والدي يدعو عليَّ بدون سبب

منذ 2013-04-14
السؤال: أبي دائمًا يدعو عليَّ بدون أيِّ سبب، ودون أن أفعل له أيَّ شيء؛ فيقول لي: "ربنا يأخذك"، "وربنا يخلصني منك"، "حسبي الله ونعم الوكيل فيك"!
وأنا والله لا أفعل له أي شيء مطلقًا، كما يقوم بسبِّ أمي.
يدعو عليَّ دائمًا أثناء الأذان؛ فهل الله يستجيب لما يقول؟ وماذا عليَّ أن أفعل؟ أنا أطيعه في كلِّ شيء، ولا أعْصي له أمرًا، ولكن أحيانًا عندما يُكثر من الدُّعاء عليَّ، أصرخُ في وجهه، فهل عليَّ إثمٌ؟
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فأسألُ الله أن يفرِّج همَّك، وأن يزيل حيرَتَكِ، ويهديَك لكل خيرٍ في الدنيا والآخرة.
فلا يخفَى عليكِ ما للأَبِ من حقٍّ عظيمٍ في البرِّ، والإحسانِ، والطاعةِ في المعروف، وكونه عَلَى تلك الحالةِ التي أصابتْكِ بالحيرةِ من الغضب، والدعاءِ عليكِ بالشرِّ، لا يمنعُه حقَّه؛ فالتمسي الوقت المناسب، وفاتحيه فيما تشتكين منه، وتخيري الأسلوب الأمثل الذي يشعره بخطورة الأمر، وانزعاجِك مِن دعائه عليكِ، مع إظهارك للشَفَقَة عليه؛ لمخالفته نهي النبي بالدعاء على الأبناء؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعةً يسأل فيها عطاءً؛ فيستجيب لكم" [رواه مسلم]؛ أي: لا تدعُوا دعاءَ سوءٍ؛ مخافَة أن يوافِقَ دعاؤكم ساعةَ إجابةٍ، فتندموا، ولا ينفعُكم الندم، وكل هذا من جهل الإنسان، وعَجَلَتِهِ؛ حيثُ يَدعُو عَلَى نفسه، أو أولاده، أو ماله، بالشرِّ عند الغضب، ويُبادرُ بذلك الدعاء، كما يُبادرُ بالدعاء في الخير.
وأظهري له الحب، والطاعة، والإحسان، ونحو ذلك؛ مما يُشعِرِهُ بالندم عَلَى ما حصل منه.
والتزمي الحكمة في مُعالجة ما يجري في البيت، وتشاوري مع والدتِكِ بهُدوء، وبقصد الإصلاح، وتجاوزي تلك المسألة، ولا تخجلي من نُصحِ الوالد، ولا تخافي من غضبِهِ، ودُعائِهِ، واحفظي له جميع حقوق الأُبوَّة، فما فيه لا يسقط شيئًا من حقوقه.
والأبناء من أعظم زينة الحياة الدنيا؛ كما قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، وهم قرة عين الوالدَيْنِ، وفلذة كبدهما، ومن دعاء عباد الرحمن: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، ولكنَّ كثيرًا من الآباء لا يُحسِن التعبير عن حبه لأبنائه، وامتنانه بهم.
أما استجابة الدعاء بالشر؛ فمن لُطْفِ الله تعالى وكرمهِ ورحمته بنا أنه أخْبَرَ سبحانه أنه يستجيبُ في الخير، ولا يستجيبُ في الشرِّ؛ فقال سبحانه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11].
وقال تعالى: {وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]؛ فأخبَرَ سبحانه وتعالى عن عَجَلة الإنسان، ودعائِهِ أحيانًا عَلَى نفسِهِ، أو ولده، أو مالِهِ بالموت، أو الهلاك، والدمار، واللعنة، ونحو ذلك، فلو استجاب له ربُّه، لهَلَكَ بدعائه؛ ولذلك نهاه الشرعُ عن التعدِّي في دعائه؛ لأنه ربما يُستجاب؛ كما في الحديث السابق، ولكن من رحمة الله تعالى أنه قال: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يونس: 11]؛ قال مجاهد كما علقه البخاري في صحيحه: "قولُ الإنسان لولده وماله إذا غضب: اللهم لا تُبارك فيه والْعَنْهُ، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}، لَأَهلَكَ مَن دُعِيَ عليه، ولَأَماتَهُ".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وصله الفريابي، وعبد بن حميد، وغيرهما، من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد في تفسير هذه الآية، ورواه الطبري بلفظ مختصر قال: "فلو يعجل الله لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب في الخير، لأهلكهم، ومن طريق قتادة قال: هو دعاء الإنسان على نفسه وماله بما يكره أن يُستجاب له" اهـ.
وقال شيخُ المفسرين أبو جعفر الطبري: "يقول تعالى ذكره: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ} إجابة دعائهم في الشر، وذلك فيما عليهم مضرة في نفس، أو مال، {اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ} يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}؛ يقول: لهلكوا، وعجل لهم الموت، وهو الأجل، وعنى بقوله: {لَقُضِيَ}؛ لفرغ إليهم من أجلهم، ونبذ إليهم" [اهـ؛ من تفسير الطبري (15 / 33)].
والحاصل: أن الدُّعاء بالشرِّ على الأبناء لا يُستَجابُ كما يستجاب الدعاء بالخير، ولكن نَهَى الشارعُ الحكيمُ عنها؛ مخافةَ أن يُوافِقَ ساعةَ إجابةٍ، فيُستجابَ.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 31
  • 7
  • 113,412

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً