كيف نحصل على ميراث زوجتي؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
شخص توفي والدُ زوجته منذ سنوات، وترك لها ولإخوتها ثروة من المال، والأخ الكبير هو المتولي أمر الميراث، ولم يعطِها نصيبها كاملاً، والحالة المادية للرجل وزوجته متواضِعة، والسيدة لا تريد أن تُكَلِّم أخاها خوفًا أن تحدُثَ بينهما مشكلات.
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرًا لكم على شبكتكم الرائعة، جزاكم الله خيرًا.
أنا متزوِّج مِن سيدة توفي والدُها منذ سنوات، وترَك لها ولإخوتها ثروةً من عقارات وأموال وغيرها.
تولَّى الأخُ الكبير المسؤولية في الإشراف على مال الورثة، وجمع الإيجارات، وكلٌّ منهم يأخُذ نصيبه من الإيجارات وإيرادات العقارات.
المشكلة أن الأخ الأكبر يَستثمر أموال زوجتي مع أمواله، دون أن يَحْسِبَ لها أي نسبة مِن الأرباح، حتي إنَّ زوجتي لا تعلم كم لها مِن أموال عند أخيها! ولا يقوم الأخ بإطلاعها على أي شيء.
لَم أكُنْ أرغَبُ في أنْ أتدخَّل بينهما، وكانتْ زوجتي خائفةً مِن السؤال عن مالها؛ خوفًا من أن تحدث مشكلة مع أخيها، وخوفًا من أن تغضبَ الأم، لكن الآن نحن في حالة مادية متواضعة وأولادي كبروا، وثروةُ زوجتي طائلةٌ، فكيف يكون لدينا كل هذا المال، ولا نحصُل منه على شيءٍ؟!
زوجتي لا ترغَب في المطالَبة بحقِّها رغم ظُروفنا الصَّعبة، والأخُ الكبير يصرِف نظره عن الموضوع، رغم كلامه الطيب ومعاملته الجميلة مع أخته!
الآن أولادنا مُحتاجون لمال أمِّهم لتعليمهم وتأمين مُستقبلهم، وما زالتْ زوجتي ترفض وتخاف أن تُكلِّمَ أخاها خوفًا من المشاكل، أو خوفًا من غضب الأم، فأرجو أن تنصحوني بما يُمكننا فعلُه.
وجزاكم الله خيرًا على ما تُقَدِّمونه.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون؛ فما تَذْكُره - أخي الكريم، ومع شديد الأسف - حالُ الكثير من الأُسَر، يتغوَّل الأخُ الكبير أو غيره من الإخوان ويَجور على حقِّ أخته، ولا سيما إن كانت الأخت مثل زوجتك تُراعي صِلَة الرَّحِم، فتدفعه المعامَلةُ الحسنةُ إلى التمادي في الظلم، بدلًا من أن تجعلَه يكفُّ عن غَيِّه، ويرجع عن ظُلمه.
ولا شك أنَّ زوجتك مخطئةٌ، بل هي مُفَرِّطةٌ في حقِّها بطريقةٍ لا يُقرُّها شرعٌ ولا عُرفٌ، بل إنَّ الشارعَ الحكيمَ حَضَّ المسلم على الكيس، والسعي في الأسباب لأخْذِ حقِّه، ولا تعارُض بين أخْذِ الحق وبر الأخ، إلا أن تكونَ تَعْلَم مِن حال أخيها أنه سيَجحدها، أو يقطع رحمها إن طالبتْ بحقوقها، وهذا أيضًا لا يُبَرِّر لها الاستسلام وتلك السلبية، ولا تنسَ أنه مُطالبٌ مثلها بصلةِ رَحِمها والحِرص عليه، كوجوب إعطائها حقوقها كاملةً، وأن يستبرئ لدينه وعرضه، مع التوبة النَّصوح عن استئثاره بميراث أختيه مِن أبيها كل هذه السنين!
فذَكِّرْ زوجتك أنه لا تنافي بين مُطالبتها الجادَّة بحقوقها وانتزاعها من أخيها، وبين صلتها لرَحِم أخيها وأمها، وأن الله تعالى لا يرضى مِن عبدِه أن يكون عاجزًا تاركًا حقه، ولكنه سبحانه يحمد على التيقُّظ والحزْم؛ فقد روى مسلمٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحب إلى الله مِن المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرصْ على ما ينفعك، واستعِنْ بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ، فلا تقلْ: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قلْ: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان»، فأمَرنا بالحِرْص على ما ينفعنا، والاستعانة بالله في تحقيق ذلك، ونهانا عن العجْزِ الذي حقيقته الاتِّكال على القدَر، ثم أمرنا إذا أصابنا شيءٌ ألا نأسى على ما فاتنا، بل ننظُر إلى القدَر ونسلِّم الأمر لله، لأننا إذا غلبنا لا نقدر على غير ذلك؛ وقد قال بعض العقلاء: "الأمور أمران: أمرٌ فيه حيلةٌ، وأمرٌ لا حيلة فيه؛ فما فيه حيلةٌ لا يعجز عنه، وما لا حيلة فيه لا يجزع منه".
وروى أحمدُ وأبو داود عن عوف بن مالكٍ، أنه حدَّثهم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ردوا عليَّ الرجل»، فقال: «ما قلت؟»: قال: قلتُ: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمرٌ فقلْ: حسبي الله ونعم الوكيل».
وقوله: «إن الله يلوم على العجز»؛ أي: على التقصير، والتهاوُن في الأمور، وقوله: «ولكن عليك بالكيس»؛ أي: بالاحتياط والحَزْم في الأسباب، والتيقُّظ في الأمر، وإتيانه بحيث يرجى حصوله، والأَخْذ بالأسباب، واستعمال الفكر في العاقبة.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (7/ 654): "فإن كل ما ينفع العبد فهو مأمورٌ بطلَبه، وإنما ينهى عن طلب ما يضره - وإن اعتقد أنه ينفعه - كما يطلب المحرَّمات وهي تضرُّه، ويطلب المفضول الذي لا ينفعه، والله تعالى أباح للمؤمنين الطَّيِّبات، وهي ما ينفعهم، وحرَّم عليهم الخبائث، وهي ما يَضرهم، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا".
وقال شيخ الإسلام ابن القيم في "مدارج السالكين" (1/ 218): "ودَفْعُ القدَر بالقدَر نوعان: أحدهما: دفْعُ القدر الذي قد انعقدتْ أسبابه - ولما يقعْ - بأسبابٍ أخرى مِن القدر تُقابله، فيمتنع وقوعه، كدفع العدو بقتاله، ودفع الحر والبرد ونحوه.
الثاني: دفع القدر الذي قد وقع واستقر بقدرٍ آخر يرفعه ويزيله، كدفع قدر المرض بقدر التداوي، ودفع قدر الذنب بقدر التوبة، ودفع قدر الإساءة بقدر الإحسان.
فهذا شأنُ العارفينَ، وشأن الأقدار، لا الاستسلام لها، وترْك الحرَكة والحيلة، فإنه عجزٌ، والله تعالى يَلوم على العجز، فإذا غلب العبد وضاقتْ به الحيل ولم يبقَ له مجالٌ، فهنالك الاستسلام للقدر، والانْطِراحُ كالميت بين يدي الغاسل يُقَلِّبه كيف يشاء، وهنا ينفع الفناء في القدَر، علمًا، وحالًا، وشهودًا، وأما في حال القدرة وحصول الأسباب، فالفناء النافع: أن يفنى عن الخلق بحكم الله، وعن هواه بأمر الله، وعن إرادته ومحبته بإرادة الله ومحبته، وعن حوله وقوته بحول الله وقوته وإعانته، فهذا الذي قام بحقيقة؛ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] علمًا وحالًا، وبالله المستعان".
فأَخْبِرْ زوجتك بهذا الكلام، وأطلِعها على الاستشارة؛ لتتقوَّى على مصارحة أخيها، وبدون ترددٍ، وأن تطالبَ بجميع حقوقها، ولا تترك له شيئًا بحجة الاستثمار الذي لم ترَ طيلة تلك الأعوام ثمرتَه، ولتتكلَّمْ معه صراحةً بما يَجُول في خاطرها مِن مخاوِفَ تتعلَّق بقطيعة الرَّحِم، ولا تتدخَّل بينهما في تلك المطالَبات المادية، إلا أن تطلبَ منك مساندتها، والوقوف بجانبها إذا تعسرت الأمور لا قدر الله ذلك.
وفقك الله لكل خير.