هل آثم بترك أخواتي للحجاب؟!
منذ 2013-03-26
السؤال: 9السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ ولي أخوات، لا يرتدين الحجاب الشرعي، بل في زيهنَّ مخالفاتٌ شرعيةٌ؛ كعدم اتساع الثوب بالقدر الكافي، وبعبارة أوضح فهن يرتدين حجابًا على الموضة، ولا أخفيكم أن أبي قد قصَّر في تحبيب الحجاب إليهن، بل في تحبيب التديُّن إليهن بصفة عامة؛ وكان من أخطاءِ والديَّ أنهما كانا يُهَمِّشان الذكور تمامًا، شأنهما شأن عامَّة أهل المدن، فلو قُدِّر أن رأيتُ أختي ترتدي زيًّا لا يليق، فقلت لها: لا تنزلي بهذا الزي، فتردّ الأم كلمتي، وتنزل البنتُ رغمًا عني! وهكذا كان الحال مع أبي غفر الله له.
أنا المسؤول عن البيت الآن؛ فماذا أفعل؟ فلا أستطيع أن أجبرهن على شيءٍ، أو أمنعهن من الخُروج؛ وفي نفس الوقت لا تقتنع أخواتي بما أقول، فهل عليَّ ذنبٌ إذا تركتُهن على حالهن؟
أرجو إفادتي، وجزاكم الله خيرًا.
أنا شابٌّ ولي أخوات، لا يرتدين الحجاب الشرعي، بل في زيهنَّ مخالفاتٌ شرعيةٌ؛ كعدم اتساع الثوب بالقدر الكافي، وبعبارة أوضح فهن يرتدين حجابًا على الموضة، ولا أخفيكم أن أبي قد قصَّر في تحبيب الحجاب إليهن، بل في تحبيب التديُّن إليهن بصفة عامة؛ وكان من أخطاءِ والديَّ أنهما كانا يُهَمِّشان الذكور تمامًا، شأنهما شأن عامَّة أهل المدن، فلو قُدِّر أن رأيتُ أختي ترتدي زيًّا لا يليق، فقلت لها: لا تنزلي بهذا الزي، فتردّ الأم كلمتي، وتنزل البنتُ رغمًا عني! وهكذا كان الحال مع أبي غفر الله له.
أنا المسؤول عن البيت الآن؛ فماذا أفعل؟ فلا أستطيع أن أجبرهن على شيءٍ، أو أمنعهن من الخُروج؛ وفي نفس الوقت لا تقتنع أخواتي بما أقول، فهل عليَّ ذنبٌ إذا تركتُهن على حالهن؟
أرجو إفادتي، وجزاكم الله خيرًا.
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فجزاكَ الله خيرًا على رغبتك في هداية أسرتك، وعلى غَيرتِكَ لتعدي حدود الله، ومخالفةِ شرعه، أما أمرك لهن بالمعروف، ونهيك إياهن عن المنكر؛ ففرضٌ عليك، وواجبٌ شرعيٌّ؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن رأى منكم منكرًا، فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان" [رواه مسلم].
وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]؛ وقال صلى الله عليه وسلم: "فليبلغِ الشاهدُ الغائبَ؛ فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامعٍ" [متفق عليه]، ولكن يجِبُ عليكَ قبل وُلوج هذا الأمر العظيم، والواجب الكبير التسلُّح بالعلم بما تدعوهن إليه، والرغبة الصادقة في هدايتِهن، مشفوعًا بالتحلِّي بالرِّفْقِ، والشَّفقةِ الزَّائدة، والإحسان، والتحبُّب، وسلوكِ أحسنِ الطُّرُق، وأرقِّ الأساليب، والحذرِ من الوقوع في التَّخْشين، ومراعاة الأسلوبِ الحسن، وتحرِّي الوقتِ المناسبِ؛ فتُعامِل الجميعَ بالأسلوب الحسن واللين؛ ليحصُلَ المقصودُ، ويزولَ المحذورُ، فالرفقُ لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزَع من شيءٍ إلا شانه؛ كما رواه مسلم عن رسول صلى الله عليه وسلم وفي "الصحيحين" مرفوعًا: "إن الله يحبُّ الرِّفقَ في الأَمرِ كُلِّه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أُعطِيَ حظَّه من الرِّفقِ، فقد أُعطِيَ حظَّه من الخير" [رواه الترمذي]، وروى مسلمٌ عن جرير: "مَن يحرم الرفق، يحرم الخير كله".
أما كونُكَ محاسبًا على تقصيرِهن، أو مخالفتِهن؛ فأنت لست مطالبًا بهدايتهن، وتوفيقهن، وإنما أنت مطالبٌ بالوعظِ، والتذكير، والإنذار، والتحذير، فإذا أديت ما عليك، فإن شاءَ اللهُ لا شَيْءَ عليك، وحسابُهُن على الله؛ لأنهن يعلمْن إحسان الله إليهن، ويعرفْن نعمَه عليهن؛ قال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد:40]، وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21، 22]، وقال: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 107]، قال تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} [يونس: 99]؛ أي: تُلزِمُهم وتلجِئهم {حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]؛ أي: ليس ذلك عليك ولا إليك، بل إلى الله {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272]، {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]، وقال تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ ق: 45]، وأشباه ذلك من الآيات.
وفي "الصحيحين" عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عُرضت عليَّ الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد".. الحديث، وفي حديث ابن مسعود: "فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة، والنبي يمر ومعه العصابة، والنبي يمر وليس معه أحد"، والحديث ظاهر في أن الأنبياء يتفاوتون في عدد أتباعهم؛ لأن أمر الهداية إلى الله، وإنما هم أسباب لها.
هذا؛ وسألخِّص لك بعض السبل المجرَّبة لتستعين بها:
أولًا: تحرِّى الأوقاتِ المناسبةِ، والأسلوبِ المناسبِ، مع الإحسان إليهن، والنصحِ بالحسنى، والاستعانة بالله على ذلك.
ثانيًا: الاستمرارُ في الدعوة، واستخدامُ الأساليب المختلفة في النصح؛ فعلاجُ الْتواءاتِ النفس يتطلَّبُ وقتًا وصبرًا ويقينًا في الله، وتَكرارَ المحاولةِ، وعدمَ اليأسِ من رَوْحِ الله.
ثالثًا: الداعيةُ الحصيفُ كالطبيبِ الماهرِ، يبدأُ بعلاجِ أخطرِ الأمراضِ قبلَ غيرِها، ويتدرَّج في هذا؛ حتى لا يَهلِك المريضُ، فإذا وَقَرَ الإيمانُ في قلبِ المدعوِّ، أورَثَه مناعةً أبعدتْهُ عن الغفلة، ومن ثَّم ذكِّرْهن بالله، وخوِّفْهن من غضبه وعقابه، وتَرَفَّقْ بِهن، وأخلِصْ للهِ في دعوتِهِن، فإن كلامَ المخلِصِ يصِلُ إلى القلوب.
رابعًا: ذكِّرهن بنعم الله العُظْمى عليهنَّ، وابدأْ بنفسك، وأظهرْ لهن الشفقةَ والحرص، ومهما كانت المخالفاتُ خطيرةً؛ فبالدعوةِ والدعاءِ والصبرِ، وتخيُّرِ الأوقاتِ والألفاظِ، وحسنِ المَدخلِ، والإحسانِ إليهن، والاجتهادِ؛ يَصِلْن لبرِّ الأمان إن شاء الله.
خامسًا: الإحسانُ إليهنَّ يجعلُك قريبًا من قلوبهن، فيكونُ نصحُك أوقعَ في نفوسهن.
سادسًا: استغلالُا للمواقف والأحداث، التي يُرجَى فيها سرعةُ الاستجابة؛ كوقت موت أحد الأقرباء، أو المعارف، أو غير هذا من الأمور التي تقرب الإنسان من ربه.
سابعًا: الاستعانةُ بمن يُرجَى أن يكون نصحُه مؤثِّرًا عليهن، مع الحرص أن يكون حَسَنَ الأُسلوبِ والمَنطِق.
ثامنًا: تَجَنُّبُ الإحراجِ، أو جرحِ المشاعر، أو الأساليبِ والطُّرقِ الاستفزازية، والألفاظِ القاسيةِ، أو المُحرجةِ، ومراعاةُ الحالةِ النفسيَّةِ؛ فأساليبُ الدعوةمتعددةٌ، تقتضيها حالةُ المدعوِّ؛ كما كان يفعل إمامُ الدعاة صلى الله عليه وسلم من مراعاةٍ لأحوالِ المدعوِّين في طباعهم، وقربهم وبعدهم من الخير.
وقد أرشد القرآن إلى هذه الأساليب بقوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
وكان صلى الله عليه وسلم يتَّبِع أسلوبًا غايةً في الرفق؛ كما في حديث الأعرابي، الذي بال في المسجد، فلما زجره بعض الصحابة بشدةٍ، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تُزرِموه"؛ أي: لا تقطعوا عليه بولَه، فلما انتهى، قال له: "إن هذه المساجدَ إنما بُنِيَت للصلاة والذِّكر، ولا تصلُح لشيءٍ من القَذَر والبول" [أخرجه البخاري].
وَلمَّا تكلَّم معاويةُ بنُ الحكَمِ السُّلَمي في الصلاة، قال: فلمَّا صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيتُ معلِّمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني؛ قال: "إن هذه الصلاة لا يصلُح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيحُ، والتكبيرُ، وقراءةُ القرآن". وكما في قصة الشابِّ الذي جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم وطَلَبَ منه أن يُرخِّصَ له في الزنا، فعلَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم برفقٍ، ودعا له قائلًا: "اللهم اغفر ذنبَه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه".
وبهذا الأسلوب اللطيف الليِّن تخلَّصَ هذا الشابُّ من الفاحشة، وأصبح الزنا أبغضَ شيءٍ عنده، لا سيَّما مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.
تاسعًا: يجب أن تكُفَّ عن الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر في بعض الأحوال؛ إذا ترتَّب عليه مفاسدُ أكبرُ؛ فقد ترك النبيُّ صلى الله عليه وسلم قَتْلَ أناسٍ من المنافقين مع أنه قد ظهر كفرُهم؛ حتى لا يتحدَّث الناس أن محمدًا يقتُل أصحابَه، وغَضِبَ رجلٌ عنده، واحمرَّ وجهُهُ، وسبَّ صاحبَه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلمُ كلمةً لو قالَهَا، لذَهَبَ عنه ما يجدُ، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بقولها؛ مراعاةً لما هو عليه من الغضب.
عاشرًا: الاستعانةُ بمن بيده قلوبُ العباد، ومن يُرجَى منه الخلاص سبحانه وتعالى فارغب إليه بصدقٍ وإخلاص، واسأله أن يهديَهن لأحسن الأخلاق؛ فلا يَهدِي لأحسنِها إلَّا هو، وأن يَصرِف عنهن سيِّئَها؛ لا يصرف عنهن سيِّئَها إلَّا هو.
واللهَ نسألُ أن يشرح صدورهن، وأن يُلهِمَهن رُشدهن، وأن يعيذَهن من شرِّ أنفسِهن.
فجزاكَ الله خيرًا على رغبتك في هداية أسرتك، وعلى غَيرتِكَ لتعدي حدود الله، ومخالفةِ شرعه، أما أمرك لهن بالمعروف، ونهيك إياهن عن المنكر؛ ففرضٌ عليك، وواجبٌ شرعيٌّ؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن رأى منكم منكرًا، فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان" [رواه مسلم].
وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]؛ وقال صلى الله عليه وسلم: "فليبلغِ الشاهدُ الغائبَ؛ فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامعٍ" [متفق عليه]، ولكن يجِبُ عليكَ قبل وُلوج هذا الأمر العظيم، والواجب الكبير التسلُّح بالعلم بما تدعوهن إليه، والرغبة الصادقة في هدايتِهن، مشفوعًا بالتحلِّي بالرِّفْقِ، والشَّفقةِ الزَّائدة، والإحسان، والتحبُّب، وسلوكِ أحسنِ الطُّرُق، وأرقِّ الأساليب، والحذرِ من الوقوع في التَّخْشين، ومراعاة الأسلوبِ الحسن، وتحرِّي الوقتِ المناسبِ؛ فتُعامِل الجميعَ بالأسلوب الحسن واللين؛ ليحصُلَ المقصودُ، ويزولَ المحذورُ، فالرفقُ لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزَع من شيءٍ إلا شانه؛ كما رواه مسلم عن رسول صلى الله عليه وسلم وفي "الصحيحين" مرفوعًا: "إن الله يحبُّ الرِّفقَ في الأَمرِ كُلِّه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أُعطِيَ حظَّه من الرِّفقِ، فقد أُعطِيَ حظَّه من الخير" [رواه الترمذي]، وروى مسلمٌ عن جرير: "مَن يحرم الرفق، يحرم الخير كله".
أما كونُكَ محاسبًا على تقصيرِهن، أو مخالفتِهن؛ فأنت لست مطالبًا بهدايتهن، وتوفيقهن، وإنما أنت مطالبٌ بالوعظِ، والتذكير، والإنذار، والتحذير، فإذا أديت ما عليك، فإن شاءَ اللهُ لا شَيْءَ عليك، وحسابُهُن على الله؛ لأنهن يعلمْن إحسان الله إليهن، ويعرفْن نعمَه عليهن؛ قال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد:40]، وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21، 22]، وقال: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 107]، قال تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} [يونس: 99]؛ أي: تُلزِمُهم وتلجِئهم {حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]؛ أي: ليس ذلك عليك ولا إليك، بل إلى الله {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272]، {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]، وقال تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ ق: 45]، وأشباه ذلك من الآيات.
وفي "الصحيحين" عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عُرضت عليَّ الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد".. الحديث، وفي حديث ابن مسعود: "فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة، والنبي يمر ومعه العصابة، والنبي يمر وليس معه أحد"، والحديث ظاهر في أن الأنبياء يتفاوتون في عدد أتباعهم؛ لأن أمر الهداية إلى الله، وإنما هم أسباب لها.
هذا؛ وسألخِّص لك بعض السبل المجرَّبة لتستعين بها:
أولًا: تحرِّى الأوقاتِ المناسبةِ، والأسلوبِ المناسبِ، مع الإحسان إليهن، والنصحِ بالحسنى، والاستعانة بالله على ذلك.
ثانيًا: الاستمرارُ في الدعوة، واستخدامُ الأساليب المختلفة في النصح؛ فعلاجُ الْتواءاتِ النفس يتطلَّبُ وقتًا وصبرًا ويقينًا في الله، وتَكرارَ المحاولةِ، وعدمَ اليأسِ من رَوْحِ الله.
ثالثًا: الداعيةُ الحصيفُ كالطبيبِ الماهرِ، يبدأُ بعلاجِ أخطرِ الأمراضِ قبلَ غيرِها، ويتدرَّج في هذا؛ حتى لا يَهلِك المريضُ، فإذا وَقَرَ الإيمانُ في قلبِ المدعوِّ، أورَثَه مناعةً أبعدتْهُ عن الغفلة، ومن ثَّم ذكِّرْهن بالله، وخوِّفْهن من غضبه وعقابه، وتَرَفَّقْ بِهن، وأخلِصْ للهِ في دعوتِهِن، فإن كلامَ المخلِصِ يصِلُ إلى القلوب.
رابعًا: ذكِّرهن بنعم الله العُظْمى عليهنَّ، وابدأْ بنفسك، وأظهرْ لهن الشفقةَ والحرص، ومهما كانت المخالفاتُ خطيرةً؛ فبالدعوةِ والدعاءِ والصبرِ، وتخيُّرِ الأوقاتِ والألفاظِ، وحسنِ المَدخلِ، والإحسانِ إليهن، والاجتهادِ؛ يَصِلْن لبرِّ الأمان إن شاء الله.
خامسًا: الإحسانُ إليهنَّ يجعلُك قريبًا من قلوبهن، فيكونُ نصحُك أوقعَ في نفوسهن.
سادسًا: استغلالُا للمواقف والأحداث، التي يُرجَى فيها سرعةُ الاستجابة؛ كوقت موت أحد الأقرباء، أو المعارف، أو غير هذا من الأمور التي تقرب الإنسان من ربه.
سابعًا: الاستعانةُ بمن يُرجَى أن يكون نصحُه مؤثِّرًا عليهن، مع الحرص أن يكون حَسَنَ الأُسلوبِ والمَنطِق.
ثامنًا: تَجَنُّبُ الإحراجِ، أو جرحِ المشاعر، أو الأساليبِ والطُّرقِ الاستفزازية، والألفاظِ القاسيةِ، أو المُحرجةِ، ومراعاةُ الحالةِ النفسيَّةِ؛ فأساليبُ الدعوةمتعددةٌ، تقتضيها حالةُ المدعوِّ؛ كما كان يفعل إمامُ الدعاة صلى الله عليه وسلم من مراعاةٍ لأحوالِ المدعوِّين في طباعهم، وقربهم وبعدهم من الخير.
وقد أرشد القرآن إلى هذه الأساليب بقوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
وكان صلى الله عليه وسلم يتَّبِع أسلوبًا غايةً في الرفق؛ كما في حديث الأعرابي، الذي بال في المسجد، فلما زجره بعض الصحابة بشدةٍ، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تُزرِموه"؛ أي: لا تقطعوا عليه بولَه، فلما انتهى، قال له: "إن هذه المساجدَ إنما بُنِيَت للصلاة والذِّكر، ولا تصلُح لشيءٍ من القَذَر والبول" [أخرجه البخاري].
وَلمَّا تكلَّم معاويةُ بنُ الحكَمِ السُّلَمي في الصلاة، قال: فلمَّا صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيتُ معلِّمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني؛ قال: "إن هذه الصلاة لا يصلُح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيحُ، والتكبيرُ، وقراءةُ القرآن". وكما في قصة الشابِّ الذي جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم وطَلَبَ منه أن يُرخِّصَ له في الزنا، فعلَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم برفقٍ، ودعا له قائلًا: "اللهم اغفر ذنبَه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه".
وبهذا الأسلوب اللطيف الليِّن تخلَّصَ هذا الشابُّ من الفاحشة، وأصبح الزنا أبغضَ شيءٍ عنده، لا سيَّما مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.
تاسعًا: يجب أن تكُفَّ عن الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر في بعض الأحوال؛ إذا ترتَّب عليه مفاسدُ أكبرُ؛ فقد ترك النبيُّ صلى الله عليه وسلم قَتْلَ أناسٍ من المنافقين مع أنه قد ظهر كفرُهم؛ حتى لا يتحدَّث الناس أن محمدًا يقتُل أصحابَه، وغَضِبَ رجلٌ عنده، واحمرَّ وجهُهُ، وسبَّ صاحبَه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلمُ كلمةً لو قالَهَا، لذَهَبَ عنه ما يجدُ، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بقولها؛ مراعاةً لما هو عليه من الغضب.
عاشرًا: الاستعانةُ بمن بيده قلوبُ العباد، ومن يُرجَى منه الخلاص سبحانه وتعالى فارغب إليه بصدقٍ وإخلاص، واسأله أن يهديَهن لأحسن الأخلاق؛ فلا يَهدِي لأحسنِها إلَّا هو، وأن يَصرِف عنهن سيِّئَها؛ لا يصرف عنهن سيِّئَها إلَّا هو.
واللهَ نسألُ أن يشرح صدورهن، وأن يُلهِمَهن رُشدهن، وأن يعيذَهن من شرِّ أنفسِهن.
- التصنيف:
- المصدر: