تسجيل الدروس الخصوصية بدون إذن المدرس
فتاة في الثانوية العامة تسأل عن مدى مشروعية تسجيل المحاضرات في الدروس الخصوصية بدون إذن المدرس، وهل في ذلك حُرمة أو لا؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ في الثانوية العامة آخُذ دروسًا خصوصيةً، وأقوم بتسجيل الدروس بدون عِلْم المعلِّمين؛ لأنهم لن يُوافِقوا؛ إذ يَخافون مِن عدم حُضور الطُّلاب إليهم إذا انتشر التسجيل، وكذلك يخشون مِن الأمور القانونية.
لكن مشكلتي أنني لا أستوعب المحاضَرة من المَرَّة الأولى في بعض المواد؛ كالفيزياء، والنحو، والرياضة، فأقوم بتسجِيلها.
وسؤالي: هل تسجيلي للحِصَص بدون علم المدرِّس فيه حُرمة، علمًا بأنني أسَجِّل الحصَّة لأسمعها أنا فقط، وليستْ للنشر؟
كذلك لا آخُذ درسًا في مادة الأحياء ولا المستوى الرفيع لضيق الوقت، ولكثرة طلبات المدرسين والتي أعجز عن تنفيذِها لكثرة المواد، فطلبتُ من صديقتي أن تسجِّلَ حصص المادتين، وإذا طلَبْنا من الأستاذ التسجيل فسيرفُض، فهل في ذلك حُرمة إذا سجَّلتْ لي صديقتي حصصَ هذه المادة بدون عِلمِه؟
وأخيرًا: رآني أستاذٌ وأنا أسجِّل، فأخبرني بأنه كان من الضروري أن أستأذنَه في التسجيل، وأنه كان سيرفُض إذا طلبتُ منه ذلك، ثم طلب حذْف التسجيلات، فوعدتُه أن أحذفَها.
فهل من الممكن أن أسمعَها أولاً ثم أحذفها.
وهل في ذلك حُرمة أو لا؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فأسأل اللهَ لك التوفيق والسداد والرَّشاد، وأن يقرَّ عينك بالنجاح في دراستك، وأمورك كلها.
لِلوُصول لحكمٍ صحيح في مسألة تسجيل الدروس الخصوصية، سأُوازن معك أيتها الابنةُ الكريمةُ بين المصلحة المترتِّبة على تسجيل الدرس وبين المَفْسَدة المظنونة، حتى يُمكننا الوُصول لحكم صحيحٍ، فما جعلك مُتَحَيِّرة في الأمر هو عدم إمكانك الفصل بين المَصْلَحة والمَفْسَدَة، بل فِعْلُ المصلحة مُستلزم للوُقوع في المَفْسَدة؛ وترْكُ المفسدة مُستلزم لتَرْك المصلحة؛ فتَعَيَّن ترجيح الأرجح من منفعة الحسنة ومَضرة السيئة، كما قيل: ليس العاقلُ الذي يعلم الخيرَ مِن الشرِّ، وإنما العاقلُ الذي يَعْلَم خيرَ الخيرين، وشرَّ الشرين، وهذا - سلَّمك الله - ثابتٌ في سائر الأمور التي بينها تعارُض.
أما المصالحُ: فقد ذكرتِ - وفَّقك الله - في رسالتك بعضًا منها، وهي بلا شك مصالحُ مُتَحَقِّقة يقينًا، يؤكِّد هذا أن الناسَ مُختلفون في قدراتهم على التحصيل والاستيعاب لتفاوُت عُقولهم.
وأما المفاسِدُ المترتِّبة وهي: خوفُ استغناء الطلبة بذلك عن أخذ الدرس الخصوصية، فيفلس المدرسون، أو خوف الوُقوع في قبضة الأمن إن كانت القوانين لا تسمح بها، وهذان السببان هما ما دفعَا المدرسين لعدم السماح بتسجيل الشرْح، ومَنْ تأمَّلَ هذه المفاسد عَلِم دون أدنى شك أنها مظنونة، ويشهد بهذا واقعُنا المعاصرُ؛ فالطلابُ مهما كان مُستواهم العقلي مرتفعًا، إلا أنهم اعتادوا الدرسَ الخاصَّ، حتى أصبحوا لا يستغنون عنه، وهذا أمرٌ مُشاهَدٌ.
وأما خوفُ السلطات المعنيَّة أو مخالفة القوانين، فالمشاهدُ أنَّ المدرِّس مهما ضُيِّق عليه لا يترُك الدرس الخاص، وذلك لحاجتِه وحاجة الطلاب، ولسانُ حال الجميع: إن الدروس الخصوصية مما عمَّت به البَلوى، وأن القضاء عليها أصبح حديثَ خُرافة، لما يتطلَّب ذلك مِن تغيير منظومة التعليم ككلٍّ، ويستلزم جهدًا ووقتًا ومالاً وزمنًا طويلاً، ومِن ثَم تجدين المسؤولين وأولياء أمور الطلاب والمجتمع أجْمَعوا على أن يتعامَلوا معها كأمرٍ واقعٍ.
إذا تقرَّر هذا أيتها الابنة الكريمة، فالأرجحُ اعتبار مصلحة تسجيل الدرس، وأن ذلك جائزٌ وإنْ لم يأذن المدرِّس، ومما يؤكِّد هذا أن الطلاب يستأجرون المدرسَ لشرْح المنهج، فالوقتُ والمجهودُ المبذول ملكٌ لهم، ولا أحد يمنع من كتابة الطلاب لكلِّ كلمةٍ تخرُج مِن فِي المدرِّس من أجل الاستفادة، والتسجيلُ أشْبَه بالكتابة، وأيضًا المواد التي تُشرَح ليستْ مِلْكِيَّةً فكرية للمدرسين، وإنما هي مناهجُ وضعتْها وزارةُ التعليم، وهو شارحٌ لها، وقد أخَذ أُجرةً على حَبْسِ وقته فيصير الشرحُ ملكًا للطلاب، فلهم تسجيلُه كما أنَّ لهم تدوينَه، والمنعُ من التسجيل فيه احتكارٌ للعلم واستغلالٌ لحاجة الطالب.
فسَجِّلي ما تُريدين مِن مواد؛ وكذلك لصديقتك أن تسجِّلَ لك دروس المستوى الرفيع للاستفادة فقط، واحرصي على عدم نشرها؛ حتى لا يُضَيِّقَ عليكم المدرِّس، أو يضيِّق على مَن يأتي في السنوات القادمة.
وفي الختام أوصيك بالمثابَرة والمجاهدة في التحصيل، فالعلمُ كلما تعبتِ فيه كان أثبت لمعلوماتك، وأكْثِري من الدُّعاء والاستغفار، فإن ذلك يجلي القلب، ويكشف غمتَه، ويجعله مُهَيَّأً لاستقبال العلم، وهذا ما كان يفعلُه أئمتنا وسلفُنا الصالح؛ فهذا شيخُ الإسلام ابن تيميَّة كان إذا صعبتْ عليه مسألة استغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر، فيفتح الله عليه فتحًا عظيمًا، وذَكَر تلميذُه ابن القيِّم أنه كان إذا أشكلتْ عليه المسائل يقول: "يا معلِّم إبراهيم علِّمني"، ويُكثر الاستعانة بذلك اقتداءً بمعاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال لمالك بن يخامر السكسكي عند موته، وقد رآه يبكي، فقال: والله ما أبكي على دنيا كنتُ أُصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنتُ أتعلَّمهما منك، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: إن العلم والإيمان مكانهما مَن ابتغاهما وجدهما، اطلب العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند عبدالله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وذكر الرابع، فإن عجز عنه هؤلاءِ فسائر أهل الأرض عنه أعجزُ، فعليك بمعلِّم إبراهيم صلوات الله عليه.
وفق الله جميع أبناء المسلمين للنجاح.
- التصنيف:
- المصدر: