عفو الله مأمول لمن اجتهد في دفع الشهوات
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - مساوئ الأخلاق -
أنا شاب في بداية الإلتزام تزوجت من أسرة ظاهرها التدين أكتشفت بعد الخطوبة أن مخطوبتي لا تواظب على الصلوات، وتستمع للغناء وغيرها من المحرمات فضلاً عن سوء خلقها، على الرغم من كل هذا أتممنا زواجنا ولكن زوجتي ترفض الجماع فنقص إيماني حتى أقبلت على المواقع الإباحية وندمت على زواجنا أرجوكم أغيثوني يرحمكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فممَّا لا شكَّ فيه: أنَّ ما ذكره الأخ الكريم مما يضيق به الصدر، وتقشعرّ منه الأبدان، بل وتشمئزّ منه النفس والفِطَر، والله المستعان، وعليه التّكلان، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون على ما آل إليه حال كثير من الشباب.
ولكن على الرغم من تلك الصورة القاتمة الكالحة السواد، إلا أن بصيص ضوء الرجاءِ في الله يُبدِّد الظُّلَم، ويمحو النقم، ويردُّ الغَرِير إلى رشده، والضالَّ إلى ربه، والحمد لله الذي جعل التوبة تغفر الحوبة..
ولتعلَمْ -رعاك الله، وسدَّد على الحق خطاك-: أن النظر إلى ما مضى مما قدَّره الله عليك وعلى زوجتك، ليس من ورائه كبير فائدة إلا التحسرُ والتندُّم، إلا أن تنظر نظر المتأمّل في حكمة الله في ذلك، لا نظر المستفهِمِ المعترض، أو اليائس المحبَط، أو المصروف عن الحق؛ فالمقدَّر لا بد من مضيِّه شئت أم أبيت.
فكل ما ذكرته ممَّا قدره الملك الحقّ المبين قبل أن يَخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[التغابن: 11]، وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}[الحديد: 22].
ومعتقد أهل السنَّة: أنَّ القدر يُحتجّ به في المصائب، ولا يُحتجّ به في الذنوب والمعايب، فَمَا قُدِّرَ مِنَ الْمَصَائِبِ يَجِبُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ، وهو مِنْ تَمَامِ الرِّضَا بِاللَّهِ، وأَمَّا الذنوب فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُذْنِبَ، وَإِذَا أَذْنَبَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ وَيَتُوبَ؛ فَيَتُوبَ مِنَ الْمَعَايب، وَيَصْبِرَ عَلَى الْمَصَائب، قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[سورة غافر:55].
وهذا هو ما جعل آدم يحجُّ موسى -عليهما وعلى نبيّنا الصلاة والسلام- كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «
»، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « ».ووقوع المقدور المؤلم لا يعني الاستسلام له، أو عدم السعي في رفعه؛ فنحن مأمورون بالأخذ بأسباب التَّغْيِير مع الصبر عليه.
ولتبدأ بالنظر والبحث عن أسباب الخَلَلِ الَّتي حَدَتْ بك وبزوجتك إلى البعد عن الجادة إلى ما أنتما عليه الآن؛ فالفساد في السلوك يسهل تدارُكُه ما دامت التَّصوّرات (المعتقدات) لم يصبها العطب؛ وليكن همك الأول هو إصلاح نفسك وزوجك التي ستُسألُ عنها؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم: 6]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: « » (الحديثَ؛ متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلَّم-: « »؛(رواه النسائي عن أنس).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه– قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم–: «لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء: 84].
»(الحديثَ؛ رواه البخاري وغيره)، وقال تعالى: {هذا؛ ونلخص لك بعض النقاط التي تعينُك –إن شاء الله- على الخروج من أزمتكَ:
- الإسراع بالتوبة النّصوح مِمَّا وقعتَ فيه من تقصير، لا سيما مشاهدة المواقع الخليعة؛ فلا هي تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، بل تُوقع في الفحشاء؛ ومن ثَمَّ حرَّمها العُلماء، واستعن بالله ولا تعجِز، وفوّض أمرك إلى الله، ولْتراجع فتوى ": باللهِ عليْكَ يا شيخ كُن سببًا إن شاء الله في إنقاذ شابٍّ ملتحٍ من النَّار"
- أن تعلم أن كل إنسان فيه عيوب ومميزات، والإنصاف والعدل هو أن تنظر إلى جوانب الحُسن والخير، ثم تقارنها بالجوانب السلبية، وقد روى مسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه– قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: « »، فكثيرًا ما تنغمر السيئات في بحور الحسنات، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، وقد قيل:
منْ ذا الذي ما ساء قـ *** ـطُّ، ومنْ لهُ الحُسْنى فقطْ؟!
- اعلم أنَّ الطبيب الحاذق يبدأ بعلاج المرض الخطير ثم الأقل فالأقل، وليس هناك أخطر من التهاون في أمر الصلاة، ومن حافظ على الصلاة فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع؛ فلتبدأ ببيان خطر تركها لزوجتك، ولتراجع الفتويين: "ما حكم تارك الصلاة؟"، "غير منتظم في صلاتي".
- أن تَختار الوقت المناسب لبذل النصح لها.
- أن يكون الحوار بينكما بعيدًا عن الناس؛ فهناك فرق بين النَّصيحة والفضيحة، وقد أحسن من قال:
تَعَهَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادٍ *** وَجَنِّبْنِي النَّصِيحَةَ فِي الْجَمَاعَهْ
فَإنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ لَوْنٌ *** مِنَ التَّوْبِيخِ لا أرْضَى اسْتِمَاعَهْ
- أن تبحث عن مدخل حسن إلى قلب هذه الزوجة.
- كن لها مثالاً للزوج الصالح والأب الحنون والصديق الوفي، أشعِرها بِحُبّك لها وأنَّك راغِب فيها، وأنَّها جزء منك والعكس، وامدحها بصفات هي فيها، عَامِلْها بلطف، ولا تكن قاسيًا معها في الأمر والنهي، ولتكثر من الجلوس معها، وجاذبها أطراف الأحاديث.
اجعلها ترتبط بك وتشعُرُ أنَّك كلُّ شيْءٍ في حياتِها، فساعَتَها ستسْمَعُ لما تقول وتُطيع، ولْتَحْرِصْ على أن تكون قدوةً صالحةً لَها، وألا يُخالِف قولك عملك؛ فتسقط من نظرها، فتظل سادرةً في غيِّها، فغالب الظن أنَّها رأتْ من والِدِها مثل ما رأيتَ؛ فصدَّها ذلك عن الجادَّة، فاحذَرْ أن تُكَرّر معها المأساة!
- لا تُحاسبها على كلّ صغيرةٍ وكبيرة، ولترْضَ باليسير؛ وسوف تجني منه الكثير والكثير، ولو بعد حين.
- وسّع عليها، وكُنْ كريمًا معها؛ فللكرم مع الزَّوجة مفعول أكيد مجرَّب.
- أعْلِمها أنَّ أمنيَّتك الوحيدة في الدنيا هي هدايتها واستقامتها، وإقامة بيت مسلم يكون لبنة صالحة للمجتمع.
- حاول أن تشغل وقتَ فراغِها بِما يعودُ عليها بالنفع في دينها ودنياها.
- أخرِجْ من بيتِك كلَّ ما قد يساعد على المنكر: من أجهزة الإعلام المقروءة، والمسموعة، والمرئية؛ وغير ذلك، واستبْدِل تلك المحرمات ببدائل مشروعة.
- بيّن لها شؤمَ المعاصي وخطورة ذلك في الدنيا والآخِرة، ولْتَعِظْها بقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
- علمها ما يجب عليها من حقوق تجاهكَ، ويمكنك أن تطلعها على فتوى "حكم طاعة المرأة زوجها في الإنجاب" وغيرها من فتاوى أهل العلم.
- احذر أن تبدي العجزَ ونفادَ الصبر، وعليك بمواصلة النصح والإرشاد، وأن تصبر وتصابر، وتجتهد وتتحمل الأذى منها؛ في سبيل إصلاحها وتوجيهها، ومساعدتها على التوبة؛ قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا}[طه: 132]؛ فانظر إلى دقة التعبير القرآني في كلمة (واصطبر)؛ فليس المطلوب هو مجرَّد الصبر، ولكن الزيادة في مبنى الكلمة تدل على زيادة في المعنى، فالمطلوب هو مزيد من الصبر والمثابرة.
- أن تُشعرها بأن الحياة الزوجية لا يمكن أن تستمر إذا لم تَتُب إلى الله من هذه المعاصي، فإذا أيقنَتْ هذه الزوجة بأنها قد تفقد زوجها الذي ارتبطت به كثيرًا، وتهدِم بيتها؛ بسبب مخالفتها؛ فسوف تستجيب لداعي الخير، وتتوب وتنيب للحق، إن شاء الله.
- لابد أن تراعي الجوانب النفسية عند تعاملك معها؛ فَمِن حسن العشرة: ألا تذكّرها بما مضى كمعاملة أبيها لها، أو اعتداء أخيها على أخواتها، أو بِما لقَّنَتْه لها أمُّها من عدم إعطائك ما تريد، فكلّ ذلك دواعٍ لما هي عليه الآن؛ لما رأت فيهم من قدوة سيئة؛ وهو ما أثر على نفسيتها وتدينها تأثيرًا سلبيًّا! فلا بد أن تطوي عنها هذه الصفحات، وأن تبدأ معها من جديد بما ذكرناه لكَ من إرشادات؛ لترى زوجتك فيك شخصًا لم تر مثله من قبل؛ فتكون لها نِعم القدوة.
- وأخيرًا: عليك بالتوجه إلى الله، وصدق اللجوء إليه بالتضرع والدعاء أن يوفقك لإصلاح نفسكَ وزوجك.
فإذا لاحظت -بعد هذه الخطوات- أن هناك تحسُّنًا، ولو قليلاً، فخيرٌ، وإلا فلا بد من اتّخاذ خطوات أشدّ: كهجرها في الطعام والفراش، ومنعها من الأشياء التي تحبها؛ إن كانت من ممن يجدي معها ذلك، ولكن إن زادها ذلك سوءًا أو دفعها للعناد والمكابرة، فلا إذن؛ لأن البعض قد يدفعه العناد والشيطان إلى الإصرار على المخالفة، ونحن نُريد هدايتها، وليكن منك على ذُكْرٍ أنك تعالجها نفسيًّا قبل أن تدعوها إيمانيًّا للاستقامة والتوبة.
أمَّا إن أعيَتْكَ الحيل، ورأيتَ أنَّك بذلت جهدًا كبيرًا من أجل الإصلاح ولم تر من آثاره شيئًا، أو أصبحت تخشى على ضياع دينك معها فاستَخِرِ الله -عزَّ وجلَّ– في إبقائك عليها، أو فراقك إياها؛ لأنَّ دينك وصلاح ذريتك، أعزّ من كل شيء..
واعلم أنك لن تدع شيئًا لله -تبارك وتعالى- إلا أبدلك الله خيرًا منه!
وأخيرًا، ننبّه الأخ الكريم –ثانية- إلى أنَّه لا يجوز مطالعة المواقع الإباحية، ولا النظر إلى صور النساء؛ لأنَّ هذا من المحرَّمات المعلومة من دين الإسلام بالضرورة، والواجب على العبد أن ينزجر عنها ويتركها؛ امتثالاً لأمر الله جلَّ وعلا؛ قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف: 157]، وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[النور: 30].
فمن تَقَحَّم هذه المهالك القاتمة، وطالع تلك المواقع الساقطة- قادَهُ للوقوع فيما هو أعظم من ذلك!! فاتَّق الله، وتب إليه، واحْرِصْ على طاعته؛ حتى يكون عونًا لك في إصلاح زوجك؛ قال تعالى: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء: 90].
ولتعلمْ أنَّ القلب ضعيف، وأنَّ مَن تعرض للفتن أو تطلع إليها، أهلكته بشَرِّها؛ ففي الصحيحين أنَّ أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «
».وروى أحمد عن النواس بن سمعان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «
».فأنواع الحرام والشبهات قد عمَّت وطمَّت، فلا يكاد أحدٌ منَّا اليوم ينفكّ عن استرسال في المحرَّمات والشبهات – إلا من رحم ربك- فالخلاص بعيد، والأمر شديد، ولولا النهي عن القنوط والياس، لكان ذلك الأوْلى بأمثالنا من الناس.
لكنَّا إذا دفعنا عن أنفسنا أصولَ المحرَّمات، واجتهدنا في ترك ما يمكننا من الشبهات، وفررنا إلى ربّ الأرض والسموات: فعفوُ الله تعالى مأمولٌ وكرمُه مرجو، ولا ملجأ إلا هو، ولا مفزع إلا إليه، ولا استعانةَ إلا به، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم.