الحجر على الوالد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والدي بلغ من العمر 78 سنة، ولديه زوجةٌ ثانية، باع الكثير من أملاكه مِن أجلها، وصار يُنفق عليها بدون حساب، ويسمع كلامها في أي شيء، ويفتعل معنا المشكلات بدون سبب!
الآن تطلب منه هذه الزوجة تسجيل عقار قيمته عالية لصالحها! ووالدتنا متوفاة، وهذه الزوجةُ لا تصلي، ولا تقوم بواجباتها كاملة؛ فهمُّها الأولُ والأخير المال، وبعد ذلك ستترك والدي.
فماذا نفعل؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد اخترتَ عنوانًا لرسالتك - أيها الأخ الكريم - هو: الحجر على الوالد، ثم قلتَ في فَحْواها: ماذا أفعل؟!
فأقول لك: إن كان الوالدُ الكريمُ يتمتع بعقليةٍ مُتزنةٍ، ولم يتغيرْ بسبب تقدُّمه في السنِّ، فلا يجوز طلب الحَجْر عليه، وهو حُرٌّ في تصرُّفه في المال، يتصرَّف فيه كيف يشاء، ولا سبيل عليه، أو الحيلولة بينه وبين ماله، ولكن لا يمنع هذا مِن نُصحه، وبيان أن لكم حقًّا في هذا المال، ونُصحه بل وحثّه بلُطفٍ ورحمةٍ على عدم كتابةٍ شيءٍ لتلك الزوجة مِن ممتلكاته، وبيِّنوا له أنه لا يجوز أن يتركَ أولاده دون شيءٍ؛ لما صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنك أن تذَر ورثتك أغنياء، خيرٌ مِن أن تذرهم عالةً يتكفَّفون الناس، وإنك لن تنفقَ نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجرتَ بها، حتى ما تجعل في فِي امرأتك»؛ متفقٌ عليه، من حديث سعد بن أبي وقاصٍ.
ولْيَكُنْ ذلك مشفوعًا بالإحسان إليه، وطاعته وبره بالمعروف، وأن تَحُولوا بينه وبين التصرُّف في المال، ولكن برفقٍ وحكمةٍ.
كما يمكنكم الاستعانة بأحد الأقارب أو أصدقائه الصالحين الذين يثق بهم.
وأما إن كان عقلُه قد تغيَّر بسبب الكِبَر؛ فقد نصَّ جماعةٌ من الفقهاء على مشروعية الحجْر على مَن كبرتْ سنُّه، وتغيَّر عقلُه؛ لأنه لا يُحسن التدبير وتصريف المال، وقد روى عبدالرَّزَّاق في مصنفه: أن نجدة كتب إلى ابن عباسٍ يسأله عن الشيخ الكبيرِ الذي قد ذهَب عقلُه، أو أنكر عقله؟ فكتب إليه: "إذا ذهب عقلُه، أو أنكر عقله، حُجِر عليه".
وبادِرُوا برفع الأمر إلى المحاكم في أسرع وقتٍ ممكنٍ؛ فهي وحدها المخوَّلة بالحكم عليه، وليس هذا مِن العقوق في تنفيذكم للحجر عليه، ما دامت المحاكمُ قد قَضَتْ بذلك، ولكن عليكم دائمًا بالرِّفق به، والإحسان إليه.
وفقك الله لكلِّ خيرٍ.
- التصنيف:
- المصدر: