من مشكلات زواج الإنترنت

منذ 2018-01-05

سيدة تعرفت على زوجها عن طرق الإنترنت، وكان يُشعرها بأنه يصلي ويصوم، ثم تبين لها أنه كان يخدعها، بل أصبح يضربها ويسبها، وتسأل: هل أطلب الطلاق أو لا؟

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا سيدة متزوجة، ولديَّ مشكلة مع زوجي أضاعت السعادة والراحة في حياتي.

بداية المشكلة أني تعرفتُ إلى زوجي عن طريق الإنترنت، وقد كان متزوجًا وطلَّق قبل زواجي منه، وله أولاد مِن زوجته الأولى.

بالنسبة لي كان إنسانًا متدينًا، لا تفوته صلاة، وكلما كلمتُه وقت الصلاة يعتذر من أجل الصلاة، فكنتُ أشعر بسعادةٍ غامرة لأنه متشبِّث بالصلاة والقرآن.

تزوَّجنا واكتشفتُ الصدمة؛ كان لا يُصلي ولا يصوم، كما أنه عَصبي جدًّا، ويضرب ويسب ويشتم!

المشكلة التي أواجهها أنه أثَّر عليَّ، ولا يجعلني أصلي الصلاة في وقتها، وأنا أخاف مِن الله تعالى وعقابه، فأخبروني كيف أتعامَل معه؟ وكيف أعيده لطريق الصواب؟

حاولتُ كثيرًا معه لكن لا فائدة، ذكَّرتُه بالموتِ وبالعقابِ لكنه لا يتَّعظ.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإنَّا لله وإنا إليه راجعون، فكثيرًا ما حذَّرنا وحذَّر غيرُنا من خطورة مواقِع التعارُف ومواقع البحث عن شريك الحياة، وبينَّا أنَّها محض أوكارٍ للمفسدين والمفسدات، الذين كلُّ همِّهم الاصطيادُ في الماء العَكِر، وتضليل المغفَّلين والمغفلات، واللعبُ على عقولهم، وأنَّ الإنترنت ليس المكان المناسِب للبحث عن زوجٍ أو زوجة؛ وأنَّ الغالِب الأعم على تلك المواقِع - ومع الأسف الشَّديد - الغشُّ والتدليس، والكذِب الصَّريح.

ورسالتكِ المُحزِنة مثالٌ من آلاف الأمثِلة على ذلك، فقد جرَّبتِ بنفسك واكتويتِ بناره، فوقعتِ في رجلٍ يجيد الكذبَ والخِداعَ، فأوهمكِ أنه صوَّامٌ قوَّام، فلمَّا خُدعتِ وتمَّ الزواج اكتشفتِ أنَّه لا يصلِّي ولا يصوم، سيِّئ الخُلُق، ولم يَنته الأمر عند هذا الحدِّ، بل يمنعك أيضًا من صلاتك.

والحاصل أنَّ هذا الرجل لا يَصلح زوجًا وهو على تلك الحال، ولا يجوز لكِ العيش معه، إلاَّ أن يتوب إلى الله تعالى توبةً نصوحًا، ويحافظ على صلاته وسائر الشَّعائر التعبديَّة، أمَّا إن أصرَّ على تلك الحال فاتركيه لله تعالى، وسيخلِف الله عليكِ بخيرٍ منه؛ فمَن ترَك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه.

أمَّا كونكِ أيتها الفاضِلة تصلين الصلاةَ بعد وقتها متعلِّلة بأنَّه لا يدعك تصلِّين الصلاةَ في وقتها؛ فهذا أمرٌ غير متصوَّر؛ إذ كيف تَسمحين له أن يَحول بينكِ وبين الصَّلاة في وقتها، وحفظُ وقت الصلاة من أعظم الواجبات في الصَّلاة، وأولى الشروط التي لا يجوز الإخلالُ بها بحالٍ من الأحوال، ومن ثمَّ نصَّ العلماء على أنَّ الصلاة النَّاقِصة في الوقت أولى مِن الصَّلاة التامَّة بعد الوقت؛ وقد توعَّد الله من يؤخِّر الصلاةَ بالخسارة يوم القيامة فقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، قيل لابن مسعود وغيره من الصَّحابة: "ما إضاعتُها؟ فقال: تأخيرها عن وقتها، فقالوا: ما كنَّا نظنُّ ذلك إلاَّ تركها، فقال: لو تركوها لكانوا كفَّارًا".

وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]، ذمَّهم سبحانه وتعالى لأنَّهم سهوا عن حقوقها الواجِبة من فِعلها في الوقت وإتمامِ أفعالها المفروضة، وقد ثبت في صحيح مسلم عن العلاء بن عبدالرحمن أنه دخَل على أنس بن مالك في داره بالبصرة، حين انصرف مِن الظُّهر، وداره بجنب المسجد، فلمَّا دخلْنا عليه، قال: أصلَّيتُم العصرَ؟ فقلنا له: إنَّما انصرفنا الساعةَ من الظُّهر، قال: فصلُّوا العصرَ، فقمنا، فصلَّينا، فلمَّا انصرفنا، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «تِلك صلاة المنافِق، يجلس يَرقب الشمسَ حتى إذا كانت بين قَرنَي الشَّيطان، قام فنقرها أربعًا، لا يذكر اللهَ فيها إلا قليلاً».

فجعل صلى الله عليه وسلم من أخَّر وقتَ الصَّلاة صلاته صلاة المنافقين.

وتأمَّلي رعاكِ الله كلامَ شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 608): "وأمَّا الصلاة والزَّكاة فلهما شأنٌ ليس لسائر الفرائض؛ ولهذا ذكر الله تعالى في كتابه القتالَ عليهما؛ لأنَّهما عبادتان؛ بخلاف الصَّوم فإنَّه أمرٌ باطن، وهو ممَّا ائتمن عليه الناس، فهو من جِنس الوضوء والاغتِسال من الجنابة ونحو ذلك ممَّا يُؤتمن عليه العبدُ؛ فإنَّ الإنسان يمكنه ألاَّ ينوي الصَّوم وأن يأكل سرًّا، كما يمكنه أن يَكتم حدَثَه وجنابتَه، وأمَّا الصَّلاة والزَّكاة فأمرٌ ظاهِر لا يمكن لإنسان بين المؤمنين أن يَمتنع من ذلك، وهو صلَّى الله عليه وسلم يَذكر في الإسلام الأعمالَ الظَّاهرة التي يقاتَل عليها الناس ويصيرون مسلمين بفعلِها؛ فلهذا علَّق ذلك بالصَّلاة والزكاة دون الصِّيام وإن كان الصوم واجبًا".

وقال (7/ 611 - 613): "ومن الممتنع أن يكونَ الرجل مؤمنًا إيمانًا ثابتًا في قلبه بأنَّ الله فرض عليه الصَّلاة والزَّكاة والصِّيام والحج، ويعيش دهرَه لا يَسجد لله سجدةً ولا يصوم من رمضان ولا يؤدِّي لله زكاةً ولا يحج إلى بيته؛ فهذا ممتنع، ولا يَصدر هذا إلاَّ مع نِفاقٍ في القلب وزَندَقةٍ لا مع إيمان صحيح؛ ولهذا إنَّما يصف سبحانه بالامتناع من السُّجود الكفَّارَ، كقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 42، 43].

وقد ثبت في الصَّحيحين وغيرِهما من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما في الحديث الطويل - حديث التجلِّي - "أنَّه إذا تجلَّى تعالى لعباده يومَ القيامة سجدَ له المؤمنون، وبقي ظَهْرُ من كان يَسجد في الدُّنيا رياءً وسُمعة مثل الطَّبَق لا يستطيع السجود"، فإذا كان هذا حال من سَجد رياءً، فكيف حال من لم يسجد قط؟!

وثبَت أيضًا في الصَّحيح: «إنَّ النار تَأكل من ابن آدم كلَّ شيءٍ إلاَّ موضع السُّجود؛ فإنَّ الله حرَّم على النَّار أن تأكلَه»؛ فعُلِم أنَّ من لم يكن يَسجد لله تأكله النَّار كلَّه.

وكذلك ثبت في الصَّحيح: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَعرف أمَّتَه يوم القيامة غرًّا محجَّلين من آثار الوضوء"؛ فدلَّ ذلك على أنَّ من لم يكن غرًّا محجَّلاً لم يَعرِفه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم فلا يكون من أمَّته.

وقوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 46 - 49]، وقوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [الانشقاق: 20 - 23]، وكذلك قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31، 32]، وكذلك قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 42 - 47].

فوصفَه بتَرْك الصَّلاة كما وصَفَه بتَرك التَّصديق، ووصفَه بالتكذيب والتولِّي، والمتولِّي هو العاصي الممتنِع من الطَّاعة؛ كما قال تعالى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 16]، وكذلك وصف أهل سقَر بأنَّهم لم يكونوا من المصلِّين، وكذلك قرن التَّكذيب بالتولِّي في قوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: 9 - 16].

وأيضًا: في القرآن علَّق الأخوَّةَ في الدِّين على نفس إقام الصَّلاة وإيتاء الزَّكاة، كما علَّق ذلك على التوبة من الكُفر، فإذا انتفى ذلك انتفَت الأخوَّة.

وأيضًا: فقد ثبتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «العَهدُ الذي بيننا وبينهم الصَّلاة؛ فمن تركَها فقد كفَر»، وفي المسنَد: «مَن تَرَك الصلاةَ متعمِّدًا فقد برئَتْ منه الذِّمَّة».

وأيضًا: فإنَّ شِعار المسلمين الصَّلاة؛ ولهذا يعبَّر عنهم بها، فيقال: اختلف أهلُ الصَّلاة، واختلف أهل القِبلة، والمصنِّفون لمقالات المسلمين يقولون: "مقالات الإسلاميين، واختلاف المصلِّين"، وفي الصحيح: «من صلَّى صلاتنا، واستقبَل قِبلَتنا، وأكل ذَبيحتَنا، فذلك المسلِم له ما لنا، وعليه ما علينا»، وأمثال هذه النُّصوص كثيرة في الكِتاب والسنَّة.

وفَّقكِ الله لكلِّ خيرٍ، وقدَّر لكِ الخيرَ حيث كان.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 15
  • 1
  • 35,298

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً