تقدم لخطبتي شاب ورفضه أهلي بسبب الماديات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ في منتصف العشرين مِن عمري، كنتُ دائمًا أرجو مِن الله أن يرزقني الزوج الصالح، وتقدَّم لخطبتي الكثير، وكنتُ على استعدادٍ أن أُوافِقَ على أي منهم ما دام محترمًا مُلتزمًا، ويخاف الله في تصرفاته، لكن لم يكن يحصُل نصيبٌ لسببٍ ما، إلى أن تقدم لخطبتي شخصٌ محترمٌ وملتزمٌ، ووجدتُ فيه كل ما كنت أبحث عنه، حتى إنني شعرتُ بشيءٍ تجاهه، فكأنني قابلتُه مِن قبلُ.
كانتْ ستتم الخطبة، لكن اختلف الأهل على الماديات؛ فقد كان أهلُه متواضعين ماديًّا، لكن لَم يكن هذا يهمني في شيء، فقد حاولتُ جاهدةً أن أقنع والدتي بأن تتهاوَن معه مراعاة لظروفه المادية، وبالفعل نجحتُ.
اتصل شخصٌ وَسيطٌ بين الطرفين لإخباره بقَرار والدتي، وأنها ستُراعي ظروفه، لكنه لَم يأتِ، ولم يتصِلْ، وأنا لا أعرف ماذا أفعل أكثر مِن ذلك؟
أشعر بضيق شديدٍ، وكثيرًا ما أبكي قبل النوم دون أن يشعرَ بي أحدٌ، وأجد نفسي مُنعَزِلةً، ولا أرغب في أن أحادثَ أحدًا، وأغضب بسرعة لأتفه الأسباب.
أرجوكم أفيدوني فقد تعلَّقْتُ به كثيرًا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد فعلتِ ما ينبغي لك فعله - أيتها الابنة الكريمة - ولم تكوني سلبيةً كحال كثيرٍ مِن الفتيات حينما يَرْفُض أهلها الخطَّاب لسببٍ ما، فيسكتن، ولا يدافِعْنَ عن حقهِنَّ في الاختيار، وكذلك والدتك تصرَّفَتْ على خلاف الكثيرات؛ فلم تتعنَّتْ، ولم تتمسَّكْ برأيها، بل وافقتْ على طلبك، وبَقِيَ القرارُ بيد الخاطب، ولكنه لم يفعلْ، فقدَّر الله وما شاء فعل.
والإيمانُ بالقضاء والقدَر - أيتها الابنة - يتجلى في الأحوال التي ليس للإنسان كسبٌ فيها؛ يعني في الأمور الجَبْرية، وقد أمرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «وأن تؤمنَ بالقدَر خيره وشره»، وقال: «إنك لن تجدَ طعْم الإيمان حتى تؤمن بالقدَر، وتعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لَم يكنْ لِيُصيبك»، وقال: «كل شيءٍ بقدر، حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز»؛ رواه مسلمٌ عن ابن عمر، وقال صلى الله عليه وسلم: «احرصْ على ما ينفعك، واستعِنْ بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا، لكان كذا وكذا، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان، ولكن قل: قدَر الله وما شاء فعل».
فليس شيءٌ في العالَم خارجًا عن مَشيئته، وإنما يقع كلُّ هذا مِن ربٍّ رتَّب ما قبل الغاية قبل الغاية، فوجب أن يكون عالمًا به، وحكمته تعالى قد أبْهَرَتْ جميع المخلوقات، فكما أنه عليمٌ بشؤون خلقه، رحيمٌ بعباده، فكذلك له كمالُ العلم والحكمة واللطف؛ قال تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149]، وصَلَتْ حكمتُه إلى حيث وصلتْ قدرته، وله في كل شيءٍ حكمةٌ باهرة، وقد تكون الرحمةُ والخير في عدم الإتمام مِن حصول نفعٍ بزوجٍ أفضل، أو تحصيل مصلحةٍ، وسرور نفسٍ، وجلب رضًا، وحصول فرحٍ أو دفع مَفْسدةٍ بأن يكون الرجل مختبئًا تحت سَمته الحسن، وقلبه ليس كذلك، وأنت قد شاهدتِ مثل ذلك في حياتك.
كثيرًا ما نغضب بسبب الفوت، ثم نرى فيه الخير والبركة، أو دفع الشر والمفسدة، بعدما ينجلي الغبار، كما قيل:
سَوْفَ تَرَى إِذَا انْجَلى الغُبَارُ أَفَرَسٌ تَحْتَكَ أَمْ حِمَارُ
فعليكِ بالتسليم والرضا - أيتها الابنة الكريمة - فكم لله في خلقِه مِن حِكَمٍ! وكم له فيهم مِن شؤونٍ! ولعل ما وقَع معك وتظنينه بلاءً يكون في رَحِمِه الخير، ويُبدلك الله خيرًا، فالحمد لله على كل حالٍ؛ كما علمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابتْه سراء شكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضراء، صبر، فكان خيرًا له».
وفَّقك الله لكلِّ خيرٍ.
- التصنيف:
- المصدر: