أوهام الحب تحرمني من الزواج!
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الشباب - النهي عن البدع والمنكرات - العلاقة بين الجنسين -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة في منتصف العشرينيات مِن عمري، أُحِبُّ شابًّا أصغر مني بسنتين، وهو يُبادلني الشعور نفسه، وعَدني بالزواج منذ أربع سنوات، بعد أن يكملَ دراسته الجامعية، لكنه لَم يستطعْ أن يُنهيها في الوقت المحدَّد، وبقي له عامان دراسيان، وأنا ما زلتُ أرفُض الذين يتقدَّمون لخطبتي، حتى وصلتُ إلى هذا العمر!
لم أعُدْ أطيق الانتظار أكثر مِن ذلك، وهو يتوسَّل إليَّ أن أنتظرَه؛ لأنه لا يطيق العيش بدوني، وافقتُ على طلَبِه، وأصابتْني حالة اكتئاب؛ كرهتُ الطعام، وكرهتُ مُقابلة الناس، وانطويتُ على نفسي في غرفتي، وكل ما أفعله هو البكاء، وتدهورتْ حالتُه هو أيضًا؛ خوفًا من أن أقبلَ زوجًا غيره؛ علمًا بأنني لن أقبلَ الزواج مِن غيره، فقد تعلقتُ به كثيرًا، وهو لا يستطيع أن يتزوجني لأنه ما زال طالبًا، وليس لديه راتبٌ لكي يُنْفِقَ عليَّ، وأنا لا أطيق الانتظار أكثر مِن ذلك.
فماذا أفعل؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فمما لا شك فيه أنَّ ميل المرأة وشعورَها بالرغبة الجامحة في الزواج ممن تحبه ويحبها - شعورٌ إنسانيٌّ عميقٌ، بل وشعورٌ فطريٌّ في نفس الإنسان، يَطْلُبُه كلُّ إنسان، وإن كان الله تعالى لم يجعلْ لهذه المشاعر والرغبات إلا مكانًا واحدًا تنطلق فيه، وهو الزواج، وحرَّم ما دونه من الحب والعلاقات خارجه، بل ومنَع مِن مُقَدِّماته، وما يَؤُول إليه، فالحبُّ بعد الزواج يكون فيه السكَن، والطمأنينةُ، والمودة الحقيقيةُ؛ كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
وأما ما سوى ذلك مِن العلاقات فهي مُحَرَّمة، ومحكومٌ عليها بالفشَل، بل إنَّ الله تعالى حرَّم مجرد النظر بين الرجال والنساء الأجنبيات، وهو أقل بلا شك من الحب والوَلَهِ؛ كما قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31]، فالحبُّ - بلا شك - سيُوقع فيما حرَّم الله؛ مِن النظَر، والخلوة، والمحادَثة، واللقاء، ونحو ذلك؛ ولذا فالشرعُ لا يُقِرُّ أي علاقةٍ بين الرجل والمرأة خارج مؤسسة الزواج.
ولكن لما كان الشرعُ الحنيفُ والنظامُ الإسلاميُّ يُواجِه كلَّ واقعيات الحياة، ومشكلاتها الحقيقية - ومنها حالتك المذكورة - فعندئذٍ نجد أنفسنا نتعامل معها وفْقَ الشريعة الإسلامية، فالمرأةُ إذا تعلَّق قلبُها برجلٍ أو العكس؛ حتى وإن كان بغير كسبٍ؛ كمَن سمعتْ برجلٍ فأحبَّتْه - فهذا لا تُلام عليه؛ لأنَّ الله - سبحانه - إنما يحاسِب الإنسانَ على كسبه وإرادته، وعمله الداخل تحت إرادته، وتعامل الإسلام مع كل هذا وفْقَ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لم يُر للمتحابَّيْنِ مِثْلُ النكاح»؛ رواه ابن ماجه.
هذا في الظروف العادية؛ أما ما تذكرينه فأمرٌ استثنائي، وهو تعارُض المفسدة الكبيرة المترتبة على انتظارك لهذا الشاب، وهي مفسدةٌ متيقنةٌ - مع مصلحةٍ موهومةٍ ومظنونةٍ في الزواج منه، وعلى العاقل أن يُقارِنَ بين المفاسد التي ترتبتْ على هذا الحب، فلاحظي - أولًا أيتها الفاضلة - أنك في الخامسة والعشرين مِن عمرك، وهذا الشابُّ ما زالت أمامه سنتان للتخرج إن نجح ولم يتعسَّرْ، وسيحتاج - بلا شك - وقتًا آخر؛ ليكون مستعدًّا للزواج مما هو معلوم عند الجميع؛ أي: ستكونين تجاوزت العقدَ الثالث، ثم لا تدرين بعد ذلك هل سيتزوجك أو لا؟!
وهل في هذا الوقت سيظل على رأيه؟ أو سيبحث عن غيرك لأنها أنسب إليه عمرًا؟ كما يشهد بهذا الواقعُ في الحالات المشابهة.
فالموقف الذي يوجبه العقل - والحال كذلك - هو عدم تضييع الفرصة تلو الفرصة على النحو الذي ذكرته، وأظن أنك - أيتها الكريمة - تُدركين ما أقول، ومستقر عندك في اللاّوعي، وهذا هو سِرُّ سوء حالتك النفسية؛ لأنَّ عقلك يقول: إنك تجرين وراء سراب، وقلبك ونفسك الأمَّارة بالسوء والشيطان يمنونك بالانتظار؛ فأصبحتِ فريسةً لهم.
كان الحكماء قديمًا يقولون: ليس العاقل مَن عرَف الخير من الشر، ولكن العاقل من عرف خير الخيرين، وشر الشرين، ولا شر أشر مِن جلوسك وأنت تنظرين ضياع عمرك سنة تلو أخرى، انتظارًا لأمر مظنونٍ على أحسن تقدير.
فدعكِ مِن كل هذا، واطوي صفحة الماضي، واقطعي أي اتصال بينك وبين هذا الشاب، واقبلي أول خطيب مَرْضِي الخُلُق والدين؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خطب إليكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض، وفسادٌ عريضٌ»؛ أخرجه الترمذي في سننه.
واحذري أن تُضيعي فرصةً أخرى؛ فأنت فتاةٌ تُخطبين وتُطلبين وحسب، فليس بمقدورك أن تَخطبي أو تطلبي رجلًا، بخلاف ذلك الشاب الذي يذهب وقتما شاء، وكيفما شاء، ويخطب مَن أراد، ويترك مَن لم يردْ، فالْتَفِتِي لهذا المعنى - رحمك الله - قبل فوات الأوان؛ فكم مِن فتاةٍ انتظرتْ، ثم انتظرتْ، ثم بعد ذلك آل بها الحالُ إلى أن فاتها قطارُ الزواج، واضطرتْ بعد ذلك إلى أن توافق على أي أحد، وبدون قيد، ولا شرط!
هذه هي الحقيقة المُرَّة، ومع الأسف ودائمًا يكون الشباب - كهذا الفتى - لا يرى إلا نفسه، غارقًا في أنانية مقيتة، ولو كان صادقًا أو رجلًا حقيقيًّا لابتعد عنك بمسؤوليةٍ ورجولة وحب حقيقي؛ لا أن يضغطَ عليك لتنتظري، واللهُ وحده أعلمُ متى سينتهي، وهل سينتهي حقًّا أو لا؟!
فالفُرَص أمامه كثيرةٌ، وفتاةٌ تُنسي أخرى، ولكن المتورط الحقيقي هو أنتِ، فلا تُضيعي الفرصة منك، واعتبري بحال غيرك - يا أختنا الكريمة - وخذي بوصية الرؤوف الرحيم - صلى الله عليه وسلم - وخذي نفسك بالحزْمِ، واظفري بالزوج الصالح، صاحب الدين والخُلُق، ولا تُفَرِّطي في الفرصة التي تأتيك حتى لا تندمي، وكوني على ثقةٍ بأنَّ المودَّة والأُلفة والمحبَّة الحقيقية يجعلها اللهُ - عز وجل - بعد الزواج.
وفقك الله لكل خير، وألهمك رُشدك.