هل الحياة في الجنة كالحياة العصرية؟!
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال: الشيخ الكريم عندما ندخل الجنة إن شاء الله هل سنجد الحياة هناك كهذه الحياة العصرية؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فإنَّ ملاذَّ الجنة ونعيمَها مما ورد ذكرُه في الكتاب والسنة، تُغاير ملاذَّ الدنيا ونعيمها، وإنما أوقعتْ عليها الأسماء؛ لإفهامِنا المعنى المراد؛ كما رُوِي عن ابن عباس: "ليس في الجنة شيءٌ يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء" [رواه أبو نُعَيْم في "صفة الجنة" (21 / 2)، والبيهقي، والضياء المقدسي في "المختارة"، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4 / 278): "بإسناد جيد"، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (2188)].
فالقَدْرُ المشترَك بين أسماء الدنيا وأسماء الجنة معنًى كليٌّ عامٌّ لا يتحدَّد إلا بالاختصاص، كما في بعضِ مخلوقات الدنيا؛ تتفق في الأسماء، وتختلف في الحقائق، كيَدِ النملة، ويد الفيلِ، اتَّفقتا في اسم اليد، واختلفتا في الحقيقة؛ فهذه على صفةٍ خاصة بها تختلف تمامًا عن الأخرى في الهيئة أيضًا، والشكل، والصفة.
ففي الدنيا عندنا: فواكهُ ولحمٌ ورمَّان ونَخْل، وفي الجنة: لحم وفواكه ورمان ونخل وغيرها مما له أسماء الدنيا، ولكنها قطعًا لا تشبهُ أحسن الموجود في الدنيا، ولا يمكن أن يشبهه أبدًا؛ لا في الهيئة ولا الشكل، وإنما قرَّب اللهُ عز وجل لنا الأشياء الموجودة في الجنة وهي غيبيات لم نَرَها بأعيننا بأسماءٍ موجودة في الدنيا نعرفُها، فالتشابُه في الاسم فقط، وهو القَدْرُ الذي اصطلح عليه أهلُ العلم بتسميته "القَدْر المشترك"، وهو معنًى كليٌّ عامٌّ لا يتحدَّد إلا بإضافته، أما بوجود معناه الكلي العام، فلا يمكن أن يتحدَّد، ولا يمكن أن يعرف له وضع معين.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية في "الفتوى الحموية الكبرى" (ص: 544): "هذه المخلوقاتُ في الجنة قد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء"، وقد أخبر الله: أنه {فلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن: "في الجنة ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطَر على قلب بشرٍ"".
ولو تأملتَ - رعاك الله - ما ورد في نعيم الجنة، أيقنتَ ما أقولُه، وأدركتَ الحقيقة؛ فبين المتاعَيْنِ أعظمُ مما بين السماء والأرض مِن الفرق، فكل ما في الدنيا مِن الأنهار والسُّرُر والفُرُش والأكواب مخالفٌ لما في الجنة، مما أعدَّه الله سبحانه وتعالى؛ ففي الدنيا بناءٌ، وفي الجنة بناء، لكن شتان ما بين البناءَيْن، بناء الدنيا يقضي الإنسان عمره لينجزه، فإذا أنجزه، ظلَّ عُرضة للفساد، والانهيار، والترميم، والإصلاح، يرى خللًا في تصميمه، وخللًا في تنفيذه، ويُعاني مِن ضيق هنا، ومِن وحشة هناك، أما بناء الجنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لبنةٌ من ذهب، ولبنةٌ من فِضَة، ومِلاطُها المسكُ الأَذْفَر، وتُرْبَتها الزعفران، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، مَن يدخلها ينعم، ولا يَبْأَس، ويخلد ولا يموت، ولا يبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم" [رواه أحمد، والترمذي، والدارمي].
قال الله عز وجل: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [الصف: 12]، وبعضها خيامٌ ليستْ من القماش، لكنها من اللآلئ المجوَّفة؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن للمؤمن في الجنة لخيمةً مِن لؤلؤة واحدة مجوَّفة، طولها ستون ميلًا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا"، فهل رأيت لؤلؤةً في الدنيا مترًا في متر، فضلًا أن ترى هذه الستين ميلًا؟!
أنهار الدنيا يَعْتَريها ما يعتريها مِن التلوث بالنجاسات، والأتربة، والمُلُوحة، والجفاف، والانحسار، وأما أنهار الجنة فهي {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: 15].
والكوثر حافَّتاه من ذهبٍ، ومجراه على الدرِّ والياقوت، تربتُه أطيب ريحًا مِن المسك، وماؤه أحلى مِن العسل، ولونه أشد بياضًا مِن الثلج.
ونساء الدنيا لا تستقيم لك على طريق، وإنما تستمتعُ بها على عِوَج، أما نساء الجنة فمطهَّرات {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25] من الحيض والنفاس والمني والبول والغائط والمخاط والروائح الكريهة.
ليس فيهن عيب ولا دمامة، حسان في الشكل، حسان في الأخلاق، {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن: 56]؛ لا تنظرن إلى غير أزواجهن، {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]؛ لا يخرجن منها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ولو أن امرأةً من نساء أهل الجنة اطلَّعت إلى الأرض لأضاءتْ ما بينهما، ولملأتْ ما بينهما ريحًا، ولنَصِيفُها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها} [رواه البخاري].
طعام الدنيا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مطعمَ ابنِ آدم جعل مثلًا للدنيا، وإن قزحه وملحه؛ فانظروا إلى ما يصير" [رواه عبد الله بن أحمد في زوائده بإسناد جيد قوي، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي].
وأما في الجنة، فهو طعام طيبٌ، {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21]، وكذلك الفواكه {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة: 20]، وكذلك أنواع اللذَّات، وتنوُّع المطاعم بلا ضرر، والأكل يعطى فيه شهوة مائة، ويجلس بعض الأغنياء اليوم على سفرة تمدُّ فيها أنواع الأطعمة، فلا يمد يده إلا إلى شيء يسير، ونظره بحسرة.
طعام الجنة قطوفُه دانية، لا يحتاج إلى عناءٍ في تحصيله؛ {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14]، وكذلك الحال في الخمر، والأسواق، والمناخ.
تأمَّلْ أخي الكريم كل هذا، ستجد نفسك تلهج بقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}" [السجدة: 17].
أسأل الله أن يغفرَ ذنوبنا، ويجعلنا من أهل الفردوس الأعلى، بغير سابقة عذاب، ولا مناقشة حساب.
فإنَّ ملاذَّ الجنة ونعيمَها مما ورد ذكرُه في الكتاب والسنة، تُغاير ملاذَّ الدنيا ونعيمها، وإنما أوقعتْ عليها الأسماء؛ لإفهامِنا المعنى المراد؛ كما رُوِي عن ابن عباس: "ليس في الجنة شيءٌ يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء" [رواه أبو نُعَيْم في "صفة الجنة" (21 / 2)، والبيهقي، والضياء المقدسي في "المختارة"، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4 / 278): "بإسناد جيد"، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (2188)].
فالقَدْرُ المشترَك بين أسماء الدنيا وأسماء الجنة معنًى كليٌّ عامٌّ لا يتحدَّد إلا بالاختصاص، كما في بعضِ مخلوقات الدنيا؛ تتفق في الأسماء، وتختلف في الحقائق، كيَدِ النملة، ويد الفيلِ، اتَّفقتا في اسم اليد، واختلفتا في الحقيقة؛ فهذه على صفةٍ خاصة بها تختلف تمامًا عن الأخرى في الهيئة أيضًا، والشكل، والصفة.
ففي الدنيا عندنا: فواكهُ ولحمٌ ورمَّان ونَخْل، وفي الجنة: لحم وفواكه ورمان ونخل وغيرها مما له أسماء الدنيا، ولكنها قطعًا لا تشبهُ أحسن الموجود في الدنيا، ولا يمكن أن يشبهه أبدًا؛ لا في الهيئة ولا الشكل، وإنما قرَّب اللهُ عز وجل لنا الأشياء الموجودة في الجنة وهي غيبيات لم نَرَها بأعيننا بأسماءٍ موجودة في الدنيا نعرفُها، فالتشابُه في الاسم فقط، وهو القَدْرُ الذي اصطلح عليه أهلُ العلم بتسميته "القَدْر المشترك"، وهو معنًى كليٌّ عامٌّ لا يتحدَّد إلا بإضافته، أما بوجود معناه الكلي العام، فلا يمكن أن يتحدَّد، ولا يمكن أن يعرف له وضع معين.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية في "الفتوى الحموية الكبرى" (ص: 544): "هذه المخلوقاتُ في الجنة قد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء"، وقد أخبر الله: أنه {فلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن: "في الجنة ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطَر على قلب بشرٍ"".
ولو تأملتَ - رعاك الله - ما ورد في نعيم الجنة، أيقنتَ ما أقولُه، وأدركتَ الحقيقة؛ فبين المتاعَيْنِ أعظمُ مما بين السماء والأرض مِن الفرق، فكل ما في الدنيا مِن الأنهار والسُّرُر والفُرُش والأكواب مخالفٌ لما في الجنة، مما أعدَّه الله سبحانه وتعالى؛ ففي الدنيا بناءٌ، وفي الجنة بناء، لكن شتان ما بين البناءَيْن، بناء الدنيا يقضي الإنسان عمره لينجزه، فإذا أنجزه، ظلَّ عُرضة للفساد، والانهيار، والترميم، والإصلاح، يرى خللًا في تصميمه، وخللًا في تنفيذه، ويُعاني مِن ضيق هنا، ومِن وحشة هناك، أما بناء الجنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لبنةٌ من ذهب، ولبنةٌ من فِضَة، ومِلاطُها المسكُ الأَذْفَر، وتُرْبَتها الزعفران، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، مَن يدخلها ينعم، ولا يَبْأَس، ويخلد ولا يموت، ولا يبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم" [رواه أحمد، والترمذي، والدارمي].
قال الله عز وجل: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [الصف: 12]، وبعضها خيامٌ ليستْ من القماش، لكنها من اللآلئ المجوَّفة؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن للمؤمن في الجنة لخيمةً مِن لؤلؤة واحدة مجوَّفة، طولها ستون ميلًا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا"، فهل رأيت لؤلؤةً في الدنيا مترًا في متر، فضلًا أن ترى هذه الستين ميلًا؟!
أنهار الدنيا يَعْتَريها ما يعتريها مِن التلوث بالنجاسات، والأتربة، والمُلُوحة، والجفاف، والانحسار، وأما أنهار الجنة فهي {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: 15].
والكوثر حافَّتاه من ذهبٍ، ومجراه على الدرِّ والياقوت، تربتُه أطيب ريحًا مِن المسك، وماؤه أحلى مِن العسل، ولونه أشد بياضًا مِن الثلج.
ونساء الدنيا لا تستقيم لك على طريق، وإنما تستمتعُ بها على عِوَج، أما نساء الجنة فمطهَّرات {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25] من الحيض والنفاس والمني والبول والغائط والمخاط والروائح الكريهة.
ليس فيهن عيب ولا دمامة، حسان في الشكل، حسان في الأخلاق، {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن: 56]؛ لا تنظرن إلى غير أزواجهن، {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]؛ لا يخرجن منها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ولو أن امرأةً من نساء أهل الجنة اطلَّعت إلى الأرض لأضاءتْ ما بينهما، ولملأتْ ما بينهما ريحًا، ولنَصِيفُها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها} [رواه البخاري].
طعام الدنيا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مطعمَ ابنِ آدم جعل مثلًا للدنيا، وإن قزحه وملحه؛ فانظروا إلى ما يصير" [رواه عبد الله بن أحمد في زوائده بإسناد جيد قوي، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي].
وأما في الجنة، فهو طعام طيبٌ، {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21]، وكذلك الفواكه {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة: 20]، وكذلك أنواع اللذَّات، وتنوُّع المطاعم بلا ضرر، والأكل يعطى فيه شهوة مائة، ويجلس بعض الأغنياء اليوم على سفرة تمدُّ فيها أنواع الأطعمة، فلا يمد يده إلا إلى شيء يسير، ونظره بحسرة.
طعام الجنة قطوفُه دانية، لا يحتاج إلى عناءٍ في تحصيله؛ {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14]، وكذلك الحال في الخمر، والأسواق، والمناخ.
تأمَّلْ أخي الكريم كل هذا، ستجد نفسك تلهج بقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}" [السجدة: 17].
أسأل الله أن يغفرَ ذنوبنا، ويجعلنا من أهل الفردوس الأعلى، بغير سابقة عذاب، ولا مناقشة حساب.