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فردَّ نكاحها.
عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه: قال: جاءت فتاةٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه؛ ليرفع بي خسيستَه، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: "قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلمَ النساء أن ليس إلى الآباء مِن الأمر شيءٌ"؛ (رواه ابن ماجه، ورواه أحمد والنسائي).
دافِعي عن حقك في الزواج، وواجهي أسرتك بقوةٍ، ودافعي عن حقك في أن تكوني زوجةً، وأمًّا، وصاحبة بيتٍ، فمتى تم هذا بأدبٍ واحترامٍ ولم يستجيبوا، فهذه نظرةٌ جاهليةٌ ثارتْ مِن أجلها خنساء بنت خذامٍ الأنصارية، وهذا أمرٌ يتطلب منك قوة نفسٍ، ومجاهدةً، واستعانةً بالله تعالى، كما يتطلب أن تثقي في إمكانياتك في إقناع والديك، وجعلهما يغيران تلك القناعات الخاطئة، فتنفعي نفسك وأخواتك، وتسنِّي سنةً صالحةً.
وأُحِبُّ أن أُنَبِّهك لشيءٍ قد يَغيب عنك: كثير من الآباء يُغيرون آراءهم وقناعاتهم في مسائلَ كثيرةٍ؛ بسبب مناقشات وحوارات الأبناء؛ ما دامتْ مَصْحوبةً بالبرهان العقلي، وبأسلوبٍ هادئٍ مهذبٍ، فلا تؤثري السلامة وكافحي لتحقيق المراد، ويمكنك الاستعانة بمن له تأثيرٌ على أسرتك؛ من قريبٍ، أو غيره.
وفقك الله لكل خير ورزقك زوجًا صالحًا.
- التصنيف:
- المصدر: