والدي يرفض أن أتواصل معه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو النصيحة وإرشادي للصواب؛ فقد حصلتْ مشكلات كثيرة بين أبي وأمي، لاكتشافها أنه متزوج من امرأة أخرى، رغم أن والدتي لم تُقَصِّرْ معه في شيء.
انفصلا وتم الطلاق منذ سنوات، وكنتُ أنا وإخوتي على صلة به، لكن حدثتْ مشكلة بينه وبين أخي الأكبر، فأخذ والدي زوجته وسافر، وانقطع الاتصال بينه وبيننا سنوات كثيرة!
كبرتُ وتعلمتُ، وبدأت أقرأ القرآن الكريم، وأصلي، وأتقرب من الله، وحياتي - الحمد لله - لا ينقصها شيء، وأخي الكبير لا يجعلني محتاجة لأي شيء، لكن ما ينقصني هو أبي!
أحسست بالذنب؛ لأن قاطع صلة الرحم عقوبته في الدنيا والآخرة؛ ففي الدنيا:
• لا يُرفع له عمل، ولا يقبله الله.
• لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطعٌ.
• تُعَجَّل العقوبة للعاق في الدنيا قبل الآخرة.
• أبواب السماء مُغلقة دون قاطع الرحم.
وأمَّا في الآخرة:
• فلا يدخل الجنة مع أول الداخلين.
• لا تُفتح له أبواب الجنة أولاً.
• يدخر له من العذاب يوم القيامة مع تعجيل العقوبة في الدنيا إن لم يَتُبْ، أو يتغمده الله برحمته.
• يسف الملَّ، وهو: الرَّماد الحار.
قررتُ أن أبحثَ عنه، وأتصل به، وتذكرتُ أن معي رقمَ هاتف لأحد معارفه، وأعطاني هاتفه، لكن فُوجئتُ مِن ردِّ فِعل أبي، فقد سبَّني وسبَّ أمي، واتهمها في عرضها، وهي ليست كذلك؛ فهي حافظة للقرآن، وأخلاقُها عالية، وأنا أعلم أنه قال ذلك بسبب كرهه لها!
اعتذرتُ إليه، فلم يقبل اعتذاري، ورفَض التحدُّث معي لأني عاقة له، إلا إذا سببتُ أمي!
حاولتُ معه بكل الطرق لإقناعه أني أريد أن أطمئن عليه فقط، ولا أريد أن نتحدث عن أمي، أو عن إخوتي، لكنه يرفض تمامًا!
لا أدري ماذا أفعل؟ مهما حدث هو أبي، ولا أريد أن أقطع صلتي به.
أرجو أن تفيدوني في أمري، وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:عنوان الرسالة:
فشكر الله لك - أيتها الابنة الكريمة - ذلك الشعورَ العالي بالمسؤولية، وأحسن اللهُ ثوابك على سعيك في صلة رَحِم أبيك.
ذكَرْتِ في رسالتك من الأدلة ما كنتُ أنوي وصيتك به، والحمد لله الذي شرح صدرك للتفقُّه في الدين، ورزقك فَهم القرآن، فاحرصي دائمًا - وفقك الله - على العمل بمقتضى ما تعلمين؛ حتى لا يكونَ حجةً عليك، وليبارك لك فيه، وليحفظ الله عليك تلك النِّعَم.
أما مشكلةُ والدك فليس أمامك إلا الاستمرار في صلته، والبُعد عن القطيعة، مهما كان ذلك قاسيًا على نفسك أحيانًا، وإن قطعك ولم يسْعَ في ودِّك، وإن تخلى عن النفقة عليك؛ لأنَّ قطيعة الوالد لا تُبَرِّر قطيعته، ولكن لا تُجيبيه إلى سبِّ أمك، أو سبِّ إخوتك؛ فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.
ويمكنك أن تكتبي له رسالةً تنصحينه فيها بما يجب عليه تجاهكم بالأسلوب الحاني الشفيق؛ فالطبائعُ البشريةُ القاسيةُ يمكن تهذيبها وتعديلها بشيءٍ مِن الصبر والاحتساب، ومتابَعة محاولات الإصلاح والنصح والتذكير بطرقٍ غير مباشرة.
واحذري - ابنتي الفاضلة - أن يفترَ عَزْمُك، أو تلين إرادتك أمام صُدود الوالد، أو تدفعك الإساءة أو سماع ما تكرهين أو عدم البر إلى الضجر، بل على العكس وطِّني نفسك على التحلي بالسِّلم النفسي، وتحمُّل صفات الوالد، وخالطيه ببِرٍّ وإحسانٍ مع إظهار الطاعة له، وضعي نُصب عينيك قول الحق - تبارك وتعالى -: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، وكوني على ثقةٍ في الله أن بركة الطاعة والتواضع والبر والإحسان لها فِعْلُ السحر في جلب الحبِّ، وتغيُّر الطباع، ولا مانع مِن عتابه، ولكن قليلاً قليلاً، وبأدبٍ، ورفقٍ، وتواضعٍ، إن وجدتِ ذلك مناسبًا، فكما قيل:
وَيَبْقَى الوُدُّ مَا بَقِيَ العِتَابُ!
وفي الختام أكْثِري من الدعاء له بظاهر الغيب بصدقٍ وإخلاصٍ، ورغبةٍ صادقةٍ في نجاته، وتحري أوقات وأحوال الإجابة؛ فللدعاء سِرٌّ عجيبٌ في الهداية.
ثبَّتنا الله وإياك على صراطه المستقيم.
- التصنيف:
- المصدر: