خاطبي والقرض الربوي
أَوَدُّ أن أستشيركم في أمرٍ أرَّقَني كثيرًا، وأقضَّ مضجعي، وجعلني في همٍّ كبيرٍ، وهو: أنَّ شخصًا يريد التقدُّم لخطبتي، وهو على خُلُقٍ كبيرٍ، وفيه الكثيرُ مِن المواصفات التي تمنيتُها؛ حتى إنني أحببتُه كثيرًا، ورغبتُ في تكوين أسرةٍ معه.
مشكلتي تتلخَّص في عمله؛ حيث إنه قد أخَذَ قرضًا من البنك، واشترى سيارة أجرة، وأنا أقصد المشروع الذي قامتْ به الدولةُ لدَعْم تشغيل الشباب، وهو يسترزق منها منذ مدة.
أنا لم أناقِشْه في الموضوع؛ لأني في الحقيقة لم أُلْقِ له بالًا، أما الآن فيشغل بالي كثيرًا؛ وأنا أرغب في الارتباط به، وهو يُحبني كثيرًا، ومن جهةٍ أخرى أخاف من العيش في الحرام.
أنا أعلم أنه لم يجدْ حيلةً سوى هذا الطريق، ولا أريد أن أُبَرِّرَ فعلَه؛ لأنَّ ما أنا فيه مِن حيرة يُثْبِثُ العكس، ولا أستطيع أن أفتحَ معه هذا الموضوع؛ حتى لا يفهمَ مِن كلامي أني أتخلى عنه، وأن هذه حجة لفراقه، لكم أن تتخيَّلوا الكَرْبَ الذي أنا فيه مِن شدة التفكير، ولا أريد أن أُخْبِرَ أهلي عن هذا الأمر؛ خشية أن يرْفُضَ أخي، ولأني لا أريد أن أخسرَ هذا الشاب.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فالله أسأل أن يُخَفِّفَ عنك تلك الحيرة، ويُلْهِمك رشدَك، ويعيذَك مِن شر نفسك، وجزاك الله خيرًا على حِرصك على العيش الحلال، والخوف من الحرام.
أما تلك المشكلةُ فلا حلَّ لها إلا بالنقاش والتفاهم، ودعكِ مِن خوفك مِن أن يُسِيء الظنَّ بك، وأن يفهمَ أنك تريدين التخلي عنه، إلى غير ذلك من الظنون التي تمنع من النصيحة.
فهذا الشابُّ لا يخلو حالُه مِن أحد أمرين، وهذا لن يظهرَ لك بجلاءٍ إلا بالاستبيان منه؛ لتكوني على بينةٍ مِن أمرك:
فإما أنه اشترى تلك السيارة وهو يعتقد أنها مُعامَلةٌ مباحةٌ، أو سأل أحد العلماء، أو لجنة الفتوى في بلده، فأجابوه بأنه حلالٌ، فأخذ قرضًا ربويًّا بناءً على فتواهم؛ ففي تلك الحال لا شيء عليه -إن شاء الله تعالى- لأنَّ الظاهرَ أنه من عامة الناس الذين يجوز لهم التقليدُ في مسائل الدين، وقد سأل هؤلاءِ؛ أعني: أهل العلم، وهو يغلب على ظنِّه أنهم الأقرب للحقِّ، وأنه يجب الرجوع إليهم في هذا الباب؛ فالعامِّي والمستفتي والمقلِّد مُعترِفٌ بعمى نفسه، مدَّعٍ البصيرةَ لغيره، وقد نَصَّ على هذا أكثرُ أهل العلم؛ كما قرره شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة، وأبو حامدٍ الغزالي في "المستصفى"؛ فهذا هو التقليد الجائزُ.
ويحتمل أنه قد اشترى تلك السيارة مع علْمِه بأنها معاملةٌ ربويةٌ، فاتبع هوى نفسه، تحت ضغط الحياة، وفي تلك الحال يكون قد وقَع في الربا، ولا عذر له؛ لأنَّ ضرورة الفقر تدفع بأقل مِن القرض الربوي؛ بأن يعمل عند الناس، والواجبُ عليه -والحال كذلك- التوبة النصوح، وردُّ القرض للبنك الربويِّ إن تَيَسَّر له؛ لأنه مِن تمام توبته، فإن لم يتمكَّنْ، أو كان في الردِّ ضررٌ غير محتملٍ سقَط عنه.
أما المالُ المكتَسَبُ مِن تلك السيارة، فهو حلالٌ على كل حالٍ؛ لأنه أخَذ قرضًا وسيرُدُّه، وإنما الحرامُ في كونه مُوكِلًا للربا.
قدَّر الله لك الخير حيثُ كان.
- التصنيف:
- المصدر: