تجديد عقد الزواج إذا لم يكن الزوج مصليًا
شاب عَقَد أخوه عقد الزواج على فتاة، لكنه كان مُقَصِّرًا في الصلاة، وأفتاه بعضُ المشايخ بأن العقد في هذه الحالة باطل، ويسأل: هل مِن طريقة يُعيد بها النكاح بحيث لا يجرح ذلك أسرة الفتاة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عقَد أخي عقد الزواج على فتاة، لكن أخي كان مُقَصِّرًا في الصلاة، وتمر أيام طوال ولا يُصلي، وقد أفتاه بعضُ المشايخ بأن العقد في هذه الحالة باطلٌ.
والآن هو تاب وبدأ يُصَلِّي، ويُريد طريقةً يعيد بها النِّكاح بحيث لا يجرح ذلك أسرة الفتاة؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالحمدُ لله الذي وفَّق أخاك للتوبة، والعودة للصلاةِ والمحافظة عليها، فـ «الصلاةُ خيرُ موضوع»، مَن شاء أقل، ومَن شاء أكثر، كما صَحَّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عند أحمدَ وغيره.
وقوله: «خير موضوع»؛ أي: خير عمل وَضَعَهُ الله لعباده؛ ليَتَقَرَّبوا إليه به.
والذي يَظْهَر أخي الكريم أنه لا يخفى عليك ولا على أخيك أنَّ ترْكَ الصلاة كُفرٌ أكبر مُخْرجٌ مِن مِلَّة الإسلام، كما هو مذهبُ جُمهور السلَفِ منَ الصحابة والتابعين، وكذلك لم يخفَ عليكما بُطلان عقد نكاح تارك الصلاة، فلا يجوز للمُسلمة أن تتزوَّجَ كافرًا؛ كما قال الله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221].
كما أنكما تَعلمان أيضًا أن الواجب على مَن تَزَوَّجَ حال ترْكه للصلاة بعد التوبة النصوح أنْ يُجَدِّدَ عقد النِّكاح مع وَلِيِّ المرأة بحضور شاهدين؛ وقد أفتى بهذا العلامتان ابن باز والعثيمين رحمهما الله تعالى.
قال ابن باز في مجموع فتاوى (10/ 242)، وقد سُئل: هل يبطل عقد النكاح إذا كان أحد الزوجين لا يُصلي قبل الزواج؟!
فأجاب: "... وبهذا يعلم أن المسلمَ الذي يُصلي وليس به ما يوجب كفره إذا تزوَّج امرأةً لا تُصلي فإنَّ النِّكاح باطلٌ، وهكذا العكس؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن ينكحَ الكافرة من غير أهل الكتابين، كما لا يجوز للمسلمة أن تنكحَ الكافر؛ لقول الله عز وجل في سورة الممتحنة في نِكاح الكافرات: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، وقوله سبحانه في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221].
وسُئِل العثيمين كما في مجموع فتاوى ورسائل (12/ 88): إذا تزوجت امرأة برجلٍ لا يُصلي، أو تزوج رجلٌ بامرأة لا تصلي، فما الحكم؟
فأجاب: إذا تزوجت امرأة برجلٍ لا يُصلي، أو تزوَّج رجل بامرأة لا تصلي، فإن النكاح بينهما باطل لا تحل به المرأة؛ لأنَّ تارك الصلاة كافر، كما دلَّ على ذلك كتابُ الله وسنةُ رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصَّحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فلا يحلُّ للمسلمة أن تتزوَّج بشخص لا يُصلي، ولا يحلُّ للمسلم أن يتزوَّج بامرأة لا تُصلي؛ لقوله تعالى في المهاجرات: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].
فمَنْ تَزَوَّجَتْ برجلٍ لا يُصَلِّي فهي حرامٌ عليه، ويجب عليها أن تمنعه من نفسها، وتحاول التخلُّص منه بقَدْر ما تستطيع، فإن تاب وصلَّى وَجَب إعادة العقد مِن جديد إن رضيت الزوجة بذلك".
فالواجبُ على أخيك - سلمك الله - أن يذهبَ لولي الفتاة، ويصطحب معه مَن يستعين به، ويذكر للولي الأمر كما ذكرته أنت في رسالتك، ويعلمه أنه يُريد تجديد الإيجاب والقبول بأي صيغةٍ، ولا حرجَ عليه في هذا مطلقًا، فليست التوبة نقصًا؛ بل هي من أفضل الكمالات الواجبة على جميع الخَلْق، وهي غايةُ كلِّ مؤمن، فاللهُ تعالى يحبُّ التوابين ويُحب المتطهِّرين، وهو يبدل السيئات حسنات بالتوبة الصادقة، والعبرة بما عليه الإنسان الآن، وكمال النهاية لا نقص البداية.
وما أجود وأنفس ما قال شيخ الإسلام ابن القيم في "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 307): "إن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنتْ به التوبةُ مِن كثيرٍ مِن الطاعات، وهذا معنى قول بعض السلَف: قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة، ويعمل الطاعة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه، إن قام وإن قعد وإن مشى ذكر ذنبه، فيُحدث له انكسارًا، وتوبةً، واستغفارًا، وندمًا، فيكون ذلك سبب نجاته، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه، إن قام وإن قعَد وإن مشى، كلما ذكرها أورثته عُجبًا وكِبرًا ومِنَّة، فتكون سببَ هلاكه، فيكون الذنب موجبًا لترتب طاعات وحسنات، ومعاملات قلبية، مِن خوف الله والحياء منه، والإطراق بين يديه منكسًا رأسه خجلاً، باكيًا نادمًا، مستقبلاً ربه.
وكل واحد مِن هذه الآثار أنفع للعبد مِن طاعة توجب له صولة وكبرًا، وازدراء بالناس ورؤيتهم بعين الاحتقار، ولا ريب أن هذا الذنب خير عند الله، وأقرب إلى النجاة والفوز مِن هذا المعجب بطاعته، فإذا أراد الله بهذا العبد خيرًا ألْقاهُ في ذنبٍ يكسره به، ويعرفه قدره، ويكفي به عباده شره، وينكس به رأسه، ويستخرج به منه داء العُجب والكِبْر والمنة عليه وعلى عباده، فيكون هذا الذنب أنفع لهذا مِن طاعات كثيرةٍ، ويكون بمنزلة شُرب الدواء ليستخرج به الداء العضال".
وفقكم الله لكلِّ الخير.
- التصنيف:
- المصدر: