مشاهدة الإباحيات عبر جوال به أذكار

منذ 2017-11-11

شابٌّ لديه هاتفٌ جوال فيه برامج للأذكار، أحيانًا يُشاهد من خلاله بعض المشاهد الإباحية، ويسأل: هل بهذا أكون كافرًا؟ وهل بفِعلي هذا أكون مدَنِّسًا لكتاب الله بشيء مادي محسوس؟

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ لم أتم العشرين من عمري، معي هاتفٌ جوال فيه برامج للقرآن والأذكار، أحيانًا يغويني الشيطان وأشاهد من خلاله بعض المشاهد الإباحية.

وسؤالي: هل بهذا أكون كافرًا؟ وهل بفعلي هذا أكون مُدَنِّسًا لكتاب الله بشيء مادي محسوس؟ وإن كان كذلك فما السبيل للنجاة وكفَّارة ذلك؟

في كل مرة أندم على هذا الفعل، وأخشى على ديني، وأشعر بالخوف مِن أنْ أخْرُج من الدين، لكن أعود له بعد فترة!

فأرجو أن تنصحوني وترشدوني، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإنَّ مُشاهدة المواقع الإباحية مُحَرَّمٌ مِنْ كلِّ وجهٍ، وتكمُن خطورته في فتْحِ باب الشرِّ على مِصراعيه؛ حتى تطلبَ النفس فعل الفاحشة الكبرى، وهو مِن هذا الوجه قد يَصِلُ إلى حد الكبائر أو يزيد.

أما دُخولُ تلك المواقع مِن جهاز عليه قرآن كريم، فلا يُغَيِّر في الحكم شيئًا، وكونُ الفعل قبيحًا مُستَهْجَنًا إلا أنه ليس ردةً ولا خُرُوجًا عن الإسلام، ولا يشابه مَن أهان كتاب الله تعالى.

أما كفَّارة ذلك الفعل المشين فهي التوبة الصادقة، والاستغفار، والندم على وقوعه في الإثم، وأن يَعْزِمَ عزمًا جازمًا على ألا يعاوده، فإذا فعل ذلك كانت التوبة مقبولة بإذن الله، ولو عاد فعليه أن يتوبَ مرة أخرى... وهكذا، بشرط ألا تكونَ عنده نية للعود وقت التوبة؛ فوجودُ تلك النية إصرارٌ يُخلُّ بالتوبة، والإصرارُ ذنبٌ مستقلٌّ تعظم به الصغيرةُ حتى تصبح مِن الكبائر؛ كما قال حَبْرُ الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس: (لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار).

أما العودة إلى الذنب كل مرة بعد التوبة والندم، فله سببٌ بَيَّنَه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (16/ 58) قال: "فالتوبةُ النَّصوح هي الخالصة مِن كل غشٍّ، وإذا كانتْ كذلك كائنة فإنَّ العبدَ إنما يعود إلى الذنب لِبَقايا في نفسه، فمَن خرَج مِن قلبه الشبهةُ والشهوة، لَم يعدْ إلى الذنب، فهذه التوبةُ النَّصُوحُ، وهي واجبة بما أمر الله تعالى، ولو تاب العبدُ ثم عاد إلى الذنب قَبِلَ الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحقَّ العقوبةَ، فإن تاب تاب الله عليه أيضًا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يُصِرَّ، بل يتوب، ولو عاد في اليوم مائة مرة، فقد روى الإمام أحمدُ في مسنده، عن عليٍّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب العبد المفتن التَّوَّاب»، وفي حديث آخر: «لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار»، وفي حديث آخر: «ما أَصَرَّ مَن استغفر، ولو عاد في اليوم مائة مرة»".

وقال ابن الجوزي في المدهش (ص: 161): "يا هذا، دبِّرْ دينك كما دبَّرتَ دنياك، لو علق بثوبك مسمار رجعتَ إلى وراء لتُخلصه، هذا مسمارُ الأضرار قد تشبَّث بقلبك، فلو عدتَ إلى الندم خطوتين تخلصتَ".

هذا، ومما يُعين على التخلُّص مِن الدُّخول على تلك المواقع أمور أُلَخِّصها لك:

• منها: استحضار العقل، وإعمال الفكر، وعدم الاسترسال مع تغيبه عند غلبة الشهوة التي تغطِّي عين الفكر، فلا يُفكِّر في عواقب الأمور، والتي منها شُؤم المعصية، وتلك الوحشةُ الرهيبة في القلب بعد ارتكاب المحرَّم.

إنما فضل العقل بتأمُّل العواقب؛ فأما القليلُ العقل فإنه يرى الحال الحاضرة، ولا ينظر إلى عاقبتها، فإن اللصَّ يرى أخْذَ المال، وينسى قطْعَ اليد، والبَطَّال يرى لذة الراحة وينسى ما تجني من فوات العلم وكسب المال، فإذا كبر فسُئل عن علمٍ لم يدرِ، وإذا احتاج سأل فذل، فقد أربى ما حصل له مِن التأسف على لذَّة البطالة، ثم يَفُوته ثواب الآخرة بتَرْك العمل في الدنيا.

وكذلك شارب الخمر يلْتَذُّ تلك الساعة، وينسى ما يَجني من الآفات في الدنيا والآخرة، وكذلك الزنا فإن الإنسانَ يرى قضاء الشهوة، وينسى ما يَجني من فضيحة الدنيا والحدّ؛ قاله ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص: 486).

• ومنها: المُواظَبة على ما يَعْتَصِم به من الشيطان ويَطْرُده، ويستدفع شره ويحترز؛ كآية الكرسي، فمَن قرأَها عند النوم لم يَقرَبْه شيطان، وأنَّ مَن قرأ الآيتين مِن آخر سورة البقرة كفتاه، والمداومة على قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة صباحًا ومساءً، فمَن قالَهنَّ كانتْ له حِرْزًا مِن الشيطان يومه كله، ومن أعظم ما يندفع به شره قراءة المعوذتين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، مِنْ هَمْزِه ونَفْخِه ونَفْثِه»، وأول الصافات وآخر الحشر.

• ومنها: العمل على زيادة الإيمان بالمُواظَبة على الأعمال الصالحة؛ فالإنسانُ لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته، وإذا فعَل مكروهات الحق فلِضَعْف بعضها في قلبه، أو لقوة محبتها التي تغلب بعضها، فالإنسانُ لا يأتي شيئًا مِنَ المُحَرَّمات كالفواحش ما ظهَر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله مالم ينزلْ به سلطانًا، والقول على الله بغير علمٍ - إلا لِضَعْفِ الإيمان في أصله أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض، لكن إذا كان أصلُ الإيمان صحيحًا وهو التصديقُ، فإنَّ هذه المحرَّمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبُغْضِه لها، فهو إذا فَعَلها لغلبة الشهوة عليه فلا بد أن يكونَ مع فعلها فيه بُغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلصَ مِن عقابها، إما بتوبةٍ، وإما حسناتٍ، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها، ولم يخف الله فيها، ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنًا بحال، بل هو كافر أو منافق"؛ قاله شيخ الإسلام في قاعدة في المحبة (ص: 104).

• ومنها: مُراقبة الله تعالى، وهو مقامُ الإحسان، أعلى مراتب الدين، فإن عجزت عنه فالمقام الوسط، وهو مقامُ الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان: «أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك»، فتيقُّن العبدِ باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه وأنه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة، وكل نفس وكل طرفة عين، فمَن راقَب الله هكذا عصمه الله مِن الوقوع في الحرام.

• ومنها: أنَّ المؤمن بالله واليوم الآخر يفعل ما يحبه الله ورسوله، وينهى عما يبغضه الله ورسوله، ومن لم يؤمنْ بالله واليوم الآخر فإنه يتبِع هواه، فتارةً تغلب عليه الرأفةُ هوى، وتارةً تغلب عليه الشدة هوى، فيتبع ما يهواه في الجانبين بغير هدى من الله؛ {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، فإنَّ الزنا من الكبائر، وأما النظر والمباشرة فاللَّمَم منها مغفور باجتناب الكبائر، فإن أَصَرَّ على النظر، أو على المباشرة، صار كبيرة، وقد يكون الإصرارُ على ذلك أعظم مِن قليل الفواحش، فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العِشق والمعاشَرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنًا لا إصرار عليه؛ ولهذا قال الفقهاءُ في الشاهد العدل: ألا يأتيَ كبيرةً، ولا يصرَّ على صغيرة، وفي الحديث المرفوع: «لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار»، بل قد ينتهي النظرُ والمباشرة بالرجل إلى الشرك، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]، ولهذا لا يكون عِشْقُ الصور إلا مِن ضَعْف محبة الله، وضعف الإيمان، والله تعالى إنما ذكَرَهُ في القرآن عن امرأة العزيز المُشركة، وعن قوم لوط المشركين، والعاشق المتيَّم يصير عبدًا لمعشوقه، منْقادًا له، أسير القلب له؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى (15/ 292-293).

وفقك الله لكل خيرٍ.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 8
  • 0
  • 51,732

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً