زواج المسلمة من النصراني
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية - فقه الزواج والطلاق - النهي عن البدع والمنكرات - العلاقة بين الجنسين -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ في بداية العشرين مِن عمري، تعرَّفْتُ إلى شابٍّ مسيحيٍّ يعمل معي في الشركة التي أعمل بها، وهو في الثلاثين مِن عمره، تطوَّر التعارُف بيننا وأصبحنا أصدقاء إلى درجةٍ كبيرةٍ، ونتعاوَن كثيرًا في عملنا، ونبْذُل قصارى جهدنا، وقد حققنا نجاحًا كبيرًا!
منذ عام تقريبًا تعلَّق كلٌّ منا بالآخر، وصار كل منَّا تَوْءَمًا للآخر، يخاف عليه ويُسانده، والمشكلة التي تُقابلنا أنه مسيحي وأنا مسلمة، ونريد الزواجَ، لكني غير قادرة على إقناعه بالإسلام، كما أنه ليس مُلتزمًا بدينه، لكنه يقول: الله واحد، والإيمان هو الإيمان بالله، والأخلاق ديني، ويقول إنه يخاف من الله!
نُريد الزواج، وأنا على ثقةٍ مِن أنه سيحميني، ويقف إلى جانبي ويحترمني، وسأجد معه الأمن والسكينة، ولكن لا أعلم هل أتزوجه أو لا؟
اقترح عليَّ الزواج المدَني، لكنني لا أُفَضِّل مثل هذا الزواج، وأخاف على مستقبلي معه وبدونه!
أرجو أن تُفيدوني. ولكم مني جزيل الشُّكر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فقد حَرَّم ديننا العظيمُ على النساء إقامةَ أي علاقة مع رجلٍ أجنبيٍّ عنها، وتتعاظم تلك الحُرمة إذا كان الرجلُ نصرانيًّا؛ إذا لا سبيل للزواج بها بحالٍ، إلا أن يسلمَ إسلامًا صحيحًا، إسلامَ رغبة في الدين، لا مِن أجل الزواج؛ قال الله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: 221]، وقال تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، فالتكرير في قوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} بالتأكيد، والمبالغة بالحرمة، وقطع العلاقة بين المؤمنة والمشرك.
وقد استفاضت النصوصُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرَّق بين جميع المسلمات وأزواجهن الذين لم يُسلموا، ومنهم ابنته زينب زوج أبي العاص بن الربيع، فلما وقع في الأسرى يوم بدرٍ، أطلقه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يبعث ابنته إليه، فوفَّى له بذلك، ثم أسلم بعدها، فردَّها عليه.
وأُحِبُّ أن أنبهك - أيتها الأخت - إلى أمرٍ عظيم، ألا وهو: أن زواج المسلمة مِن النصراني يلزم منه استحلال ما حرَّم الله تعالى، وهذه ردةٌ مجردة عن الإسلام؛ فقد أجمع العلماءُ على كُفر مَن لم يعتقدْ وجوب الواجبات، وكُفر مَن لم يعتقدْ تحريم المحرَّمات، وقد ثبت بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأئمة حُرمة زواج المسلمة نصْرانيًّا!
وأيضًا فإنَّ المحرَّمات التي نقع فيها جميعًا، ونرجو من الله أن يغفرَها، إذا كان وقوع الذنب على وجه غلبة الشهوة وقوة الطبيعة، فيواقع الذنب مع كراهته له من غير إصرار في نفسه، ويكون مع فعلها فيه بغضٌ لها، وفيه خوفٌ مِن عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلصَ مِن عقابها، إما بتوبة، وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها ولم يخف الله فيها، ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنًا بحال، بل هو كافر أو منافقٌ، كما قرره شيخُ الإسلام ابن تيمية في قاعدة في المحبة (ص: 104).
وقد ورد في السنة المشرَّفة ما يفيد أن استحلال الحرام يثبت بالفعل، كما يثبت بالقول والاعتقاد؛ كما رواه أحمد، والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن ماجه، عن البراء بن عازب قال: لقيتُ عمي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ فقال: «بَعَثَنِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجلٍ تزوَّج بامرأة أبيه، فأمَرَنِي أن أضربَ عُنُقه، وآخذ ماله».
ففارق بين أن يطأ الرجل زوجة أبيه، وبين أن يعقدَ عليها؛ فالعقد كُفر استحلال، ولذلك أمر النبي أن يخمسَ ماله؛ فدَلَّ على أنه كان كافرًا لا فاسقًا، وكفرُه بأنه لم يحرمْ ما حرَّم الله ورسوله، بخلاف لو وقَع عليها، فهو مع كونه فاحشة وإثمًا عظيمًا، ولكن لا يصل إلى حد الكفر.
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري تعليقًا على حديث البراء السابق: "وكان الذي عرس بزوجة أبيه، متخطِّيًا بفعله حرمتين، وجامعًا بين كبيرتين من معاصي الله:
إحداهما: عقد نكاحٍ على مَن حرَّم الله.
والثانية: إتيانه فرجًا مُحَرَّمًا عليه إتيانه، وأعظم من ذلك تقدُّمه على ذلك بمشهدٍ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإعلانه عقد النكاح على مَن حرم الله عليه عقدُه عليه بنص كتابه الذي لا شبهة في تحريمها عليه، وهو حاضره.
فكان فعلُه ذلك مِن أدل الدليل على تكذيبه رسول الله، فيما أتاه به عن الله تعالى ذكره، وجحوده آية محكمة في تنزيله، فكان بذلك مِن فعله كذلك عن الإسلام - إن كان قد كان للإسلام مظهرًا - مُرْتَدًّا، وذلك أن فاعل ذلك على علم منه بتحريم الله ذلك على خلقه إن كان من أهل الإسلام، إن لم يكن مَسْلوكًا به في العقوبة سبيل أهل الردة، بإعلانه استحلال ما لا لبس فيه على ناشئ نشأ في أرض الإسلام أنه حرام". ا.هـ "تهذيب الآثار" (1/573-574).
واحذري مِن مُخادَعة النفس بكون الشاب حسن الخلق، ويتصف بمواصفات لا توجد في كثير ممن تعرفين من المسلمين، فقد قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221]، ثم بَيَّن العلة والحكمة من ذلك المنْع فقال: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: 221].
فكلُّ مَن لم يؤمنْ برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ويدخل في الإسلام، فهو من الكافرين في الدنيا والآخرة، فمِن حين بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - وكل مَن لم يؤمن به فهو من أهل النار؛ كما قال أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد مِن هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار»؛ رواه مسلم.
وتصديقُ هذا الحديث في كتاب الله كما قال سعيد بن جبير: "قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: 17]، قال: "الأحزابُ هي الملل كلها".
فابتعدي عن ذلك الشابِّ، واقطعي علاقتك معه كليًّا، وإياك أيتها الأخت أن تبيعي دينك بعَرَضٍ مِن الدنيا قليل.
أما ما يُعرف بالزواج المدني، فهو صحيحٌ إذا وقع مستوفيًا لشروط النكاح وأركانه الشرعية، أما إن كان بدون وليٍّ، أو بدون شهودٍ، فهو باطلٌ، وفي مسألتك أنت لا يصحُّ زواجٌ مدنيٌّ في المحكمة، ولا زواجٌ شرعي؛ لوجود مانعٍ من موانع النكاح في الزوج، وهو الكفر، ولو كان الزواج المدني جائزًا بإطلاق هكذا كما ظننتِ، لجاز للمرأة أن تتزوجَ أخاها، أو غيره مما حرم الله عليها النكاح منه، أو يتزوج الرجل مطلقة أبيه، أو أم زوجته.
والله أسأل أن يلهمك رشدك، ويعيذك من شر نفسك.