خطيبتي لا ترغب التزام الحجاب

منذ 2014-05-14
السؤال:

تعرفتُ إلى امرأةٍ طيبة جدًّا، وأحببتُها كثيرًا بمثابة والدتي، وهي أيضًا أحبَّتْني كابنٍ لها، وتوطدت العلاقة بيننا، وعرضتْ عليَّ الزواج مِن ابنتها، فوافقتُ، وذهبتُ أنا وعائلتي لخطبتها، وكانت الفتاة ترتدي الحجاب العادي، أو حجاب الموضة؛ بالمعنى الأصح، وشبه مُلتزمة، فاشترطتُ عليها أن تلبسَ العباءة قبل أن أعقدَ عليها.

وافقتُ على أن أُمْهِلَها بعضَ الوقت، ومن هنا بدأت المشاكل حيث مرت الأيام وأنا أُلِحُّ عليها لتلبس العباءة، وبدأتْ تختلق المُبَرِّرات؛ مثل: أمْهِلْني بعض الوقت، ثم قالتْ لي: صاحبةُ العمل لا تسمح بذلك، ثم قالتْ: إنها ستلبسها متى يهديها الله!

فغضبتُ لأني أحسستُ بأنها خدَعَتْني، ولم أعُدْ أتصل بها على الهاتف، لكن المشكلةَ أنَّ قلبي مُعَلَّقٌ بها، وبقيتْ أمها الواسطة بيننا.

منذ شهور ونحن مفترقان، وأرسلتُ لها رسالةً: هل سنصل إلى حل أو نفترق؟

ثم فوجئتُ باتصال هاتفيٍّ بعد الرسالة مِن شابٍّ يخبرني فيه بأنه يحبها، وأن الفتاة تريده هو ولا تُريدني، ثم اتصل بها وأنا على الهاتف -دون أن تعرفَ- وخيَّرَها بيني وبينه، فاخْتارتني، ثم أغلقت الهاتف.

أخبرني بعدها بأنه زنى بها، وأنَّ له علاقةً معها، ثم اتصلتْ بي الفتاةُ وأخبرتْني بأنه كاذبٌ، ولم يفعلْ أيَّ شيء بها، وطلبتْ مني -بعِلْم أهلِها- أن أذهبَ بها للطبيبة للكشْف عليها، والتأكد مِن ذلك.

ثم اعترفتْ بأنها أخطأتْ في حقِّي، وطلبتْ مني العفْو، وإعطاءها فرصةً أخرى.

ما رأيكم هل أستمرُّ معها؟ أو أفْسَخ الخطبة؟

 

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فلا يخفى عليك -أيها الابنُ الكريمُ- أنَّ الزواجَ علاقةٌ مستمرةٌ طيلة حياة الزوجين، أو هكذا يقصد كل واحدٍ فيمَن يختاره شريكًا للحياة وجزءًا مِن مُؤسسة الأسرة التي تشمل الأولادَ الذي يحملون اسم الأب، وكذلك حرص الإسلامُ العظيمُ على إنجاح الزواج بمُراعاة حُسن الاختيار، وبيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أُسُس الاختيار، وصفات المرأة، وما يجب أن تكونَ عليه، فعلى الشابِّ المسلمِ -وهو يُقْدِمُ على الزواج- ألا يكونَ اختياره لأجل الجمال وحده أو الشهوة أو المنصب، إنما يجب أن يكون مبنيًّا على الخُلُق والدين، وهذا ضابطٌ للاختيار مهمٌّ؛ لأنَّ المرأة ذات الخُلُق والدين ستكون أمينةً على نفسها، وعلى زوجها، وستكون صادقةً، فلا تكذب عليه، وستكون وفيةً فلا تخونه، وستكون طائعةً؛ لأنها تعرف أن الله تعالى قد أوجب عليها واجبًا تجاه زوجها، وتقصيرها فيه سيُحاسبها الله عليه، أما إن لم تكنْ ذات خلقٍ ودينٍ، وكانت ذات جمالٍ، فلا تؤمَن على نفسها، بل ربما جمالها يجعلها تستهين بزوجها.

والحاصلُ -أيها الابن الكريم- أنَّ الواجبَ عليك أن تتمهَّل في الزواج مِن تلك الفتاة، وأطل فترة الخطبة، وقُمْ بنُصْحِها، وبيان الحق لها؛ عسى الله أن يشرحَ صدرها، ويُلهمها رشدها، ويُعيذها مِن شرِّ نفسها، ويرزقها الأَوْبَة إلى الحق والرشد، وينصلح حالها، واصبرْ عليها؛ لعل الله أن يكتبَ لها الخير على يديك؛ وقد قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك مِن حُمر النعَم» (متفقٌ عليه).

فإن استجابتْ ولبست الحجاب الشرعي الصحيح، وآنستَ منها هدايةً، واستعدادًا للتمسُّك بالحق -ولو بعد عدة محاولات- فلا بأس مِن الارتباط بها، ولتبذلْ وسعك في تعليمها ما يجب عليها مِن أمور العقيدة، والعبادات الواجبة.

أما إن لم تستَجِبْ -لا قدر الله ذلك- أو رفضت ارتداء الحجاب الصحيح، أو علمتَ أنها ما زالتْ على علاقةٍ بأحد الشباب، أو لم تجد عندها رغبةً واستعدادًا للتديُّن أصلًا، أو غلب على ظنك أنها لن تتركَ الشابَّ المذكور، فابحثْ عن غيرها، ودعك مِن أمر التعلق القلبي بها، وابحثْ عن امرأة متدينةٍ وخلوقٍ، تحفظ عليك دينك، وعِرْضك وبيتك وأولادك، وتُعينك على الخير والطاعة، وعلى المؤمن الصادق أن يكونَ الدين مَطْمَحَ نظره في كل شيءٍ، لا سيما في المرأة التي ستُشاركه الحياة، ويُفضي إليها، وأن يُؤْثِر ذات الدين على غيرِها؛ كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الصحيحين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فاظفرْ بذات الدين تربتْ يداك».

والظفر في اللغة: هو نهاية المطلوب، وغاية البغية.

قال الحافظ ابن حجر: "والمعنى: أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكونَ الدينُ مَطْمَحَ نظره في كل شيءٍ، لا سيما فيما تطول صحبته، فأمَرَهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بتحصيل صاحبة الدين، الذي هو غاية البغية".

وقال الشوكاني في "النيل": "ولهذا قيل: إن معنى حديث الباب الإخبارُ منه - صلى الله عليه وسلم - بما يفعله الناسُ في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخِصال الأربع، وآخرُها عندهم ذات الدين، فاظفرْ -أيها المسترشِد- بذات الدين".

قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَن رَزَقَهُ الله امرأةً صالحةً، فقد أعانه اللهُ على شطْر دينه، فليتقِ الله في الشطر الباقي» (رواه الحاكمُ وصحَّحَهُ).

ومِن أعظم مقاصد النكاح: التعاوُن على الدين، وتكثيرُ أمة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا فإن كانتْ خطيبتُك ذات خُلُقٍ ودينٍ، فعليك أن تُقْدِم على الزواج بها، وإلا فلا مجال للمُجامَلة في الزواج أيَّا كانتْ منزلة والدتها منك، ولا تغامرْ معها؛ لأن المشوار طويلٌ، والارتباط أبدي.

وعليك أن تكثرَ مِن الاستخارة حتى يَطمئنَّ قلبُك، وتُكثرَ مِن الدعاء؛ لكي يُعينك الله على الخير، اللهم آمين.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 10
  • 2
  • 49,196

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً