استفسار عن قصة عن النبي صلى الله عليه وسلم

منذ 2018-04-12

وقال الخطيب البغدادي: "يجب على المحدث أن لا يروي شيئاً من الأخبار المصنوعات والأحاديث الباطلة، فَمَن فعل ذلك بَاءَ بالإثم المُبِين، ودخل في جملة الكذابين"...

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم..

الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبارك الله فيكم وأثابكم.

إني قرأت قصة عن النبي في عدَّة مُنْتَدَيات، وقيل لي: إنَّها غيرُ صحيحة، فأرجو إفادتي: هل هذه القصة صحيحة أم لا؟ وهي:

"اللهُمَّ صلّ وسلم على محمد وآل محمد، بينما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الطواف إذْ سَمِعَ أعرابياً يقول: يا كريم

فقال النبي خلفه: يا كريم

فمضى الأعرابي إلى جهة الميزاب وقال: يا كريم

فقال النبي خلفه: يا كريم

فالتَفَتَ الأعرابيُّ إلى النبي وقال: يا صبيح الوجه، يا رشيق القَدِّ، أَتَهْزَأُ بي لكوني أعرابياً؟

والله لولا صباحةُ وَجْهِكَ، ورشاقة قدك، لشكوتك إلى حبيبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فتبسم النبي وقال: أما تعرف نبيك يا أخا العرب؟

قال الأعرابي: لا

قال النبي: فما إيمانك به؟

قال: آمنت بنبوته ولم أره، وصدقت برسالته ولم ألقه.

قال النبي: يا أعرابي، اعلم أني نبيُّكَ في الدنيا وشفيعُكَ في الآخرة.

فأقبل الأعرابي يُقَبِّل يَدَ النبي - صلى الله عليه واله وسلم - فقال النبي: مه يا أخا العرب، لا تفعل بي كما تفعل الأعاجم بملوكِهَا، فإن الله سبحانه وتعالى بعثني لا مُتَكَبِّراً ولا مُتَجَبِّراً، بل بعثني بالحق بشيراً ونذيراً.

فهَبَطَ جبريل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له: يا محمد، السلام يُقرِئُك السَّلام ويخصُّك بالتحية والإكرام، ويقول لك: قل للأعرابي: لا يغُرَّنَّهُ حلمُنا ولا كرمُنا، فغداً نحاسبه على القليل والكثير، والفتيل والقِطْمِير.

فقال الأعرابي: أَوَيحاسبني ربي يا رسول الله؟

قال: نعم يحاسبك إن شاء.

فقال الأعرابي: وعزتِهِ وجلالِهِ، إن حاسبني لأحاسبنه.

فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟

قال الأعرابي: إن حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته، وإن حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه، وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه.

فبكى النبيُّ حتى ابتلَّتْ لِحْيَتُهُ.

فَهَبَطَ جبريل على النبي وقال: يا محمد، السلام يقرئك السلام، ويقول لك:

يا محمد قلل من بكائك؛ فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم، وقل لأخيك الأعرابي: لا يحاسبنا ولا نحاسبه فإنه رفيقك في الجنة".

 

انتهت القصة كما سمعتها؛ فأرجو إفادتي عنه.

وجزاكم الله كل الخير وأثابكم.

الإجابة:

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإنَّ هذه القصةَ من القصص المكذوبة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم نجد - مع كثرة البحث - حديثاً بهذا المعنى، وقد ظَهَرت عليها أَمَاراتُ الوضع من رَكاكَةِ اللَّفظِ، وضعف التركيب، وسَمْجِ الأوصاف، وعدم وجودها في شيء من دواوين السُّنَّةِ المطهرة؛ فالظاهر -والله أعلم- أنه لا أصل لها في كتب السنة المُدَوَّنَة.

 

قال ابن الجوزي: "إذا رأيت الحديث يُبَايِنُ المعقول، أو يُخَالِفُ المنقول، أو يُنَاقِضُ الأصول - فاعلم أنه موضوع".

 

قال السيوطي: "ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجاً عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة".

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وما يَذْكُرُهُ كثير من الناس من دعاءٍ مُعَيَّنٍ تحت المِيْزَابِ ونحو ذلك، فلا أصل له".

 

ولتعلمْ -رعاك الله- أن الحديث الموضوع لا يَحِلُّ لأحدٍ روايتُه مع عِلْمِهِ بوضعِهِ، ولا يجوز نشره إلا لبيان بُطْلانِهِ، ومَنْ فَعَلَ ذلك متعمداً فقد عرَّض نفْسَهُ لغضب الله وعقابه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب عليّ مُتَعَمِّداً فليتبوأ مقعده من النار))؛ رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من حَدَّثَ عني بحديث يرى أنه كَذِبٌ فهو أحد الكاذبين))؛ رواه مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.

 

قال السَّخاوي: "وكفى بهذه الجملة وعيداً شديداً في حق من روى الحديث وهو يظن أنه كذب".

 

وقال الخطيب البغدادي: "يجب على المحدث أن لا يروي شيئاً من الأخبار المصنوعات والأحاديث الباطلة، فَمَن فعل ذلك بَاءَ بالإثم المُبِين، ودخل في جملة الكذابين".

 

وننصح كل من أراد أن ينشر حديثاً أو يُحَدِّثَ به أن يَتَثَبَّت منه أوَّلاً قبل نشره؛ حتى لا يأثم وهو يظن أنه مُحْسِنٌ.

 

 

ولمزيد فائدة راجع فتوى: "حكم العمل بالحديث الضعيف والموضوع". المنشورة على موقع الألوكة.

 

والله أعلم.

 

إجابة الشيخ خالد الرفاعي - مراجعة الشيخ سعد الحميد

  • 91
  • 4
  • 287,734

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً