تعصب بعض طلبة العلم لشيوخهم والموقف من ذلك
أنا من الذين يحبون الالتزام، ومع ذلك أُحس من بعض الإخوة التشدد والتعصب لشيخ معين، وإذا اختلفت معه ولقيني لا يُلقي عليّ السلام؛ أرجو كلمة لأمثال هؤلاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله جلَّ وعلا أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يرزقنا وإياك الفهم الصحيح لدينه.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فمما يؤسَف له أن هذا الأمر موجود منذ الأزل بين فئةٍ ليست بالقليلة بين المسلمين، وهذا يُمثّل نوع انحراف في منهج التلقي لدى هؤلاء الإخوة؛ إذ أن المفترض في المسلم ألا يتعصب إلا للحق فقط، أما الأشخاص فما هم إلا وسيلة توصلنا إلى تحقيق الهدف، وليسوا هم الهدف. ولذلك لو وقف هؤلاء على مقولة الصحابي الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه لعلموا ذلك، حيث قال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"؛ وهكذا يكون الفهم، حتى ولو كان المعلم هو سيد الأولين والآخرين؛ لأن وظيفته ووظيفة سائر الدعاة من بعده البلاغ عن الله والبيان لمراده، وله علينا السمع والطاعة بأمر الله جل جلاله، إلا أننا لا نعبده، ولا نطيعه في معصية الله لا قدر الله؛ لأنه هو الذي علمنا أن نتعصب للحق، وأن ندور معه حيث دار لا الأشخاص. فلا ينبغي لنا أن نتعصب لهم تعصباً أعمى يؤدي بنا إلى هضم غيرهم وإن كان أفضل منهم، أو تقديمهم على غيرهم بلا بينة ولا برهان؛ لأن العبرة بالحق وليس بالأشخاص. وكم من أناسٍ كانوا على جادة الطريق ثم انحرفت بهم السبل فتحولوا عن الحق إلى الباطل والتأويلات الفاسدة والعياذ بالله!
ولو نظرنا إلى التاريخ لوجدنا أن التعصب للأشخاص ما جرَّ على الأمة إلا الويلات، وصرفها عن كثير من الحق الذي كان من الممكن أن يدفع بها إلى التقدم والنهوض. ولقد شهد التاريخ معارك ضارية بين أتباع المذاهب والتوجهات الدعوية بسبب التعصب للأشخاص، وادِّعاء العصمة لهم أحياناً، بل وتقليدهم تقليداً أعمى، بصرف النظر عن صحة ما هم عليه أو فساده. وما التعصب في حقيقته إلا نوع من التقديس للأشخاص والذي حاربه الإسلام، وإنما الواجب أن نحب الرجال على قدر التزامهم بالحق وعملهم به، وأن يكون الحق أحب إلينا منهم، وأن نعلم أنهم بشر يخطئون ويصيبون؛ فلا يجوز لنا بدافع الحب لهم أن نكون وراءهم كالحيوانات التي تتبع راعيها ولو كان يسوقها إلى حتفها؛ وإنما الواجب دائماً أن يكون الحق هو هدفنا، فإن وجدناه مع أي شخص قبلناه، وعملنا به، وأثنينا على الداعي إليه، ونصرناه بقدر ما هو عليه من الحق؛ فإن حاد عن الحق بينَّا له إن كنا أهلاً للبيان؛ وإلا انصرفنا عنه إلى غيره ما دام قد جانبه الحق.
ولا ينبغي لنا بحالٍ أن يدفعنا التعصب إلى نبذ المخالف لنا أو هجره ما دام الأمر الذي نختلف معه فيه يقبل الخلاف. وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة، ومنهج السلف الصالح، حيث أنهم -رحمهم الله- كانوا يختلفون في المسائل التي جرى فيها الخلاف، ولم يُعهد عنهم تجريح، أو طعن، أو همزة، أو غمز في المخالف لهم؛ وإنما كان بعضهم يترضى على المخالف، ويترحم عليه ما دام الخلاف جرى فيما يَقبل الخلاف. وهذه هي المذاهب الأربعة؛ لم يسجل لنا التاريخ وشاية أو طعناً من إمامٍ على غيره؛ وإنما كان يقول في المسألة بما يراه، ثم يذكر قولاً آخر يراعي فيه رأي المخالف له من العلماء، وهذا ما ينبغي على المسلم العاقل أن يكون عليه، فقد نختلف في الرأي ولا ينبغي أبداً أن يتحول الخلاف في الرأي أو المنهج إلى خلافٍ في القلب بحالٍ من الأحوال ما دام الخلاف سائغاً؛ وإنما الواجب علينا أن نعترف لأهل الفضل فضلهم وجهادهم وأسبقيتهم في العمل للإسلام؛ حتى ولو لم يكونوا على ما نحن عليه، ما دامت وجهتهم كانت خدمة الإسلام، فنحن نحب جميع المسلمين على قدر ما فيهم من خير، ونواليهم عليه حتى وإن لم يكونوا على ما نحن عليه.
فلا يجوز بحالٍ أن يدفعنا التعصب للمذاهب أو المناهج أن نخرج غيرنا أو ننتقص من قدره، ونعلن الحرب عليه؛ لأن هذا هو منهج أهل البدع والعياذ بالله، ولقد كان سلفنا أعف الناس ألسنةً عن عيوب غيرهم من المسلمين الصادقين في العمل بالحق. وليعلم الجميع أن الفُرقَةَ والخلاف سبيل الضعف والهوان والخُذلان، وأن الوحدة رحمة، وهي شرع ربنا وهَدْىِ نبينا؛ وأن الشيطان وأعوانه يؤججون نار الخلاف بين المسلمين حتى يسهل القضاء عليهم، وقديماً قالوا: "أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثور الأبيض".
وبالله التوفيق.
الشيخ / موافي عزب.
- التصنيف:
- المصدر: