هل يضرب الحيوان الأليف إذا أخطأ؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
شابٌّ لديه قط يُربيه في المنزل، ويسأل الشابُّ عن كيفية عقابه إذا أخطأ، وهل تجوز معاقبته أم لا؟
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والدتي لديها قط عمرُه 6 أشهر، قام هذا القط بتصرف خاطئ، وكرَّر ذلك عدة مرات.
فهل يجوز معاقبته وضربه؟
وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فجزاك الله خيرًا على حرصك على مُوافَقة شرْع الله تعالى في كلِّ شيء، وعلى خوفك مِن الوقوع فيما حرَّمه الله تعالى.
أمَّا تأديبُ الحيوان الأليف والاستعانة على ذلك بالضَّرب؛ فاعلمْ أنَّ الشارع الحكيم حرَّم تعذيبَ الحيوان، حتى فيما أباح الشارعُ قَتلَه من الفواسق الخَمسة، وقد ورد ما يرهب من تعذيب الحيوان؛ فعن جابر بن عبدالله أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه حِمار قد وُسِم في وَجهه فقال: «لعن اللهُ الذي وسمَه»، وفي روايةٍ: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الضَّرب في الوجه، وعن الوَسم في الوجه"؛ رواه مسلم.
والوَسم هو: العلامة، وهو أثرُ كيَّةِ النَّار، وفي لفظٍ: مُرَّ عليه بحمار قد وُسم في وجهه، فقال: «أما بلغكم أنِّي لَعنتُ من وَسم البهيمةَ في وجهها أو ضَرَبَها في وجهها»، ونهى عن ذلك؛ رواه أبو داود.
وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتَّخذوا شيئًا فيه الرُّوحُ غرَضًا»، والغَرَض: هو المنصوب للرَّمي، والنَّهي يفيد التحريم.
فهذه الأحاديثُ وغيرُها تدلُّ على حُرمة إيلام الحيوان وتعذيبِه، وحرمة ضَربه على الوجه، غير أنَّ ضَرب الحيوان يجوز عندما تَدعو الحاجةُ إليه؛ ومن ذلك تأديب الحيوان بشرط ألاَّ يكون ضربًا مبرِحًا، ومِن أجود ما يستدلُّ به على ذلك ما رواه البخاريُّ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: "سافرتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعضِ أسفاره - قال أبو عقيل: لا أدري غزوةً أو عُمرة - فلمَّا أن أقبلنا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أن يتعجَّل إلى أهله فليعجل»، قال جابر: فأقبلنا وأنا على جَمل لي أَرْمَك ليس فيه شِيَة، والناس خَلفي، فبينا أنا كذلك إذ قام عَليَّ - أي: وقف جملي من الإعياء والكلال - فقال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يا جابر، استمسك»، فضربه بسَوطه ضربةً، فوثب البعيرُ مكانه"، وفي رواية عند أحمد: "قلتُ: يا رسولَ الله، أبطأ بي جَملي هذا، قال: «أَنْخِه»، وأناخ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ قال: «أعطني هذه العَصا»، ففعلتُ فأخذها فنخسَه بها نَخَسَات"؛ الحديث.
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (5/ 64): "وفيه دليلٌ على جواز إيلام الحيوان، والحمل عليها بعض ما يشق بها؛ لأنَّه جاء في بعض الحديث أنَّه كان أعيا، فإذا ضُرِبَ المعين فقد كُلِّف ما يشقُّ عليه".
وقال في التوضيح لشَرْح الجامع الصحيح (17/ 526): "وفيه جوازُ إيلام الحيوان لما يُصلِحه والحملُ عليها بعض ما يشُق".
وقد نصَّ غيرُهما مِن أهل العلم على جواز ضَرب الحيوان إلاَّ وجهه، وأنَّه يُضرب على قَدر تأديبِه بلا مبالَغة.
قال ابن عابدين في حاشية (رد المحتار على الدر المختار) (6/ 402): "لا يُحَمِّلها فوقَ طاقتها ولا يضرب وجهَها ولا رأسَها إجماعًا، ولا تُضرب أصلاً عند أبي حنيفة، وإن كانتْ مِلْكَه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُضرب الدوابُّ على النِّفار، ولا تُضرب على العِثار»؛ لأنَّ العِثار من سوء إمساك الرَّاكب اللِّجام، والنِّفار مِن سُوء خُلق الدابَّة فتؤدَّب".
قال ابن نُجَيْم في البحر الرائق شرح كنز الدقائق (7/ 309): "وأمَّا ضربه دابَّة نفسه فقال في القُنْيَة: وعند أبي حنيفة لا يضربها أصلاً ولو كانت مِلكَه، وكذا حكم كل ما يُستعمل من الحيوانات، ثمَّ قال: لا يخاصَم ضارِب الحيوان فيما يَحتاج إليه للتأديب، ويخاصَم فيما زاد عليه".
والحاصلُ أيها الأخ الكريم أنَّ ضرْب القطِّ وغيره مِن الحيوانات الأليفة بقَدر الحاجة المعتبَرة؛ كترويضه وتعليمِه وتعويده لقضاء حاجته في مكان مخصوص به - جائز شرعًا، بشرط أن يكون ضربًا غير مبرحٍ، مع تجنُّب ضَرب الوجه.
واللهَ أسأل أن يرزقنا الرِّفق في الأمر كلِّه.