اختلاف القراء حول "التابوت"، و"التابوة"
منذ 2013-04-14
السؤال: كما هو معلوم أن لجنة جمع القرآن التي اختارها عثمانُ بن عفان رضي الله عنه بقيادة زيد بن ثابت رضي الله عنه كانتْ تراعي أمورًا كثيرة في ضبط كتابة المصحف؛ من بينها: الاقتصار عند الاختلاف على لغة قريش؛ كما جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: "إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُم ْوَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا" [رواه البخاري في صحيحه - كتاب فضائل القرآن - باب جمع القرآن (8/626)، الحديث: (4987)].
وقد اختلف الصحابةُ في كلمة "التابوت"، هل هي بالتاء؟ أو بالهاء؟ كما قال الزهري: "واختلفوا يومئذٍ في "التابوت" و"التابوه"، فقال النفر القرشيون: "التابوت"، وقال زيدٌ: "التابوه"، فرُفِع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه "التابوت"؛ فإنه بلسان قريشٍ" [رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف - باب جمع عثمان رضي الله عنه القرآن في المصاحف (ص 26)، وانظر فتح الباري (8/635)].
وسؤالي هو: كيف يحدث الاختلافُ من الأساس في رسم كلمة "التابوت"؛ هل هي بالتاء أو بالهاء في حين:
1- أن المصاحف نُقِلَتْ من الصحف التي جمع أبو بكر رضي الله عنه القرآن فيها، والتي ظفرتْ بالتواتر، وإجماع الأمة كما هو معروف وبالتأكيد كلمة "التابوت" كانتْ مكتوبة فيها برسم معين؟
2- أن لديهم قول زيد بن ثابت رضي الله عنه: إنها بالهاء، وهو أعلمهم بما قيل، بغضِّ النظر عن كونِه مِن الأنصار، حيث إنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضر العرضة الأخيرة للقرآن الكريم؟
3- كان يُمكنهم كتابة كلمة: "التابوت" في نسخة برسم التاء؛ ليوافق بعض الوجوه، وفي نسخةٍ أخرى برسم الهاء؛ ليوافق الوجه الآخر؛ كما فعلوا رضي الله عنهم بالفعل في بعض المصاحف التي كتبوها، وفاوتوا بينها؛ ليحتمل البعض منها أوجه القراءة المتواترة ما لا يحتمله البعض الآخر، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [البقرة: 116]، فقد قرأها عبدالله بن عامرٍ الشامي: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} بغير (واو)؛ وهي كذلك في مصاحف أهل الشام؛ كتاب المصاحف؛ لابن أبي داود: (ص 54)، والنشر في القراءات العشر: (1/11)، وشرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن: (ص 442).
وجزاكم الله خيرًا.
وقد اختلف الصحابةُ في كلمة "التابوت"، هل هي بالتاء؟ أو بالهاء؟ كما قال الزهري: "واختلفوا يومئذٍ في "التابوت" و"التابوه"، فقال النفر القرشيون: "التابوت"، وقال زيدٌ: "التابوه"، فرُفِع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه "التابوت"؛ فإنه بلسان قريشٍ" [رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف - باب جمع عثمان رضي الله عنه القرآن في المصاحف (ص 26)، وانظر فتح الباري (8/635)].
وسؤالي هو: كيف يحدث الاختلافُ من الأساس في رسم كلمة "التابوت"؛ هل هي بالتاء أو بالهاء في حين:
1- أن المصاحف نُقِلَتْ من الصحف التي جمع أبو بكر رضي الله عنه القرآن فيها، والتي ظفرتْ بالتواتر، وإجماع الأمة كما هو معروف وبالتأكيد كلمة "التابوت" كانتْ مكتوبة فيها برسم معين؟
2- أن لديهم قول زيد بن ثابت رضي الله عنه: إنها بالهاء، وهو أعلمهم بما قيل، بغضِّ النظر عن كونِه مِن الأنصار، حيث إنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضر العرضة الأخيرة للقرآن الكريم؟
3- كان يُمكنهم كتابة كلمة: "التابوت" في نسخة برسم التاء؛ ليوافق بعض الوجوه، وفي نسخةٍ أخرى برسم الهاء؛ ليوافق الوجه الآخر؛ كما فعلوا رضي الله عنهم بالفعل في بعض المصاحف التي كتبوها، وفاوتوا بينها؛ ليحتمل البعض منها أوجه القراءة المتواترة ما لا يحتمله البعض الآخر، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [البقرة: 116]، فقد قرأها عبدالله بن عامرٍ الشامي: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} بغير (واو)؛ وهي كذلك في مصاحف أهل الشام؛ كتاب المصاحف؛ لابن أبي داود: (ص 54)، والنشر في القراءات العشر: (1/11)، وشرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن: (ص 442).
وجزاكم الله خيرًا.
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فكون المصاحفِ قد نُقِلَتْ من الصُّحُف التي جمع أبو بكر رضي الله عنه القرآن فيها، وأنها ظفرتْ بالتواتر، وإجماع الأمة، وأن كلمة "التابوت" كانتْ مكتوبةً فيها برسمٍ معيَّنٍ، فهذا كلهُ صحيحٌ، لكن لا يَلزمُ منه أن كلمة "التابوت" لها كتابةٌ واحدةٌ هي التي كتبت في الصُّحُف، فقد تكون لها كتابتان، وأن زيدًا رضي الله عنه كان يكتبها بالهاء، ولم يكنْ عثمان رضي الله عنه قد ألزم الصحابة بالرسم على ما هو في تلكَ الصحف، ولكنه ألزمهم بالرجوع إلى لسان قريشٍ فيما اختلفوا فيه؛ كما في الأثر المذكور.
وأما عن حضور زيد رضي الله عنه للعرضة الأخيرة؛ فلم تكن العرضةُ الأخيرةُ عرضةَ كتابةٍ ورسمٍ، ولكنها كانت عرضةَ تلاوةٍ، فكيف يكون زيدٌ قد أخذ عن طريقها رسمَ الكلمة؟ ولو حَدَثَ هذا جدلًا، لأخبرهم به زيدٌ، ولَانتَهَى الخلافُ.
ولا يخفى أن هناك فرقًا بين التلاوة والرسم؛ فالأولى مأخوذة من المشافهة، والسماع، والتلقِّي، والقراءة؛ وهي ما يُسمَّى بالعرض، وذلك بأن يقرأ التلميذُ على الشيخ؛ ليضبطَ له القراءة، وهذا هو ما حَدَثَ في العرضة الأخيرة مرتين؛ حيث كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعرِض القرآنَ على جبريل عليه السلام مرةً كلَّ عام، وفي العام الذي تُوُفِّيَ فيه عرضه عليه مرتين، فبهذا تمَّ ضبطُ القرآن تلاوةً، وبدأت تتواتَرُ تلاوتُه على ما كان في هذه العرضة، من ناحية الأداء الصوتي إلى يومنا هذا، ثم إلى أن يرثَ الله الأرض ومَن عليها.
الثاني: من حيثُ الرسمُ والكتابةُ؛ فقد كُتِبَ القرآنُ كلُّه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بواسطة كُتَّاب الوحي من الصحابة رضي الله عنهم، وقد أخذوا كتابتَه من قواعد الكتابة العربية في ذلك الوقت الذي كان ينزل فيه القرآن، ثم لما شرع عثمانُ رضي الله عنه في جمع القرآن، أَلزَمَ لجنةَ الجمعِ بقيادة زيد بن ثابت رضي الله عنه بأن يكتبوه بلسان قريشٍ، ولا يصحُّ الإنكارُ على عثمان رضي الله عنه في هذا الإلزام؛ إذ إن قريشًا كانوا من أفصح العرب نُطقًا وكتابةً، فيتأدى بلسانهم وكتابتهم الغرضُ من حفظ القرآن وضبطِه؛ وهو الذي أُنزِل بلسانٍ عربيٍّ مبين، ولسانُ قريشٍ هو أولى ألسنة العرب ولغاتهم بهذا الوصف، وحتى تَحتَمِل الكتابةُ كل الوجوه المختلفة التي نزل بها القرآن، واستقرَّ عليها بعد العرضة الأخيرة؛ قامت لجنةُ الجمْع بكتابة ورسم الكلمات التي تعددت أوجهُ قراءتِها بكتابةٍ تحتَمِل تلك الأوجه، والتي سوف تتمُّ معرفتُها وتمييزُها عن طريق الرواية المتواترة بالتلقِّي والسماع؛ ولذا فلا يكفي الاعتمادُ على الرسم مع أهميته إلا أن يكونَ مشفوعًا بتواتر التلاوة والمشافَهة، وقد تمَّ حِفظُ القرآن عن طريق الأمرين معًا: التلاوة والرسم، وليس بأحدهما دون الآخر.
وليس في كلمة "التابوت" اختلاف في القراءة حتى يَلزَم لجنة الجمعِ كتابتُها بما يحتمل ذلك الخلاف.
وأما عن تركِهم لوجه "التابوه" من الرسم في أيٍّ من المصاحف؛ ليحتمل كلا الرسمين؛ فضلًا عن انتفاء الخلاف في قراءتها؛ فلأنه مخالفٌ للسان قريش؛ أي: لرسمهم، فرسموه بما يوافق لسان قريش، ولو خالف رسمَ زيد؛ حَسَبَ ما ألزمهم به عثمان رضي الله عن الصحابة أجمعين، والله أعلم.
فكون المصاحفِ قد نُقِلَتْ من الصُّحُف التي جمع أبو بكر رضي الله عنه القرآن فيها، وأنها ظفرتْ بالتواتر، وإجماع الأمة، وأن كلمة "التابوت" كانتْ مكتوبةً فيها برسمٍ معيَّنٍ، فهذا كلهُ صحيحٌ، لكن لا يَلزمُ منه أن كلمة "التابوت" لها كتابةٌ واحدةٌ هي التي كتبت في الصُّحُف، فقد تكون لها كتابتان، وأن زيدًا رضي الله عنه كان يكتبها بالهاء، ولم يكنْ عثمان رضي الله عنه قد ألزم الصحابة بالرسم على ما هو في تلكَ الصحف، ولكنه ألزمهم بالرجوع إلى لسان قريشٍ فيما اختلفوا فيه؛ كما في الأثر المذكور.
وأما عن حضور زيد رضي الله عنه للعرضة الأخيرة؛ فلم تكن العرضةُ الأخيرةُ عرضةَ كتابةٍ ورسمٍ، ولكنها كانت عرضةَ تلاوةٍ، فكيف يكون زيدٌ قد أخذ عن طريقها رسمَ الكلمة؟ ولو حَدَثَ هذا جدلًا، لأخبرهم به زيدٌ، ولَانتَهَى الخلافُ.
ولا يخفى أن هناك فرقًا بين التلاوة والرسم؛ فالأولى مأخوذة من المشافهة، والسماع، والتلقِّي، والقراءة؛ وهي ما يُسمَّى بالعرض، وذلك بأن يقرأ التلميذُ على الشيخ؛ ليضبطَ له القراءة، وهذا هو ما حَدَثَ في العرضة الأخيرة مرتين؛ حيث كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعرِض القرآنَ على جبريل عليه السلام مرةً كلَّ عام، وفي العام الذي تُوُفِّيَ فيه عرضه عليه مرتين، فبهذا تمَّ ضبطُ القرآن تلاوةً، وبدأت تتواتَرُ تلاوتُه على ما كان في هذه العرضة، من ناحية الأداء الصوتي إلى يومنا هذا، ثم إلى أن يرثَ الله الأرض ومَن عليها.
الثاني: من حيثُ الرسمُ والكتابةُ؛ فقد كُتِبَ القرآنُ كلُّه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بواسطة كُتَّاب الوحي من الصحابة رضي الله عنهم، وقد أخذوا كتابتَه من قواعد الكتابة العربية في ذلك الوقت الذي كان ينزل فيه القرآن، ثم لما شرع عثمانُ رضي الله عنه في جمع القرآن، أَلزَمَ لجنةَ الجمعِ بقيادة زيد بن ثابت رضي الله عنه بأن يكتبوه بلسان قريشٍ، ولا يصحُّ الإنكارُ على عثمان رضي الله عنه في هذا الإلزام؛ إذ إن قريشًا كانوا من أفصح العرب نُطقًا وكتابةً، فيتأدى بلسانهم وكتابتهم الغرضُ من حفظ القرآن وضبطِه؛ وهو الذي أُنزِل بلسانٍ عربيٍّ مبين، ولسانُ قريشٍ هو أولى ألسنة العرب ولغاتهم بهذا الوصف، وحتى تَحتَمِل الكتابةُ كل الوجوه المختلفة التي نزل بها القرآن، واستقرَّ عليها بعد العرضة الأخيرة؛ قامت لجنةُ الجمْع بكتابة ورسم الكلمات التي تعددت أوجهُ قراءتِها بكتابةٍ تحتَمِل تلك الأوجه، والتي سوف تتمُّ معرفتُها وتمييزُها عن طريق الرواية المتواترة بالتلقِّي والسماع؛ ولذا فلا يكفي الاعتمادُ على الرسم مع أهميته إلا أن يكونَ مشفوعًا بتواتر التلاوة والمشافَهة، وقد تمَّ حِفظُ القرآن عن طريق الأمرين معًا: التلاوة والرسم، وليس بأحدهما دون الآخر.
وليس في كلمة "التابوت" اختلاف في القراءة حتى يَلزَم لجنة الجمعِ كتابتُها بما يحتمل ذلك الخلاف.
وأما عن تركِهم لوجه "التابوه" من الرسم في أيٍّ من المصاحف؛ ليحتمل كلا الرسمين؛ فضلًا عن انتفاء الخلاف في قراءتها؛ فلأنه مخالفٌ للسان قريش؛ أي: لرسمهم، فرسموه بما يوافق لسان قريش، ولو خالف رسمَ زيد؛ حَسَبَ ما ألزمهم به عثمان رضي الله عن الصحابة أجمعين، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: