أشتري الملابس النسائية الداخلية وألبسها
أنا رجلٌ أُحب شراء الملابس الداخلية النسائية ولبْسَها، فكيف أترُك هذه الأفعال؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ: فمما لا شك فيه أنَّ ما تَذْكُره أيها الأخ الكريم يُعَدُّ غريبًا بعض الشيء، ولكنه موجودٌ وإن كان قليلًا، وسببُ ذلك في غالب الأحوال هو تسلسُل ذلك الشعور معك منذ كنتَ صغيرًا، وفي بدايات البلوغ والمراهقة تحديدًا، فكنت تُثار برُؤية ملابس النساء الداخلية في المحلات، لا سيما والتجار يَتَفَنَّنون في طريقة عرضها، بل غالبًا ما يكون ذلك مُصاحبًا بِصُور النساء العاريات؛ فيبعث ذلك في نفسك إثارة جنسيةً؛ فارتبطتْ رؤية ملابس النساء الداخلية شرطيًّا معك بموضوع الجنس، وتولُّد اللذة أو المتعة، ولو بالتمنِّي والاشتهاء؛ مما جعل الأمر يتطوَّر معك بمرور الأيام، ومع استسلامك لها وعدم حسْم مادتها أصبحتَ لا تشتري ملابس النساء الداخلية فقط، بل قُمتَ بلبسها أيضًا.
فالاستمرارُ والمواظَبَةُ السلوكية مع التفكير، جعل ذلك السلوك الذي قد يكون في مراحل المراهقة الأولى متصوَّرًا وطبيعيًّا يستمر حتى بداية الكهولة، وهي تبدأ من سن الثلاثين.
والمقصودُ أن الاستمرار جعَلَك ترتبط شرطيًّا بتلك العادة كوسيلة للإثارة واللذة، كالتزاوج بين اللون الأخضر للعبور بالسيارة، واللون الأحمر للتوقُّف.
أما ما يُقلق في مشكلتك، فربما شعور داخلي بأنك أصبحتَ أسيرًا لها، وهو ما دفعك للاستشارة.
أما سبيل الخلاص مِن تلك العادة، فيبدأ بتغيير قناعاتك فيها، كمُؤثر للاستثارة، فتغيير أي سلوك غير سويٍّ يبدأ بهذا.
أنت تُوافقني أنَّ ما تفعله سلوكٌ شاذٌّ، وأن تحكُّمَه فيك ووقوعك أسيرًاله أمرٌ لا يليق برجلٍ مثلك، وأنا على يقينٍ مِن أنك تخفي سلوكك هذا عن أصدقائك وأقاربك، مهما كان مِقْدار قُربهم منك.
فأعطِ نفسَك فرصةً لجلسات تأمليةٍ، تستشعر فيها الحال فيما ذكرتُه لك، وتتأمَّل كيف يكون حالك لو كشف اللهُ ستره عنك، وعلم بأمرك أصدقاؤك، إلى غير ذلك من التفكير التأمُّلي الذي يُساعدك كثيرًا على تَهْيِيءِ الجانب النفسي، فتستشعر كراهية هذا السلوك، وتنفر عنه، وتنتبه لجوانبه السلبية، والتي منها:
أنَّ ألْبِسَة النساء الداخلية محل القاذورات، فتتلطخ بدم الحيض والنفاس، ورطوبات الفرْج، وغير هذا مِن النجاسات التي تعافها النفسُ؛ قال ابن مسعود: إذا أعجبتْ أحدكم امرأة، فليتذكر مناتنها. والمناتن: المكان الذي يكون فيه النتَن، والوسخُ، والقذارة، فلتتذكر تلك الألبسة حال قذارتها وتمزقها، وهذا يُساعدك على التخلُّص السريع من تلك العادة.
قال ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص: 122): "... الحالُ أن العقل يغيب عند استحلاء تناول المشتهى من الطعام عن التفكير في تقلبه في الفم، وبَلْعِه، ويذهل عند الجماع عن ملاقاة القاذورات، لقوة غلبة الشهوة، وينسى عند بلع الرضاب استحالته عن الغذاء.
وفي تغطية تلك الأحوال مصالح، إلا أن أرباب اليقظة يعتريهم هذا الإحساس مِن غير طلب له في غالب أحوالهم، فينغص عليهم لذيذ العيش، ويوجب الأنفة مِن رذالة الهوى، وعلى قدر النظر في العواقب يخفُّ العشقُ عن قلب العاشق، وعلى قدْر جمود الذهن يقوى القلق.
قال المتنبي:
لَوْ فَكَّرَ العَاشِقُ فِي مُنْتَهَى *** حُسْنِ الَّذِي يَسْبِيهِ لَمْ يَسبِهِ" اه.
أمرٌ هام عليك تذكُّره، وهو أن ارتداءك ملابس النساء الداخلية فعلٌ مُحَرَّمٌ في شريعة أحكم الحاكمين - سبحانه وتعالى - فقد استفاضت السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحاح وغيرها بلَعْن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء، واللعن هو الطردُ من رحمة الله، فتأمَّلْ ما سأذكره لك مِن أحاديثَ شريفةٍ؛ لتتخذ قرارًا فوريًّا برمي تلك الملابس، ولتتحرر ساعتها مِن ذلك القيد.
روى البخاري، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لعن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"، والتشبُّه بالنساء في اللباس الخاص بهن والزينة والأخلاق والأفعال ونحو ذلك.
وروى أحمد وأبو داود والنسائي، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعَن الرجل يلبس لبس المرأة، والمرأة تلبس لبس الرجل".
وفي مسند الإمام أحمد، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، أنه رأى امرأة متقلِّدة قوسًا وهي تمشي مشية الرجل، فقال: مَن هذه؟ فقيل: هذه أم سعيد بنت أبي جهل، فقال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «
».وروى أبو داود، من حديث أبي هريرة، قال: أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «
» فقالوا: يَتَشَبَّه بالنساء، فأمر به فنفي إلى النقيع، قيل: يا رسول الله، ألا تقتله؟ قال: « ».والأحاديثُ في هذا المعنى كثيرةٌ، وقد ذهب جمهورُ الأئمة المتَّبَعِين إلى حُرْمة تشبُّه الرجل بالمرأة في الثياب وغيرها.
قال ابنُ بَطَّال في شرح صحيح البخاري (9/ 140) شارحًا حديث ابن عباس السابق: قال الطبَري: فيه مِن الفقه أنه لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي هي للنساء خاصة، ولا يجوزُ للنساء التشبه بالرجال فيما كان ذلك للرجال خاصة، فمما يحرم على الرجال لبسه مما هو من لباس النساء: البراقع، والقلائد، والمخانق، والأسورة، والخلاخل]، ومما لا يحل له التشبه بهن من الأفعال التي هن بها مخصوصات فانخناث في الأجسام، والتأنيث في الكلام".
فبادر بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى؛ فهي مِن أعظم العبادات، وهي واجبة على جميع المكلفين في كل وقت وحين، وأكْثِرْ مِن الاستغفار والذِّكْر، فسيُساعدك في التخلُّص نهائيًّا من تلك العادة، واصدق في اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء الصالح، وتحرِّي أوقات الإجابة، وتضرَّعْ إليه سبحانه أن يَهْدِيَك لأحسن الأخلاق والأفعال والأقوال، وأن يجنبك سيئها، وبادِرْ إلى الزواج ما دمتَ مُستطيعًا، فهو وسيلةٌ عظيمةٌ لتحصين الفرج من الوقوع في المعاصي، واملأ وقتك بالعمل الصالح والأنشطة المباحة؛ فالنفسُ إن لم تشغلْها بالطاعة شغلتْك بالمعصيةِ.
وأكْثِرْ مِن قول "لا حول ولا قوة إلا بالله"، واستمد المدَد مِن خالقك العظيم في النجاة، وأبْشِرْ فقد وعَد الله الكريم كلَّ مَن جاهد نفسه في ذات الله، وبذل مجهودًا في اتباع مرضاته أن يهديه إلى الطرُق الموصلة إليه سبحانه؛ فقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، استشعرْ في نفسك القدرةَ والقوة على ذلك، مستعينًا بالله تعالى، وكن واثقًا مِن قدرتك، متفائلًا بسرعةتخلُّصك منها دون أدنى قلقٍ، فما أنت فيه مجرد مسألة تعوُّد وحسب، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كيفية قهر النفس واكتساب الأخلاق الحسنة، والتخلي عن الصفات الذميمة؛ فعن أبي سعيد الخدريِّ -رضي الله عنه- أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال: « »، فمَن تَكَلَّفَ العفة حتى يُظْهِرَها يعفه الله.
وأسأل الله أن يُعِيذَك مِن شر سمعك، ومِن شر بصرك، ومِن شر لسانك، ومِن شر قلبك.
- التصنيف:
- المصدر: