زوجي مريض بالوسوسة يتهمني بالخيانة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوجةٌ منذ مدة يسيرة، وزوجي مريضٌ بالشكِّ؛ يتهمني دائمًا بالخيانةِ، ويفتري عليَّ، ويمنعني مِنَ الخروج، ويحبسني في البيت! يقطع عني كلَّ وسائل الاتصال؛ لأنه طوال الوقت يشكُّ في كل تصرفاتي، ويصوِّر له عقلُه أوهامًا وهواجسَ!
ألقى عليَّ يمين الطلاق (6) مرات عبر الهاتف، في مواقفَ متفرقةٍ تافهة؛ وإذا ما كلمتُه بما فعل، أنكر!
سألتُ شيخًا، فقال لي: يمينُ الموسوس غير واقع.
وأنا واثقةٌ من أنه مُضطرب نفسيًّا بأوهام الخيانة الزوجيةِ، وقد عُرِض عليه العلاجُ، لكنه رفض، أنا في حيرةٍ من أمري: هل أنا زوجتُه فعلًا؟ أو مُحَرَّمة عليه؟
وجزاكم الله عنا خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم، أن يشفي زوجكِ، شفاءً لا يُغادر سقمًا، وبعدُ:
فما دام زوجكِ على الحالة التي ذكرتِ مِن الوسواس، فلا يُلتَفت إلى طلاقِه؛ كما نقلَه ابنُ عابدين عن أبي الليث في مسألة طلاق الموسوس: "أنه لا يجوز طلاق الموسوس، قال: يعني: المغلوب في عقله" [حاشية ابن عابدين (3 / 285)].
وقال الإمام الشافعيُّ في "الأم" (5/ 270): "ومَن غُلِبَ على عقله بفطرةِ خِلْقَةٍ، أو حادثِ علةٍ، لم يكن سببًا لاجتلابها على نفسه بمعصيةٍ؛ لم يلزمْهُ الطلاقُ، ولا الصلاة، ولا الحدود؛ وذلك مثل: المعتوه، والمجنون، والموسوس، والمُبَرْسَم، وكلِّ ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبًا على عقله، فإذا ثاب إليه عقلُه، فطلَّق في حالِه تلك، أو أتى حدًّا، أقيم عليه، ولزمتْهُ الفرائض" اهـ.
ونقل ابنُ القيِّم أن المطلِّق إن كان زائلَ العقل بجنونٍ، أو إغماءٍ، أو وسوسةٍ، لا يقع طلاقُه، قال: "وهذا المُخلِّصُ مُجْمَعٌ عليه بين الأمة" [إعلام الموقعين (4 / 47، 49)].
قال الإمام البخاري في "صحيحه": "باب الطلاق في الإغلاق، والكُرْه، والسكران والمجنون وأمرِهما، والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنية، ولكلِّ امرئ ما نوى"، وتلا الشَّعبيُّ: {لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وما لا يجوز من إقرار الموسوسِ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم للذي أقرَّ على نفسه: "أَبِكَ جنون؟"، وقال عليٌّ: بَقَر حمزة خواصِرَ شارِفَيَّ، فطفِقَ النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزةَ، فإذا حمزةُ قد ثَمِلَ، محمرَّةٌ عيناه، ثم قال حمزةُ: هل أنتم إلا عبيدٌ لأبي، فعَرَف النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه قد ثَمِل، فخرَج، وخرجنا معه، وقال عثمانُ: ليس لمجنونٍ ولا لسكرانَ طلاقٌ، وقال ابنُ عباس: طلاق السكرانِ والمستَكْرَهِ، ليس بجائزٍ، وقال عقبةُ بن عامرٍ: "لا يجوز طلاقُ الموسوِس".
قال صاحب "التاج والإكليل": "وسَمِع عيسى أيضًا في رجلٍ تُوسوسه نفسه، فيقول: قد طلقتُ امرأتي، أو يتكلَّمُ بالطلاق، وهو لا يُريده أو يُشكِّكه، فقال: يَضْرِب عن ذلك، ويقول للخبيث: صدقْتَ، ولا شيء عليه.
ابن رشد: هذا مثلُ ما في المُدَوَّنَةِ: أن الموسوسَ لا يلزمه طلاقٌ، وهو مما لا طلاقَ فيه؛ لأنَّ ذلك إنما هو مِنَ الشيطان، فينبغي أن يُلهَى عنه، ولا يُلتفتَ إليه" انتهي.
وقال ابن نُجَيْم الحنفي في البَحْرِ الرَّائِقِ: "وعن أبي الليث لا يجوزُ طلاقُ الموسوس؛ يعني: المغلوب في عقله، عن الحاكم: هو المُصابُ في عقله، إذا تكلَّم، تكلَّمَ بغير نظامٍ" انتهى.
وحرَّر العلامةُ ابن عُثيمين رحمه الله أنَّ طلاق الموسوس لا يقع إنْ تلفَّظ به بغير إرادة، وأنه هو الحق، وعليه أكثرُ العلماء، وقال: وبه نقول.
وكذلك طلاق الغضبان لا يقع إذا تغيَّر عقلُه بالغضب، وإن كان عاقلًا لما يقوله، أو وصل صاحبه إلى حد لا يعلم ما يقول؛ كالمجنون، فهذا لا يقع طلاقُه، ولا شيء من أقواله.
ومما سبق يتبيَّن صحة قول مَن أفتاكم بعدم وقوع الطلاق مِن زوجكِ.
هذا؛ وما أنصحكِ به أيتها الأخت الكريمة أن تستعيني بالله، ثم بأهل زوجكِ مِن أجل الذَّهاب به لطبيب نفسيٍّ؛ لعلاجه من ذلك الوسواس، وشكر الله لكِ تحملكِ لزوجكِ، وصبركِ عليه، لكن هذا لا يمنع من السعي في علاجه، وأنت لا تستطيعين هذا بمفردكِ لا سيما في تلك الأمراض، والحمد لله لا يخفى عليكِ التقدُّم الهائل في العلاج النفسي، والأدوية الجديدة التي تحقِّق قدرًا كبيرًا من الشفاء بإذن الله.
وأسأل الله أن يشفي زوجكِ شفاءً لا يغادر سقمًا.
- التصنيف:
- المصدر: