بقيت أشهر على زواجي وما زلت مترددة
أنا فتاة مخطوبة لشابٍّ منذ ستة أشهر، وقد عقد عليَّ، هذا الشابُّ مُتَخَلِّق، ومُتعلِّم، وذو مستوى مادي لا بأس به، كنتُ رافضةً في البداية؛ لأني لم أرتحْ له!
وافقتُ بعد إلحاحٍ مِن أهلي؛ لأن الشابَّ كان حسنًا، صليتُ صلاة استخارة مرات، وما دفعني للقَبول أني رأيتُ رؤيةً في المنام فيها خير وراحة، لكن نفسي لم تكنْ مُطمئنة، مع خوفٍ شديدٍ منه، رغم أنه كان يُعاملني مُعامَلةً حسنةً، ويحبني ويحترمني، لكن المشكلة أني لا أشعر بأيِّ عاطفةٍ نحوه.
استشرتُ صديقتي المُقَربة، فأشارتْ عليَّ بأن أبذلَ جهدًا للتقرُّب منه، وأُوطد العلاقة بيننا؛ بحكم أنه زوجي شرعًا وقانونًا.
فعملتُ بنصيحتها، وحدَث بيننا اتصالٌ جنسيٌّ، لكن إلى الآن لا أشعُر بشيءٍ نحوه، وعندما يسألني: إذا كنتُ أحبه أو لا؟ لا أقوى على مُصارَحته، وأجيبه بنعم.
أشعر بأننا مُتباعدان في العقلية، وطريقة التفكير، وبقيت ثلاثة أشهر على زواجي وما زلتُ خائفة ومُتردِّدة، ولا أدري ماذا أفعل؟ لا أريد أن أجرحه، وفي الوقت نفسه خائفة مِن أن أفشلَ في زواجي لعدم حبي له.
فانصحوني من فضلكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فدَعِي عنك هذا التردُّد -أيتها الابنة الكريمة- وتأمَّلي بصِدْقٍ فيما كتبتِ عن زوجك؛ ذكرتِ -أولًا- أنه شاب مُتخلقٌ، ومتعلمٌ، وذو مستوًى مادي لا بأس به، ثم أكدتِ هذا الكلامَ ثانيةً بقولك: يُعاملني مُعاملةً حسنةً، ويُحبني ويحترمني، ولكن المشكلة أنك ما زلتِ لا تشعرين بعاطفةٍ نحوه، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ في الزواج التقليدي، أو الزواج المحافِظ إن صحَّ التعبير، هذا الزواجُ الذي تبدأ العلاقة فيه بين الزوجين بعد العَقْد، وتزداد المحبةُ والمودَّة مع الأيام، فلا تستعجلي؛ فالحبُّ الحقيقيُّ ينمو مع الأيام؛ بسبب الإحسان، والصبر عليه، وإظهار المودَّة والحب، ولو بالتكلُّف، والتصنُّع في البداية، والحرص على إثراء مَشاعر المودة عند الطرف الآخر بالمواقف الطيبة، والكلمات الرقيقة، والهدية الجميلة ولو باليسير، وإظهار الاهتمام والتعاوُن في كل شيءٍ، وعدم استيفاء الحقوق، والتغاضي عن بعض السلبيات التي لا يسْلَم منها بشرٌ، ثم وجود الأبناء في المستقبل القريب يزيد القُرب والمودة بين الزوجين؛ كل هذا وغيره يُثمر ثمار الحب والود بين الزوجين بعد أن لم يكنْ موجودًا، بل إن ذلك يُثمر الحب بين الخَلق؛ أعني: المُعامَلة الحسَنة والعِشرة بالمعروف، والتفاني في تلبية رغبات الآخر، وإسعاده بالقول والفعل، ومِن ثَم أمَرَنا أحكم الحاكمين بمُعاشرة الزوجة وكذلك الزوج بالمعروف؛ سواءٌ ولد الحب أم لا.
ثم أمرٌ آخر، وهو تبادُل الحقوق والواجبات بينك وبين زوجك كفيلٌ مع الزمن بإنشاء المحبة والرحمة بينكما وإنمائهما، وما أذْكُره لك يتطلَّب مُصارَحةً مع زوجك، واتفاقًا على اهتمام كل بالآخر، وكسر الحواجز النفسية.
هذا؛ وقد رُوِيَ أنَّ رجلًا جاء إلى الفاروق عمر بن الخطاب يريد أن يطلِّقَ زوجته مُعلِّلًا ذلك بأنه لا يحبها، فقال له عمر: ويحك! ألم تبنَ البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية؟! وأين التذمُّم؟! يعني: الإحسان، وسُمِّي بذلك؛ لأن صاحبه يذم بتركه الإحسان.
وقال -أيضًا- لامرأةٍ سألها زوجها هل تبغضه؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر: فلتكذب إحداكنَّ، ولتجمل؛ فليس كلُّ البيوت تُبنى على الحب، ولكن معاشرةٌ على الإحسان، والإسلام؛ ذكرهما في كَنْز العمال.
ولعلك تعلمين أنَّ الحب وحده لا يُقيم أسرةً متماسِكةً، ولا يكفي لوجود حياةٍ زوجيةٍ سعيدةٍ، حتى تتوافر عناصر أخرى مما ذكرناه سابقًا، وهل يفعل الحب شيئًا مع تنافر الطباع، أو انعدام التفاهُم، أو عدم التعاوُن، أو سوء الخلُق، أو اللامبالاة؟ بل ما فائدة الحب مع عدم مراعاة شرع الله في الحياة الزوجية؟
إنَّ الأسرةَ قد توجد مع حُسن العِشرة، وعدم الحب، ولكن يستحيل أن تُبنى على الحبِّ فقط، فتأمَّلي المقاصد الأخرى للأسرة غير الحب، والتي منها مَصالح الأبناء، والمحافَظة على كيان الأسرة مِن الانهيار؛ فمشاعرُ الحب والمودة ليستْ شرطًا لاستقرار الحياة الزوجية، بخلاف غيرها من العوامل التي تثبّت الأسرة، وتُنمي الحب.
توكَّلي على الله، وادعيه -كثيرًا- أن يُصلح زوجك، ويحبب كلًّا منكما لصاحبه؛ فالله تعالى رتَّب على الزواج مِن الأسباب الجالبة للمودة والرحمة مِن الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إلى الآخر؛ فلا تجدين بين أحدٍ من المودة والرحمة مثل ما بين الزوجين؛ كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
بارك الله لك، وبارك عليك، وجَمَع بينكما في خيرٍ.
- التصنيف:
- المصدر: