زوجتي وأهلها يطلبون الطلاق
خالد عبد المنعم الرفاعي
رجل متزوجٌ مِن ابنة عمِّه، كان مسافرًا للعمَل، وعندما عاد وَجَد زوجتَهُ وأهلها يُريدون الطلاق، ولا يَدْري ماذا يفعل؟ هل يُطَلِّقها أو لا؟
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوِّج منذ 3 سنوات من ابنة عمي، تزوجتُها ثم سافرتُ للعمل، وبعد إقامتي هناك لمدة 3 سنوات عدتُ لأرى والدها يطلب مني أن أطلقَها، ثم بعد أسبوع اتصلتْ هي بي وطلبت الطلاق.
لا أعلم ماذا أفعل؟ وهل أطَلِّقها أو لا؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فلا يَخْفى عليك أيها الابن الكريم أنَّ الزواجَ مِيثاقٌ غَليظٌ، ورباطٌ شرعيٌّ يَجْمَع بين الزوجين على كتاب الله تعالى وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21].
وقد فرض الله تعالى مِن التشريعات ما يكفل الاستِقرار والاستمرار للأسرة المسلمة، وأحاط الحياة الزوجيَّة بالضمانات التي تكفل حمايتها حتى جَعَلَ الحفاظَ عليها مِن مَقاصد الدين الحنيف؛ فقال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، وقال تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 223]، وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80]، وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
فهذه الآياتُ تُصَوِّر جوانبَ العلاقة العميقة الكبيرة بين الزوجين صلة النفس بالنفس، السكن والقرار، والمودة والرحمة، والستر والتجمُّل، وجعل كلا الزوجين بمنزلة اللباس للآخر.
وإذا كانت العلاقةُ بين الزوجين بهذه الصورة، فإنه يجب على كلا الزوجين الحفاظ عليها، وعدم الإخلال بها، ولا التهوين من شأنها، والتمسُّك بشريك حياته والصبر عليه، وأن يفعلَ كلَّ ما في وُسعه للصُّلح؛ كما قال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]؛ أي: من الفراق، وقال سبحانه: {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 129].
وكذلك حرَّمت الشريعة الغرَّاء طَلب الزوجة للطَّلاق دون سببٍ ظاهرٍ يَصْعُب حله، وتوعدتها بوعيد شديد إن فعلتْ؛ فعن ثوبان مولى النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرأةٍ سألت زوجها طلاقًا من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة»؛ أخرجه التِّرمذي، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ".
وكذلك نعتت المرأة المختلعة بالنفاق، وهي مَن تطلب مِن زوجها الخُلع، وتبذل لأجلِه المال بلا عذر؛ فروى أحمد والنسائي والترمذي عن أبي هريرة: «إن المختلعات والمنتزعات هنَّ المنافقات».
والحاصلُ أن الواجب عليك التحلي بالصبر الجميل على زوجتك وأسرتها، وذكِّرهم بالله عز وجل، وما أوجب عليهم من الحفاظ على أسرتك، وعدم السعي في الطلاق أو الخُلع، فالأصلُ في الطلاق الحظر؛ لما يترتب عليه من أضرار نفسيةٍ ومعنويةٍ وحِسِّيَّة غير خافية، وقد دلَّ القرآنُ الكريم على أن التفريق بين الزوجين من أقبح أفعال السحرة؛ قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102].
وإنما يُباح للحاجة المُعْتَبَرة، والدواعي الطارئة، وتعذُّر الاستمرار في الحياة الزوجية، حتى يصبحَ الإمساك بالزوجية عبثًا لا يقوم على أساس، ولا يعرف هذا إلا بعد محاولات الإصلاح، وتقريب وجهات النظر، والبحث عن السبب الذي دَفَع زوجتك وأسرتها لطَلَب الطلاق.
ووسِّط بعض أهل الخير ومن له تأثير عليهم من عقلاء الأقارب للإصلاح بينكما؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 34، 35].
ولكن إن أَصَرَّتْ بعد محاولات الصُّلح على طلب الطلاق، فلك أن تُجِيبَها إلى طلَبِها، على أن تعيدَ لك ما دَفَعْتَ لها من مهرٍ، أو ما تتفقون عليه؛ لأنها في تلك الحال تكون المختلِعةَ التي قال الله تعالى في شأنها: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229].
والله أسأل أن يُقَدِّر لك الخير حيث كان، وأن يصلح زوجتك وأسرتها.