أمي على علاقة برجل أجنبي!

منذ 2016-12-16
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمي في منتصف الأربعين مِن عمرها، ووضعُنا المادي جيد جدًّا، والحمد لله والدي ليس فيه عيبٌ، ولا يحرمنا من شيء.

أمي تغيَّرَتْ منذ مدة بشكلٍ كبير جدًّا، حتى إنها تتشاجَر مع الجميع على أتفه الأسباب، من يومين أخذتُ هاتفها قدرًا، ووجدتُ فيه مصيبةً كبيرة، وجدتُها تراسل شابًّا، وبينهما كلام حب، ومن المحادثة فهمتُ أنهما تقابلا مرةً، وهو يشرب المخدِّرات وفي منتصف العشرين مِن عمره.

يرسل لها صورًا قبيحة، وصوره وهو يتعاطى المخدرات، ولا أعلم إلى أين وصلت علاقتهما.

نفسيتي مدمرة جدًّا، خاصة أن كل إخوتي بنات، ولو عرف أبي ذلك ستكون مشكلة كبيرة جدًّا!

لا يعرف أحدٌ هذه المشكلة غيري، ومشاعري تغيرتْ تجاهها، وأخاف أن أُواجِهُها لأنها أمي، ولا أدري هل لهذا علاقة بسنِّ اليأس أو لا؟!

أرجو أن تخبروني بما يجب عليَّ أن أفعل، فلا أكاد أنام!

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فالقضيةُ التي تطرحينها أيتها الابنة الكريمة غايةٌ في الخطورة والتعقيد، وتحتاج منك الالتزام والدقة في تنفيذ ما سنذكره، والصبر والاحتساب، مع القوة والإرادة الجازمة في إصلاح الوالدة.

أولاً: يجب عليك وبدون تردُّد أو خوف إخبار والدتك بما رأيتِ، ودعي التعلُّل بأسبابٍ واهيةٍ؛ فالأمر جدُّ خطير، والتساهُل أو ترْك المواجَهة سيؤول لا قدر الله إلى النيل مِن شرف الوالد وشرفكنًّ جميعًا.

ثانيًا: استعيني بالله، وكوني قويةً، واعلمي أن الله ابتلاك بكشْف ستر والدتك لحِكَمٍ يعلمها، قد يكون منها قدرتك على تحمُّل تلك المسؤولية الجسيمة، وليترتب عليك تكليف شرعيٌّ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مِن أوجب الواجبات لا سيما للأقربين.

ثالثًا: ناقشي والدتك عن الأسباب التي دفعتْها لإقامة علاقة مع رجل أجنبي منحرفٍ، وهي في تلك السن المتقدِّمة، فقد جاوزت الأربعين، وهي سنُّ تناهي العقل، فآن لها أن تعلمَ مقدار نعم الله عليها وتشكرها وتتفرغ للعبادة استعدادًا للموت ولقاء الله، كما قال الإمام مالك: أدركتُ أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا والعلم ويخالطون الناس، حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة، فإذا أتتْ عليهم اعتزلوا الناس، واشتغلوا بالقيامة حتى يأتيهم الموت، كما في تفسير القرطبي (14/ 353).

رابعًا: لا تدعي لها فرصة للهروب أو المراوغة، بافتعال الغضب أو السب، أو رميك بعدم الأدب والتقدير لها، أو غير ذلك مما تُحسنه النساء إذا أحيط بهنَّ، وواجهيها بكل شيء، وأشعريها بأن جميع تصرفاتها مكشوفة لك؛ حتى ترعوي وتَنْزَجر عن الحرام.

خامسًا: احرصي على أن تتحلي بالرِّفق واللين، والأدب الجَم، وإظهار الرحمة والشفقة عليها، ولا تلتفتي لوساوس النفس والشيطان لصرفك عن ذلك، بالتعلل بمثل: هي أمك، وأنك لا تريدين انتِهَاكِ الحشمة بينكما، أو لتحافظي على وَجَاهَتك أمامها، فكلُّ هذه المصالح لا تساوي شيئًا أمام المفاسد المترتبة على علاقتها الآثمة برجل منحرفٍ مدمنٍ للمخدرات، فهذه أشياء تجعلها تتطوَّر للفاحشة بأسرع مما يتصوَّر.

سادسًا: احذري أن تخبري أحدًا بما رأيتِ، واستري عليها، مع التيقظ وعدم الغفلة عنها، فراقبي جوالها، وتابعي دخولها على مواقع الإنترنت، وحسابها على مواقع التواصل الاجتماعي.

سابعًا: ذكريها بالله تعالى، وبوجوب التوبة النصوح، وبخطورة تماديها في المعصية، وأن ذلك يُعَرِّضها لسخط الله ومكره بها، وهتك سترها، فيعلم الجميع بأمرها، وأن الله تعالى البر الرحيم أمْهَلَها للتوب قبل أن تقدروا عليها، فتمادتْ فكشَف سترها أمامك فقط، إمهالاً لها لترعوي، فإن تمادتْ ثانية ولم تتبْ فضحتْ عند الجميع لا قدر الله.

ثامنًا: صارحيها - وبلغة حازمةٍ - أنها إن لم تنته الآن فستُعلمين والدك؛ ليتخذ ما يراه مناسبًا معها.

تاسعًا: تفقَّدي أحوالها دائمًا، وكوني قريبة مِن قلبها، ولتعرفي همومها، فقد تكون تعاني مِن الفراغ لانشغال الجميع عنها، وظنت أن هذا هو العلاج، وعاونيها أن تملأ وقت فراغها بما يعود عليها بالنفع في الدنيا والآخرة، وتحلي في كل هذا بالرفق والأَدَب، ولِين الجَانب، وإظْهَارِ الخَوف عليها مِن عَذَاب الله تعالى وفضيحة الدنيا.

عاشرًا: ذكِّريها بعقوبة الخيانة والغدر، وشؤمها في الدنيا والآخرة؛ فعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة»، واستغفال الزوج وخداعه وخيانته أعظم الغدر، وخوفيها بالفضيحة في الدنيا والآخرة - إن أمكن ذلك، كما بيني لها ما هي عليه من الخطر في دينها، وخوفيها من سوء العاقبة، وذكريها بالموت وما بعده من الأهوال، وعرفيها بنِعَم الله، وسعة رحمته، وعظيم عفوه وقبوله للتوبة، وذكريها بالصلاة ومكانتها في الإسلام، وخطر تركها أو التهاون بها، مع الصبر وعدم تعجل النتيجة، على أن يكون ذلك بالرفق والحكمة، فهي مهما كان حالها فإن لها حقًّا.

الحادي عشر: يجب عليك شرعًا منْع هذا المنكر الذي علمته، حتى ولو أفسدت الجوال ووصلات الإنترنت أو إفساد حاسوبها الخاص؛ لتمنعيها من الوصول للرجال.

فإن تركتْ ما هي عليه من حال سيئ، واستجابتْ للنصح، ورجعتْ للهداية والعفاف، فقد حصل المقصود والحمد لله، وأما إن لم تستجبْ ولم تكفَّ، أو شَعرتِ منها بعدم المبالاة بعد تكرار المحاولات المرة بعد المرة، فلا تترددي في إخبار الوالد؛ حتى لا تنال من شرفه وشرفكنَّ وشرف أسرتها، ولكن بحكمة.

أما تأثير سن اليأس على أخلاق أمك، فعلك تقصدين أزمة منتصف العمر، فقد سبق وتكلمنا عنها بشيء من التفصيل على موقعنا فراجعيها في استشارة: الزوج .. وأزمة منتصف العمر.

ولكن في ظني أن المرأة المتمسكة بالقيم الإسلامية وأخلاقنا ومبادئنا الرفيعة، يستحيل أن تقع في مثل هذه العلاقات، وإنما المسؤول الأول عن الانحراف ضعْفُ الإيمان، ورِقَّة الدين، وانعدام المراقَبة الذاتية، ومِن ثم وجب عليك النصح والصبر والمراقبة، وبذْل الوسع معها، والمصاحبة بالمعروف، والدعاء لها بالهداية بظاهر الغيب مع تحري أوقات الاجابة.

ونسألُ اللهَ أن يَتُوبَ عليها، وأن يَهديها سواء السبيل؛ إنه سميع مجيب

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 0
  • 19,055

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً