رمي الأشياء للناس بدل المناولة باليد
أحيانًا إذا أردتُ أن أُعْطِيَ شيئًا لأحدٍ أقوم بِرَمْيِه إليه، مع إمكانية إعطائه ذلك الشيء باليد، فهل في هذا تجوُّز مني؟ وما ضوابط ذلك؟ أرجو إفادتي بالدليل من الكتاب والسنة.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإنَّ ما تذكره -أيها الأخُ الكريمُ- يدْخُل في الآداب التي تختلف باختلاف المجتمعات والأشخاص، ولكن حتى في المجتمعات التي لا تجد حرَجًا لا يُعطي أحدٌ فيها بالرمي لكبير الحي، أو كبير القوم، أو العالم المعظَّم فيهم؛ فهذا هو الضابطُ الذي أعرفه.
وتجد مثلًا في اجتماعات الناس، إذا قام أحدُهم ليُوَزِّع شيئًا على الناس - تجده يلقيه لمن في نفس عمره، أو يزيد أو يقل قليلًا، فإذا أراد إعطاء الكبير ناوله بيده، وإن لم يتيسَّر السير إليه أعطاه إلى مَن يُعطيه له.
وترى في المساجد مَن يُوَزِّع الحلوى أو التمر أو ما شابه، ويفعل ذلك بلا تحرج، إلا مع الشيخ، أو العالم، أو الكبير، وهذا هو نفس المنزع في منْع الطفل أن يُلْقِيَ الأغراض للكبار، ونحن قد قررنا أن مَن يفعل هذا أصلًا يستثني الكبير!
قال ابن القَيِّم في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (4/ 97): "ومِن هذا ما يُرْوَى عن عليٍّ أنه دخَل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أرْمَدُ، وبين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم – تمرٌ يأكله، فقال: «
» ورمى إليه بتمرةٍ، ثم بأخرى، حتى رمى إليه سبعًا، ثم قال: « »".وفي الآداب الشرعية والمنح المرعيَّة (3/ 397) قال: "وفي البخاري أنَّ حذيفة رمى الأسودَ بن يزيد في المسجد بالحصباء ليأتيه فأتاه.
قال ابن هُبَيْرَةَ: فيه دليلٌ على جواز رمي الرجل صاحبَه في المسجد بالحَصْبَاء".
وثَمَةَ ضابطٌ آخر يمكن وضعُه، وهو: التفريقُ بين موقف الجد وموقف الهزْل واللعب، ولبيان هذا تأمَّل الأثرَ الذي أخرجه البخاريُّ في "الأدب المفرد" (41): "حدثنا صدقة، قال: أنبأنا مُعْتَمِر، عن حبيب أبي محمد، عن بكر بن عبد الله قال: كان [أصحابُ النبي - صلى الله عليه وسلم -] يَتَبَادَحُونَ بالبِطِّيخ، فإذا كانت الحقائقُ كانوا هم الرجال"؛ والحديثُ صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 797).
ويتبادحون؛ أي: يترامون.
فالتباسُط والمزاحُ المعتدلُ في الآداب الإسلامية لا يُخْرِجُ أصحابه عن جادة الحق، ولا يُطْفِئ فيهم شعلة الرجولة، وإنما يؤدِّي غرضه في تنشيط النفوس، وجلاء الأذهان، وترويح القلوب.
- التصنيف:
- المصدر: