فسخت خطوبتى
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
كانت خطبتي منذ أسبوعين وفسختها، خطيبي طالب المبلغ الذي أنفقه في القاعة، وفى تأجير الفستان والحذاء، وشراء الورد... فهل من حقه أن نعطيه المبلغ؟ ويطلب قفص ببغاء وحوض سمك أعطاهما لي هدية؛ فهل من حقه طلب أشياء تافهة مثل ذلك، ودخوله وخروجه أمام الجيران بدون ثمن؟! فهل نعطيه المبلغ أم ماذا نفعل؟!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فالخِطْبَة -وما يتبعها من (شَبْكَة) أو هدايا- هي من مقدِّمات الزواج، ومن قبيل الوَعْد به، ولا يترتَّب عليها شيءٌ من آثار العَقْد الذي يُسْتَحَلُّ به الفَرْجُ، وتترتَّب عليه أحكام الزوجيَّة، وهذا الوَعْد غير مُلْزِم؛ فيحقُّ لكلِّ واحدٍ منهما العُدُول عن الخِطْبَة متى شاء، وإن كان الأوْلى ألَّا يَعْدِلَ أحدُهما إلَّا لسببٍ شرعيٍّ؛ وذلك لأن الخِطْبَة وعدٌ، والعُدُول عنها إخلافٌ للوَعْد، وهو منهيٌّ عنه شرعاً.
أمَّا ما قدَّمه الخاطب لخطيبته -على سبيل الهَدِيَّة- في مدة الخِطْبَة؛ فهو محلُّ خلافٍ بين الفقهاء.
فقال الحنفيَّةُ: "إذا خَطَبَ امرأةً، وبَعَثَ إليها هدايا، ولم يزوِّجها أبوها؛ فما بَعَثَ (للمَهْر) يَستردُّ عينَه قائماً، وإن تغيَّر بالاستعمال، أو بَدَله هالكاً؛ لأنه مُعَاوَضَةٌ، ولم تتم؛ فجاز الاسترداد. وكذا يَستردُّ ما بَعَثَ (هديةً)، وهو قائمٌ، دون الهالك والمستهلَك، لأنه في معنى الهِبَة، والهلاك أو الاستهلاك مانعٌ من الرجوع بها".
وقال الشافعيَّةُ: "مَنْ خَطَبَ امرأةً، ثم أنفقَ عليها نفقةً ليتزوجها، فله الرجوع بما أنفقه على مَنْ دَفَعَهُ له، سواء أكان مأكلاً أم مشرباً، أم حلوى أم حُلِيّاً، وسواء رجع هو أم مُجيبُه، أم مات أحدهما؛ لأنه إنما أنفقه لأجل تزوِّجها، فيُرجع به إن بقي، وبِبَدَلِهِ إن تَلَفَ.
أما إذا كان ذلك بقصد (الهدية)، لا لأجل تزوِّجه بها؛ لم يُخْتَلَفْ في عدم الرجوع بما أنفق.
وقالوا: لو دفع الخاطب –بنفسه، أو وَكِيلِه أو وَلِيِّه- شيئاً من مأكولٍ، أو مشروبٍ، أو ملبوسٍ لمخطوبته أو وَلِيِّها، ثم حصل إعراضٌ من الجانبين -أو من أحدهما- أو موتٌ لهما -أو لأحدهما- رُجِعَ الدَّافعُ -أو وارثه- بجميع ما دفعه إن كان قبل العَقْد مُطلقاً، وكذا بعده إن طلَّق قبل الدخول أو مات، لا إن ماتت هي، ولا رجوع بعد الدخول مطلقاً".
وقال الحنابلةُ: "هدية الزوج ليست من المَهْر نصّاً؛ فما أهداه الزوج من هدية قبل عَقْدٍ -إن وعدوه بأن يزوِّجوه، ولم يَفُوا- رُجِعَ بها؛ لأنه بذلها في نظير النكاح، ولم يسلَّم لهُ، وإن امتنع هو؛ لا رجوع له".
هذا؛ والذي نميل إليه هو ما ذهب إليه فقهاء المالكية -رحمهم الله تعالى- حيث فرَّقوا بين ما إذا كان العُدُول من جهة الخاطب أو من جهة المخطوبة.
فإن كان العدول من قِبَلِه؛ لا يُرجَعُ بشيءٍ من الهدايا، باقيةً كانت أو هالكةً؛ وذلك لأن العُدُول إيذاءٌ للمخطوبة، فلا يضاف إليه مطالبتها بردِّ الهدايا، إلا إذا كان عُدُول الخاطب لمسوِّغ أو مبرِّر معقول؛ كأن يكتشف أن مخطوبته ذات سيرة غير مرضيَّةٍ شرعاً، مع إصرارها وعدم توبتها؛ فله الحقُّ في استرداد ما قدَّمه من الهدايا في تلك الحال.
وكذلك الحال بالنسبة للفتاة؛ إن اكتشفتْ أنها غُرِّر بها في شخصٍ، ثم بان لها خلاف ما قيل، مما يؤثِّر في الحياة الزوجيَّة، وينافي السَّكَن والمودَّة والرَّحمة؛ فلا تردّ شيئاً من الهدايا، وكذلك لا تردّ شيئاً إن كانت الهدية ليست لأجل الزواج بها، وإنما لغرضٍ آخر، كتقوية أواصر المحبة بين الأسرتين، وما شابه.
وإن كان العُدُول من المخطوبة؛ يُرجَعُ بكلِّ الهدايا، سواءٌ كانت باقيةً أو هالكةً، إلا إذا كان هناك عُرْفٌ أو شَرْطٌ بخلاف ذلك؛ فإنه يُعمَل به، وذلك بردِّ القيمة أو البَدَل؛ لأن عُدُولها إيذاءٌ للخاطب، فلا تعُطى مكافأةً على الإيذاء ما أعطاه لها من هدايا!!
وهذا القول أقرب إلى تحقيق العدالة، ومراعاة المنطق والواقع وعليه الفتوى في كثير من ديار المسلمين كمصر، كما أنه يوافق قواعد الشريعة وأصولها العامة، وهي قاضيةٌ بأنه: « » (صحيح الجامع)، وفي الحديث: « » (رواه أحمد في "المسند"، والبيهقي في "الكبرى").
والخاطب لا تطيب نفسه بما دفع مع ردِّه بلا مبرِّرٍ شرعيٍّ، وكذا المخطوبة، مع ما يصيبها -عادةً- من ضررٍ معنويٍّ، قد لا يُغني عنه الكثير من المال.
أما إن كان ما قدَّمه الخاطِب لمخطوبته من هدايا أو (شَبْكَة) جزءٌ من الصَّدَاق، عُرْفاً أو نَصّاً -اتفاقاً بينهما- وانفسخت الخطبة، فإنها من حقِّ الخاطِب؛ لأنه من المعلوم أن المهر لا يتقرَّر إلا بالعَقْد، وليست الخِطْبَة عَقْداً، ولأن الهدايا التي يقدِّمها الخاطِب لمخطوبته مشروطةٌ عُرْفاً بإتمام الزواج، وليست هديةً محضةً؛ فوجب إرجاعها إلى الخاطِب، إلا أن تَطِيبَ نفسُه بها.
ومما سبق؛ يتبين أن الواجب على الأخت السائلة ردُّ جميع الهدايا المقدَّمة من الخاطِب، سواءٌ الباقية -(قفص ببغاء)، و(حوض سمك)- أو المستهلَكَة، كالورود وما شابهها، بدفع قيمتها، وكذلك دفع نفقات إيجار الفستان والقاعة وغيرهما؛ لأن الفسخ كان من جهتها. والله أعلم.