أتضايق حينما أراهم يتقدمون؛ وأنا عاجز رغم تفوقي!!
فأصبحت لا أتحمل رؤية مناظر لأشخاص بمناصب راقية كانوا يستهترون ويعيدون السنوات تلو الأخرى، بينما لم أستطع فعل شيء بتفوقي، وشيءٌ آخر هو إحساسي بضيق في صدري، ووساوس تُطاردني، فعقلي مشوش، وأنا دائم التفكير، ويغلب على ظني أنني مصاب بعين. أرجو الإفادة، وشكراً.
مشكلتي تتمثل في كوني فاقداً لثقتي بنفسي،
فأنا دائم القلق والاكتئاب لأسبابٍ أو بدون أسباب، فقد كنت من المتفوقين طيلة أعوام دراستي، وأنا الآن مسجل في دراسات الدكتوراه، ولأسبابٍ لا أعلمها أصبحت لا أطيق الدراسة، وحدثت لي مشاكل تهدد مستقبلي العلمي. أنا بطبعي انطوائي، ولا أخالط كثيراً، لكنني ذكي وسريع البديهة، تربيت على أخذ ما لي فقط وترك ما للناس، ولقد رسخت في ذهني فكرة: "بقدر عملك تأخذ أجرك"، فأصبحت لا أتحمل رؤية مناظر لأشخاص بمناصب راقية كانوا يستهترون ويعيدون السنوات تلو الأخرى، بينما لم أستطع فعل شيء بتفوقي، وشيءٌ آخر هو إحساسي بضيق في صدري، ووساوس تُطاردني، فعقلي مشوش، وأنا دائم التفكير، ويغلب على ظني أنني مصاب بعين. أرجو الإفادة، وشكراً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي الفاضل، دعنا أولاً نلخص مشكلتك في النقاط التالية:
- فقدان الثقة بنفسك، مما سبب لك القلق الدائم والاكتئاب.
- أنك أصبحت لا تطيق الدراسة بعد أن كنت من المتفوقين.
- أنك تشعر أن تفوقك لم يأت لك بنتيجة إيجابية، وأن من هم أقل منك مستوى تقلدوا مناصب كبيرة.
- أنك تشعر بضيق ووساوس، وتشويش، وتشك بإصابتك بالعين.
في الحقيقة هي مترابطة ومتداخلة، وقد تكون نتائج لمشكلة واحدة، فمن أسباب فقدان الثقة هو:
الشعور بالضيق والقلق، وخاصة عندما نقارن حالنا بمن هم كانوا أقل منا مستوى، ثم حصلوا على أعمال أفضل وهم لم يحققوا شيئاً مما حققناه، مما يزيد عملية الاكتئاب والشعور بالأسى من داخلنا مع التشويش الفكري.
إن من أسباب الشعور بالطمأنينة والثقة: الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، والإكثار من ذكره {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] فهو أعلم بنا منا، وبما يصلح شأننا.
والنجاح أخي الفاضل لا يرتبط بالتعليم فقط، وإن كان التعليم مهماً، فكم برزوا من ناجحين ومخترعين غيروا وجه العالم، ولم يتيسر لهم أن يكملوا دراستهم لسبب من الأسباب! لكن بذل الجهد والمحاولة وعدم اليأس هو النجاح الحقيقي.
قد يكون أحياناً من أسباب عدم استفادتنا مما تعلمنا ما نسميه الكمال الزائف، أو المثالية، والذي قد يُعيقنا كثيراً عن العمل والتقدم، فلا نقدم على عمل شيء حتى نتأكد من جاهزيته بالكامل، أو لا نلتحق بعمل لأنه أقل من مستوانا التعليمي، لكن لا يعني ذلك عدم الإتقان أو الغش والاحتيال؛ لذلك لا تربط نجاحك في العمل أو في أي شيء آخر بتفوقك الدراسي، فهناك أشخاص ليسوا متفوقين في الدراسة، لكنهم أذكياء في الأعمال المهنية، والتي تتطلب جهداً وقوة، وكذلك العكس.
وأقترح عليك أن تحرص على تطوير الجوانب العملية لديك؛ وذلك بالالتحاق ببعض الدورات التطويرية، وأن ترتبط بعمل يكون الهدف من خلاله بناء خبرتك بالسوق، وإن كان أقل من مستواك التعليمي. كذلك من الأهمية بمكان أن لا تشغل نفسك أو تقارن نفسك باستمرار بمن حولك، بل الأولى أن تقوم بالحرص على تطوير نفسك، والبحث عما يفيدك ويشغلك.
وأخيراً أخي الكريم:
لا ينبغي أن نغفل عن أن الله تعالى جعل الأرزاق بيده، وهو يقسمها كيف يشاء، كما قال سبحانه: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]، فاستحضر هذا المعنى، وأيقن بأن الرزق من الله، وما عليك سوى السعي والإجمال في الطلب، بعد التوكل على الله.
أسأل الله أن يبارك لك في وقتك وعلمك، ودمت بود.
المستشار: أ.طالب بن طالب