أريد أن أكون، ولكن..
لابد على المرء بدايةً أن يُتقِن العلوم الواجب تعلمها بالضرورة، وبعضَ التفاصيل في الفقه والتفسير والحديث؛ حتى يخدم مَن حوله لو احتاجوا إليه، ومن أجل هذا يلزمك الإحاطة بالمسائل الفقهية العامة..
أريد أن أكون طالب علم جيِّدًا، ولا أعرف كيف أبدأ، ولكنَّ المشكلة أنَّ الحياة صعبة في المعيشة، وأريد العيش كما أريد العلم، وأنا أعمل ولا أستطيع أن أجد الوقت للعلم، فإن تركت العمل للعلم فكيف أتعلم؟!
أنا حِرْتُ كثيرًا، لا أعرف.
أشعر بالفخر لوجود مثلك في أمة الإسلام؛ فأنت أقوى دليل على أنها حيَّة تنبض بالطاقات، والجنود الحريصين على رِفعتها وعِزَّتها، وفقك الله لكل خير!!
ما ذكرته في رسالتك هي قضية في غاية الأهمية، وهي الحيرة التي يعيشها الكثير من شباب أمة الإسلام الجادِّين، ولو كنت مكانك لأوْلَيتُ اهتمامي إلى عِدَّة أمور:
أولاً: لابد على المرء بدايةً أن يُتقِن العلوم الواجب تعلمها بالضرورة، وبعضَ التفاصيل في الفقه والتفسير والحديث؛ حتى يخدم مَن حوله لو احتاجوا إليه، ومن أجل هذا يلزمك الإحاطة بالمسائل الفقهية العامة، والمتكررة في حياة الناس، والمعرفة بالمشهور من أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة بتفسير عام للقرآن الكريم..
ثانيًا: أَوْلِ اهتمامَك إلى التطبيق العملي لهذه العلوم في سلوكك أنت ومن حولك؛ حتى نُنزل هذا الدين على أرض الواقع، وتابع الاهتمام في تطوير ذلك والبحث فيه بما يناسب وقتك وجهدك، وتَذَكَّرْ أن العلم ليس في دراسة المسائل المُعقَّدة أو حفظ المتون الطويلة فحسْب؛ بل إنَّ صرف الجهد في البحث في تطبيق المسائل العلمية على أرض الواقع - وأنتَ في عملك - له أشد الأثر.
ثالثًا: أعلمُ أنك مسؤول عن جلب لقمة العيش لك ولمن تعول من أهلك، وهذا يعني ضِيقَ الوقت الذي يمكن أن تصرفه في طلب العلم؛ ولذا فأوَدُّ أن أنصحك بما أعتقد أنه سيضيف إلى رصيد الأمة من علم ومعرفة وهو قضية التخصص، وهذا يعني أن تختار بابًا من أبواب العلم كفقه الزكاة أو فقه الجهاد أو البيوع أو غير ذلك، وتصُبَّ اهتمامك في هذا الموضوع لمدة خمس سنوات حسب الوقت المتاح لك بما يتناسب مع عملك، والهدف من هذا المشروع هو أن تصبح حُجَّة في (مصر) كلِّها في هذا العلم، أي: أن تعرف كل صغيرة وكبيرة فيه، وكل واردة وشاردة من تفاصيله، وبهذا يمكنك أن تضيف إلى هذا العلم الكثير، وأن تفيد الأمَّة بما يتناسب مع وقتك المحدود، ولقد طبق العديد من الشباب هذه الفكرة في تخصُّصات عديدة، ووصلوا إلى مراتب عُليَا، وأصبحوا ثروة لأمَّتهم مع ضيق الوقت المتاح.
رابعًا: ضرورة تنظيم الوقت؛ فمع ضغط العمل يوجد بعض الوقت المستقطع هنا وهناك، يمكن أن نلتقط فيه كتابًا أو ننصرف إلى دراسة مسألة أو مراجعة موقع نافع كهذا الموقع أو غير ذلك، كما يمكننا أن نستغل الوقت أثناء عملنا - إن أمكن - في سماع شريط أو مُدارَسَة مسألة مع زميل طالب علم؛ لأن استغلال مثل هذه الأوقات على مدار السنين يحقق إنجازات كبيرة.
خـتامًا: لابد أن نُذَكِّر أنفسنا بشرف طلب العلم وأهميته وضرورة التوكل على الله - عز وجل - في قضية الرزق؛ فهو المُتَكَفِّل بها، ليس عبر هجر العمل، ولكن عبر تقليص بعض ساعات العمل وصرفها إلى التعلم.
وفقك الله لما يرضيه، وجعل الجنة مثواك.
د. ياسر بكار
- التصنيف:
- المصدر: