مصابة بخلع وركي وأخاف من العنوسة
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الذكر والدعاء -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أودُّ منكم نُصحي وتوجيهي أثابكم المولى، فأنا فتاةٌ أبلُغ مِن العمر 25 عامًا، مُصابة بخَلْع وركي منذ الولادة بالقدَم اليسرى، لم يكتشفْه أهلي إلا بعد أن دخلتُ المدرسة؛ لأنه لم يكن واضحًا.
كنتُ أَتَأَلَّم منه في صِغَري، ولم يشأ اللهُ أن أجريَ العملية إلا بعدما كبرتُ، والحمدُ لله لا أشعُر بالألم إلا إذا حملتُ شيئًا ثقيلًا، لكن نفسيتي تعبتْ جدًّا، وأشعر بأنني منبوذة مِن الناس بسبب عيبي.
مشكلتي أن بالي مشغولٌ بالزواج والخوف منه، والحمدُ لله أنا جميلةٌ، وجميع مَن في عمري تَزَوَّجُوا، وليس بي عيوبٌ إلا هذا العيب.
فماذا أفعل؟ وما نصيحتكم؟
أرجو أن تدعوا لي بالزوج الصالح والذرية الصالحة، وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيكِ شفاءً لا يُغادر سقمًا.
فلا يخفى على مِثْلك أيتها الابنة الكريمة أن الزواجَ رزقٌ مِن الله تعالى، وله أجَلٌ محدَّدٌ لا يتقدَّم ولا يتأخَّر، ومِن لُطْفِه سبحانه بعباده أنه يُؤَخِّره بحسب ما اقتضاه لُطفه وحكمته، فهو سبحانه وتعالى بعباده خبيرٌ بصيرٌ، وهو النصيرُ الكافلُ المحمود الذات والصفات، واسع الجُود، وله كمالُ الكرَم وتمامُ اللُّطف، وتأمَّلي رعاك الله قولَه تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: 27]، قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
وقد قدَّر سبحانه مَقاديرَ الخلائق قبل أن يخلقَ السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ كما ورد في صحيح مسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كتب اللهُ مقاديرَ الخلائق قبل أن يخلقَ الخلْقَ بخمسين ألف سنة»، وفي "سُنن أبي داود" و"الترمذي": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أول ما خَلَقَ القلم، فقال له: اكتبْ، قال: وما أكتبُ يا ربِّ؟ قال: اكتبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعة».
وفي حديث مسلم: «كلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، حتى العَجْز والكَيْس».
فكلُّ ما يعمله الإنسانُ وما يحدُث له فهو مقدَّر قبل ميلاده، سواء كان زواجًا أم غير ذلك.
فالأَوْفَقُ لنا جميعًا أن نشكرَ الله عز وجل، وأن نتماشى مع أقدار الله تعالى؛ سواء سرَّتنا أو ساءَتْنا، وأن نجعلَ الخير في الواقع؛ لأن الله تعالى يعلم، ونحن لا نعلم، وهو أرحمُ بالعبد مِن نفسه، وأقدرُ على مصلحة عبده منه، وأعلم بمصلحته منا، وإنما علينا الأخْذُ بالأسباب المشروعة لأننا مأمورون بالأخْذ بها، واللهُ هو الذي يُقَدِّر آثارها ونتائجها.
أما أسبابُ تيسير الزواج وتعجيلِه فكثيرةٌ أوجز لك بعضها:
- منها صِدْق اللجوء إلى الله تعالى بالدُّعاء في أوقات الإجابة، مع تيقُّن الإجابة، ولزوم طاعته - عزَّ وجلَّ - وتجنُّب المعاصي، والاطمئنان إلى رحمة الله وعدْله، وإلى حكمته وعلمه؛ فهو وحدَهُ الملاذُ الأمين، والنجوة مِن الهواجس والوساوس.
- منها: التَّوبة النَّصوح؛ فما نزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولا رُفِعَ إلا بتوبةٍ.
- منها: أكْثِري مِن دعاء: «اللَّهُمَّ لا سَهْلَ إلا ما جَعَلْتَهُ سهْلاً، وأنْتَ تَجْعَلُ الحَزْنَ سهلاً إذا شِئْتَ»؛ رواه ابنُ حبَّان عنْ أنَسٍ، و «يا حيُّ يا قيُّوم، بِرَحْمَتِك أسْتَغِيث، أَصْلِحْ لي شأْنِي كُلَّه، ولا تَكِلْني إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَين»؛ وروى النَّسائي في الكُبرى.
- ومنها: الإكثار من الاسْتِغفار؛ قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]، وقال: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3].
- ومنها: الإكثار مِن ذِكْر الله وشُكْرِه، والتقرُّب إليه بِطاعَتِه ومَرْضاته؛ قال اللهُ تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، واحذري المعاصي والذنوب، فإنَّها التي تُعَسِّر على الإنسان في الحياةِ أُمُورَه، وتكونُ سببًا في مُعاناته.
هذا، وأسأل اللهَ أن يرزُقك زوجًا صالحًا تسعدين به، ويُعينك على أمور دينك ودنياك.