سكن الزوجة وأبنائها في بيت مستقل عند ظلم الزوج
خالد عبد المنعم الرفاعي
سيدة تعرض مشكلة لإحدى قريباتها، وتسأل عن إمكانية أن تخرج فتاة من بيت أبيها لتسكن وحدها؛ بسبب تسلُّط الأب عليها وعلى الأم، وسلْبِهم كل ما يملكون للإنفاق على نفسه، خاصة وأنه يتشاجَر مع الفتاة بصورة مستمرةٍ، وفي آخر حوار طردها من البيت.
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو أن تفيدوني في هذه المشكلة الخاصة بإحدى قريباتي:
فتاة تُعاني مِن قسوة والدها، وعدم الإنفاق على المنزل؛ سواء نفقات المعيشة أو المأكل!
حاولتْ مِرارًا وتَكْرارًا الحديث والنقاش معه، لكن ما يلبث أن يتحوَّل إلى جدالٍ ينتهي بشجارٍ وصوتٍ عالٍ، وتطوَّر الأمر في آخر مرة وطَرَد الفتاة مِن المنزل!
أما الأم فتُعاني من معامَلة الزوج السيئة، ولا يوجد أيُّ استقرارٍ في المنزل كله؛ بسبب ما يقوم به الأب؛ سواء مع والدتها أو معها، فضلاً عن أن الأم هي مَن تتحمل نفقات المعيشة كاملة، وترعى الأبناء، وتَسهَر على راحتهم، وهو لا يبالي بما تفعل، ولا يرضى إلا أن يأخذَ ما تملكه من مالٍ ليُنْفِقَ هو كيفما شاء، وفي الأوجه التي يراها هو فقط.
لا يلبِّي احتياجات الأم والأبناء، فهل للفتاة أن تتركَ منزل والدها، وتستأجرَ منزلاً آخر لتعيش فيه؟ وهل للأم أيضًا أن تتركَ منزلها وتستأجرَ منزلاً آخر لتستطيع أن تعيشَ فيه معيشةً كريمةً مع أبنائها، بعيدًا عن تسلُّط الأب وتحكُّماته في سَلْبِها ما لديها من مالٍ، علمًا بأن الأب في آخر مناقشاته واجَه ابنته بأنها سبب المشاكل؛ لأنها تُساعد الأم في مُواجهته بدلاً من الامتثال لرغبته في سَلْبِها كل ما تملك من أموالٍ!
أرجو أن تفيدوني في هذه المشكلة، وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالقاعدةُ الشرعيةُ أنه لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنٍ منه، كما لا يجوز لها الإقامةُ في بيت مستقلٍّ عنه؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ قد أمر المطلَّقة الرجعية وهي زوجةٌ أو لها بعض أحكام الزوجة، ما دامتْ في العدة - أمَرَها أن تلزمَ بيت زوجها، فلا يحلُّ لها أن تخرجَ من البيت، ولا يحلُّ للزوج أن يُخْرِجَها أيضًا؛ قال تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1]، فإذا خرجتْ كانتْ ناشزًا عاصيةً، ليستْ لها نفقةٌ عند أكثر أهل العلم.
غير أنه يَخْرُج عن هذا الأصل حالاتٌ تُسَوِّغ للزوجة ترْك بيت الزوج، والذهاب إلى بيت أهلها لحمايتها مِن ظُلمه، فإن لم يتيسرْ أقامتْ في بيت آخرَ تحفظ به نفسها مِن الظلم، وظلمُ الزوج من الأعذار الشرعية للخروج عند بعض العلماء.
والحالُ التي ذكرتِها أيتها الأخت الكريمة تدلُّ على وقوع هذا الزوج في ظُلْمٍ شديدٍ لزوجته وأبنائه، فلا ينفق عليهم، ويسيء معاملتهم، ويريد أن يستبدَّ بمالها، ونفقةُ الزوجة والأولاد واجبةٌ على الزوج، ولا يلزم الزوجة ولو كانت موسرةً أن تُنْفِقَ على الأبناء من مالها الخاص، إلا أن تتبَرَّع عن طيب نفس منها.
فإن كانتْ تلك الأم قد أيستْ مِن صلاح زوجها، ولم تنفعْ معه كل المحاولات التي شرَعها اللهُ عند حدوث الخلاف بين الزوجين للصلح، ورَأْب الصدْع، أو لا تتحمل الإقامة معه، أو لا تستطيع الصبر عليه - فلْتَتْرُك بيت زوجها، وتَحْيَ حياةً مستقلةً خاصةً بها وبأولادها، وفي تلك الحالِ يمكن لابنتها أن تُقيمَ معها أفضل من أن تعيشَ بمفردها، والحياةُ المستقلَّةُ وإن كانتْ جائزةً عند الحاجة إن أمنتْ المرأةُ على نفسها، وكانت امرأة صالحة ليستْ مِن أهل التهمة والرِّيبة، إلا أنه قد جرت العادةُ في بلاد المسلمين أن الفتاة لا تخرج مِن بيت أسرتها إلا لبيت الزوج، وهو مِن العُرْفِ الصحيح المعتَبَر شرعًا.
والله أسأل أن ييسرَ لهم الخير حيث كان، وأن يَهديهم لفِعل الصواب.