هل أنا أتهرب من الواقع؟
لا أريد أن أشعر بأنني محطم، كل ما أعلمه عن نفسي أني رجل سأنجح وسأؤثر في كثير من الناس فيما بعد، وبعد تخرجي واكتسابي الخبرة..
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
بسم الله الرحمن الرحيم:
في بعض الأحيان أحصل على درجات ضعيفة في مادة معينة، أو يكون للمعلم تعليقات قاسية على حل الواجب؛ مثل: "هل أنت متأكد من فهم الدرس؟"، "هل أنت تعي ما تكتب؟"، ومن هذا القبيل؛ فعندما أتسلَّم الورقة أحاول أن أتجاهل أي تعليق فيها ولا أراه، هذا إذا لم أمزقها عند الرجوع للمنزل.
لا أريد أن أشعر بأنني محطم، كل ما أعلمه عن نفسي أني رجل سأنجح وسأؤثر في كثير من الناس فيما بعد، وبعد تخرجي واكتسابي الخبرة..
لكن هل هذه الطريقة تسمى هروباً من الواقع؟ هل حالتي عادية؟ هل رد فعلي تجاه هذه الأمور طبيعياً؟ وبم تنصحونني وفقكم الله؟
الحساسية للنقد مشكلة يواجهها عدد كبير من الناس؛ إذ ما إن يوجّه لنا أحد الأصدقاء أو زملاء العمل أو أحد المسؤولين عنّا أي نقد حتى نُدخل أنفسنا في دوامة من المشاعر المختلفة التي تنتهي إلى شعورنا بالألم.
وقد تصدر منا تصرفات تزيد من معاناتنا، وتضخم الموقف دون أي طائل (كالصراخ في وجه الرئيس أو المدرس المنتقد).
ولأهمية هذا الموضوع, أود أن نتناقش حول الأسلوب الأمثل للتعامل مع النقد في النقاط القليلة التالية:
أولاً: بداية تذكر أن حالة انتقاد الآخرين لك ليست هي التي تحدد كيف تشعر أنت, بل ما تعتقده وتفكر فيه حول هذا الانتقاد هو السبب في شعورك بالألم والضيق وحساسيتك المفرطة للنقد.
دعني أوضح أكثر؛ عندما يقول لك أستاذك: "أنت طالب فاشل".. ستشعر بالألم.. الواقع أن شعورك بالألم ليس بسبب انتقاده لك, بل بسبب ما يدور في تفكيرك: (لماذا يقول هذا.. هل صحيح ما يقول.. كثير من الناس يعتقدون أنني فاشل..لا أتذكر أني فعلت شيئاً بطريقة جيدة في حياتي ودراستي.. فعلاً أنا فاشل). لذا تشعر بالأذى والضيق.
قال أحدهم: "لا أحد يستطيع أن يؤذيك دون رضاك".
لأننا نملك التحكم بأسلوب تفكيرنا وتحليلنا لما قيل لنا من انتقاد؛ لذا نحدد النتيجة التي سنصل إليها.
ثانياً: جميل منك أن تراقب كيف تتفاعل مع النقد؛ حيث إن البصيرة بهذا الأمر ستعطيك فرصة هائلة لتحسين قدرتك على التعامل مع النقد؛ ولذا أرجو أن تواصل في ذلك..
ثالثاً: واحدة من المهارات الأساسية التي يجب أن نتدرب عليها كل يوم هي تعزيز فكرة قبول الذات والثقة بالنفس، فمهما كان سلوكي أو رأي الناس فيّ، تبقى نفسي عزيزة عليّ، أُكنّ لها كل حبٍ وتقدير.
نعم! قد أرتكب خطأً يستحق الانتقاد, لكن حبي لنفسي سيجعلني أنشغل بإصلاحها لا الانتقاص من قيمتها؛ حتى تحقق ما تحلم به، وهو - بلا شك - أمر نبيل لابد أن تفتخر به.
عندما تغرس هذا المبدأ لديك سوف تفصل ما بين سلوكك أو أخطائك من جهة, وبين حبك وتقديرك لنفسك من جهة أخرى.
هذا - بلا شك - سيساعدك على تلافي شعورك بالأذى بسبب النقد، فلو قال أحدهم: "أنت موظف فاشل"، ستفكر: "ربما بدر مني تصرف يجعله يقول هذا, ولكن أرفض أن أقلل من قيمة نفسي".
رابعاً: الأسلوب الصحيح للتعامل مع النقد هو أن نبحث عما يجعل الناقد يقول هذا الكلام. هل انتقاده في محله؟ ما الذي يمكن أن أفعله حتى أصحح ما فعلته، أو أتلافى تكرار ما حدث؟ أي: انظر إلى الجانب العملي من النقد، وليس التفاعل معه وكأنه تعبير عن الانتقاص من قيمتك، وعندما تصل - بعد تفكير موضوعي - إلى أن انتقاده ليس صحيحاً؛ فلماذا تود أن تقنعه بأن انتقاده لم يكن صحيحاً؟.. لماذا لا تدع كلامه يسير دون تعليق؟ لماذا تجعل خطأه مشكلة لك أنت؟!!
خامساً: تذكر أننا في حالة مستمرة من التطوير والتحسين لأدائنا العلمي والعملي والدراسي والمهارات الشخصية، وعندما يأتي النقد من شخص معتَبَر ومحتَرَم - حتى لو كان لاذعاً - فانظر إليه على أنه فرصة وليست إهانة، إن تغيير النظرة على هذا النحو سيغير حياتك تماماً.. ألم تسمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يقول: "رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي".
ختاماً: تذكر أنه لا يوجد قانون عالمي يحميك من الانتقاد اللاذع، وما لك إلا أن تصحح أسلوب تعاملك مع أي نقد, واسمع هذه المقولة ثانية:
"لا أحد يستطيع أن يؤذيك دون رضاك"
الكاتب: د. ياسر بكار.